18 ديسمبر، 2024 9:00 م

صدام حسين والشاه وجهاً لوجه

صدام حسين والشاه وجهاً لوجه

منذ عام 1969، شهدت العلاقات العراقية الايرانية تأزماً خطيراً. وتبادل النظامان في البلدين الجارين، الاتهامات، وشنت حملات اعلامية متبادلة. ولعب الاعلام دوره في التأجيج والتصعيد، ومطلع عام 1975، قررت جامعة البصرة اقامة ندوة في مقرها بمنطقة التنومة حول (الاطماع الايرانية في العراق). ومن جريدة الثورة تمت تسميتنا (المهندس الكاتب هاني وهيب وانا) لاقاء محاضرة في تلك الندوة.
6/ اذار/ 1975
تهيأنا (الزميل هاني النداوي وانا) لتلك الندوة. حضرنا الوثائق التي تؤكد اطماع الشاه في العراق والخليج. ولم نكن ندري ان مباحثات سرية، تجري بين النظامين، بوساطة جزائرية. وقد افضت تلك المباحثات الى توقيع (اتفاقية الجزائر) في (6/ اذار/ 1975). وحقق النظامان مكاسب عديدة من هذه التفاقية، الا ان نظام الشاه حصل على على مكاسب اوسع وافضل.
كان نظام الشاه يستخف بالنظام العراقي وبالقيادة العراقية.
لذلك حرصت هذه القيادة على تحقيق التعامل المتكافئ والاحترام المتبادل اثناء المباحثات والتوقيع على الاتفاقية. وقع التفاقية عن العراق: نائب الرئيس العراقي صدام حسين، فيما وقعها عن ايران: الشاه نفسه. كانت المناسبة التي عقدت فيها هذه الاتفاقية، هي: قمة الدول المصدرة للنفط (اوبك) التي عقدت في الجزائر مطلع اذار/ 1975.
الخطوات المحسوبة
وفي لقاء اعلامي موسع، عقد عقب توقيع الاتفاقية، تحدث نائب الرئيس العراقي عن بعض الوقائع التي سبقت ورافقت التوقيع. وكما اشرنا قبل قليل، فان هاجس القيادة العراقية كان تحقيق التعامل المكافئ بين طرفي الاتفاقية. وكان (الاخراج) العلني لوقائع توقيع الاتفاق كالتالي: وقعت الاتفاقية ليلاً. وصباح اليوم التالي كان هناك اجتماع لقمة دول الاوبك ترأسه الرئيس الجزائري هواري بومدين. ومن المنصة اعلن بومدين خبر توقيع الاتفاق بين النظامي: العراقي والايراني. ويبدو ان هناك اتفاقاً مسبقاً على هذا الاعلان، وان يقوم الطرفان المتعاقدان بالمصافحة امام الحاضرين. وهو ما تم عن هذه الاجراءات، قال نائب الرئيس العراقي في الاجتماع الاعلامي الموسع، ما مضمونه وربما نصه: (بعد اعلان الرئيس الجزائري عن توقيع الاتفاقية، دعانا للقاء العلني ومصافحة بعضنا. كنت اراقب تصرفات الشاه جيداً. لم انهض من مكاني الا عندما نهض الشاه من مكانه وتوجهنا نحو بعضنا. كنت اعد خطوات الشاه وهو يتجه نحوي. حرصت بكل دقة على الا تزيد خطواتي وانا اتجه نحوه، على عدد خطواته وهو يتجه نحوي. وفي منتصف المسافة بيننا التقينا وتصافحنا..).
المحاضرة.. المصيبة
وبعد ارام الاتفاقية توقفت الحملات الاعلامية. ولكن لم تلغ جامعة البصرة ندوتها. وهكذا سافرنا: انا والنداوي الى البصرة، وكان فشلنا فيما كلفنا به شبه مؤكد حاولت الاتصال بالجهة التي كلفتنا لصرف النظر عن الندوة، لان (الامور) تغيرت، او تسمية محاضرين جدد، فلم اجد تفهماً او اذنا صاغية.
لقد دار مؤشر الاحداث (180) درجة، فكيف وبماذا سنتحدث؟. وامام امر ملزم سافرنا، وعقدت الندوة. وبانت تباشر الفشل. فقد كنا معبأين ضد اطماع الشاه. والاتفاقية وما رافقها وما تلاها، تضع خطاً احمر ضد انتقاد اي طرف للاخر اعلامياً، ولم نكن (زميلي وانا) متحمسين لاداء دور صعب يتمثل بالحديث عن (امور مضت) واخرى استجدت. وعندما لا يتفاعل المحاضر مع موضوع محاضرته، فانه لا يبدع، ان لم نقل: انه يفشل. واتحدث عن قناعاتي فقط.
الحصيلة: استطلاع صحفي
وتفاقمت نذر الصعوبة، حين اركتبنا خطأً تنظيمياً بأن سمحنا بتقديم الاسئلة مكتوبة. معنى ذلك اننا لا نعرف من هو السائل. وهكذا جاءت بعض الاسئلة والمداخلات انتقادية للنظام لجهة توقيعه على اتفاقية الجزائر، بل كانت بعض المداخلات المكتوبة والخالية من الاسم، شتائمية. عدنا من البصرة بنتيجة معروفة مسبقاً. لكن زملاءنا في شركة نفط البصرة، وفي مقدمتهم المهندس نعمان النداوي نظموا لنا جولة في الحقول النفطية شمالي البصرة، وهكذا عدت باستطلاع صحفي، نشر في جريدة الثورة تحت عنوان: كنت في البصرة. الا تكفي هذه الحصيلة؟!.