يبدو أن صدام حسين، أواخر ثمانينيات القرن الماضي، مع النهاية الوشيكة للحرب العراقية الإيرانية، كان محكوما بهاجس الخوف من سعي الولايات المتحدة للإطاحة به مما دفعه الى إتخاذ مواقف متشددة منها ومن حلفائها الخليجيين، حتى أنه أعرب عن إستعداده للرد مهما كانت النتائج مدمِّرة .
لقد تبين لاحقا خلال حرب الخليج الأولى، عاصفة الصحراء، أن ذلك الهاجس كان وهماً محضاً عندما أحجم شوارسكوف، قائد القوات الأمريكية الشهير، عن التقدم نحو بغداد، وتوقف على أبوابها رغم أن الطريق كانت سالكة، وأبقت أمريكا بالتالي على نظام صدام حسين بالتوافق مع رغبة الخليجيين أنفسهم أو ربما بطلب مباشر منهم، إما خوفاً من الفوضى المتوقعة في العراق ووقوع البلد في براثن إيران، وإما توجسا من إقامة ديمقراطية فتية، لن تلبث رياحها أن تهب على رمال الخليج وبقية دكتاتوريات المنطقة. ثم إنهم فتحوا له الطريق وسمحوا له بإستعادة خمسة عشرة محافظة خرجت عن سيطرة الدولة تماما، بستخدام القوة المفرطة ومن ضمنها صواريخ أرض ـ ارض ما عدا الطائرات الحربية الثابتة الجناح.
إلا أن ”السيد الرئيس“ لم يستوعب الواقع للأسف ولم يتمكن من نبذ الهاجس الأمريكي ضده واستمر على نهج المتربص إزاء النفوذ الأمريكي وحلفائه في المنطقة، الى الحد الذي لم ير فيه ضيرا من التقرب الى ايران التي حاربها وحاربته لثمان سنوات طاحنة وأمنها بشكل غريب. استمر على ذلك النهج، الى أن أودى به في عام ٢٠٠٣، ليجد الخليجيون أنفسهم أمام الإحتمالين اللذين دفعهم الى إنقاذ نظام صدام حسين قبل ثلاثة عشرة سنة. ها هو العراق يهوي في براثن ايران ويمارس ديمقراطية تبوح ليل نهار ببؤس الأنظمة العائلية والسلطوية المستبدة، رغم ما يشوبها من عورات.
اكثر من ذلك، يبدو أن صدام حسين كان فعلا معجبا بالنموذج الأمريكي ويود لو تمكن من إقامة علاقات صداقة قوية مع الولايات المتحدة. التنازع بين الرغبة في ذلك والخوف من مؤامرة الإطاحة به، جعلته يجانب الصواب في إختياراته ويصل الى إستنتاجات متضاربة، وينتهي الى ما انتهى إليه، وذلك، في الواقع، ديدن كل دكتاتور. لا يستطيع أي مستبد أن ينام قرير العين مرتاح البال لأنه مجبول على هاجس المؤامرة، لا لشيء سوى لإعتقاده الجازم أن ما يقوم به يخالف طبيعة الأشياء.
يقول صدام حسين في مذكرة مكتوبة باليد الى وزير خارجيته طارق عزيز مؤرخة في ٢٢ / ٦/ ١٩٩٠، ومنشورة على موقع إِيْ بَيْ:
تعلمون أن العراق يريد علاقة صداقة قوية مع الولايات المتحدة الأمريكية ولكن السؤال هل أمريكا تريد ذلك،، بالتأكيد لا وأنها تعمل على إفتعال المزيد من الأزمات لوضع العراقيل أمام هذه العلاقة.. إن العراق تكبد مئات اللآلافمن الضحاياوالآن ليس لدينا الإمكانية حتى من دفع مخصصات ورواتب للشهداء في ظل تراجع أسعار النفط بسبب رعونة بعض حكام الخليج وخصوصا الكويت.. إننا سئمنا (كلمة غير مقروءة) ولكن الكويت تجاهلت حتى الدبلوماسية وإن المناورات الأمريكية الإماراتية العسكرية سوف تشجع الكويت وغيرها على تجاهخل الطرق الدبلوماسية.
نحن نحذر من إهانة العراق على الملأمن قبل أمريكا أو أية دولة أخرى وسوف لن يكون لدينا خيار سوى الرد بغض النظر عن النتائج غير المنطقية او المدمرةالتي قد تنتج عن ذلك الرد..
إن أمريكا بدت غير سعيدة بعد إنتصاراتنا على القوات الإيرانية في الفاو وتصاعد إحتمالات إيقاف الحرب بعد ذلك الإنتصار الباهر.. إن بعض الدوائر بدأت تجمع معلومات عمن يخلف صدام حسين.. كما ان الدوائر ذاتها حرض وتحذر دول الخليجمن العراقوعملت على ضمان عدم تمتع العراق بأي مساعدة لا بل قامت بتهديدها إذا قدمت أي مساعدةأو تحاول شطب ديونها.
إن كل حملات الإعلام الأمريكية ضد شخص صدام حسين والعراق العظيم وعلى كل تلك النكسات في العلاقات لا زلنا نأمل بعلاقات قوية مع أمريكا لكن مع الحفاظ على كرامتنا وسيادتنا ولن نقبل بأقل من ذلك
أما أن يعرض إقتصادنا للخطر وشعبنا للفقر سوف لا يمكن التهخاون معهموهذا مبدأنا في الحزب والقيادة…
توقيع صدام حسين
٢٢ / ٦ / ١٩٩٠