23 ديسمبر، 2024 11:11 ص

حين رأيته لم اعرفه للوهلة الاولى وعجبت كيف تغيرت السمات والصفات… ذلك الرجل عشت معه في كهف من كهوف الظلام في قرية موغلة في القدم منتمين الى قبيلة الجهل واللامعرفة وعهدي به سعيدا بذلك الجهل مما كان يدعوني ان اجادله وابادله التهم والكلمات التي كانت سائدة في ذلك العصر الجاهلي الذي يتحول الرجال فيه الى اصنام … وها هو صاحبي قد تحول الى صنم … الحق اقول انني قد بكيت لأجله … حتى ان بعض المقربين مني لاموني وحاولوا تخفيف تلك الصدمة ولكني وبحكم صداقتي له كنت اؤثر ان لا يتحول الى صنم  … نعم كنت اريده ان يناقشني …يتحدث اليّ…يجادلني ويمكن ان نختلف في كثير من الامور لكن يظل لكل منا في قلب الاخر محبة صادقة وان كان الجهل يطبق على كلينا …واذكر انني حدثته بأن هناك عالم آخر ليس فيه ظلام وليس فيه جهل فهزأ مني وضحك ضحكة طويله نادبا فيها سذاجتي وقله معرفتي وأشار الى سياط الاصنام الكبيرة وجلاوزة الآمرين الذين يمتازون بوجوه قبيحة بل وشديدة القبح ونفوس سوداء … نعم اقول لكم الصدق ان نفوس اولئك لا يسترها عن الرائي أي ستار ولشدة ولعهم بذلك القبح تراهم يتبارون بالإتيان بأشنع الافعال واكثرها جريمة لكي يزداد قبحهم فتعلوا بذلك مراتبهم …اجل فكرت بهذا الامر الذي يحملني الكثير من العناء لكن امر الاستسلام لهؤلاء الجهال والظالمين كان امر لا استطيع الرضا به وان نالني من سياطهم الم كبير ولذا فررت من الكهف بروحي ولا اقول بجسدي وسافرت طويلا حتى غاب عني كل شيىء حتى التربة التي ولدت عليها ولذكراها الم كبير فمولدي في قبيلة الجهل خنجر مسموم يقض مضجعي وعلامة بائسة تميزني عن الجهلة الاخرين في عوالمهم الاخرى وكان يحدوني الامل ان تغير قبيلتي منهجها وان لا تستمر بذلك البؤس …  
           كيف صرت حجرا …؟ باغته سؤالي واثار في داخله انفعالات ما كان يستطيع ان يخفيها رغم صلابته الحجرية التي يتحصن بها وعهدي به مهاجما دارعا وخطيبا بارعا لكن حين تلتقي السيوف يولي الادبار يقول مالا يفعل ويأمر وينهي حسبما تقتضيه مصلحته الشخصية وفائدته الدنيوية ولكنه رغم هذا ابتسم بصعوبة بالغه محركا فكيين حجريين فبدت اسنانه ملوثة بدم عبيط…آه …أقاتل صرت يا هذا…؟
ضحك هذه المرة مجيبا…وهل تريد حجرا بغير فتك… يا لسذاجتك لقد كنت دائما اضحوكتنا للبراءة التي تحملها…فصرخت به …كلا انما انا احب الله ولذا احب خلقه وانت واصحابك تجعلون خلق الله طريقا لدنياكم فهتف غاضبا تقول عني هذا الكلام ايها البائس بل ان قلوبنا الحجرية تقبل القتل وقلبك الابيض الجبان ضعيف عن حمل هذه الهبة الإلهية التي يعطيها الله لمن احب …
من كتاب الى وطني