يتندر الناس هذه الأيام عندما يأتي الحديث عن أداء الحكومة والخدمات، بالصخرة التي وجدها نعيم عبعوب في مجاري بغداد أثناء فيضان أحياءها في المطرة الأخيرة والتي ذكر أن وزنها كان 150 كغم، وأتهم ( أحدى الجهات) قائلاً أن تلك (الجهة) تعمدت ألقاء هذه الصخرة لتعقيد الحياة على أهالي بغداد وأمانة العاصمة!… ورغم أن أتهام كهذا، وفعل كهذا لايحدث ألاّ في العراق، ألاّ أنني أصدق نعيم عبعوب في أدعاءه هذا، وبالرغم من أنه يثير السخرية والتندرعند أكثر الناس، ألاّ أنه حقيقة…
نعم…معظم الكتل السياسية و( الجهات)…من الطائفتين…تتمنى لو أن بغداد تغرق الى أم رأسها بالمياه…وأن يتشرد أهلها، ويطلبوا اللجوء في المحافظات الأخرى، وخارج العراق، وأن تأتي الأمم المتحدة واليونيسيف وحقوق الأنسان، ويقيموا مخيمات للمتشردين و(الفائضين) و(الغارقين) من أهالي بغداد، وأن تقوم الفضائيات(التي تحب الشعب العراقي كثيرا) مثل العربية والجزيرة والشرقية بالتهويل لكارثة كهذه، وأن تسري الأمراض المعدية وغير المعدية بين هؤلاء المتشردين، كي تعظم الرزية وتشتد المصيبة ويموت الناس بالمئات والآلاف…
كل هذا من أجل أسقاط الحكومة!…
أن من السذاجة الأعتقاد، أن معظم الكتل السياسية لاتتمنى أن يحدث ذلك. بل هو أمنية، بل حلم كبير بالنسبة لها!…
المعادلة بسيطة، تخيل أنت رجل في وسطك ومجتمعك تكرهه وتبغضه وتعاديه، وترى هذا الرجل يتمتع بسلطات ومال وجاه، وهو أيضاً يكرهك ويبغضك ويعاديك، ألا تتمنى زوال سلطانه ونعمته وأن تراه ضعيفا مكروداً…وربما بأي ثمن، بل يحدث أنك ربما على استعداد للتضحية بكل غال ونفيس من أجل أن تراه مخذولاً مذموماً ضعيفاَ يستدر العطف. نفس الشيء ينطبق على الكتل السياسية…فهي بالتالي متزعمة من قبل أشخاص يكنون العداء والبغض والحقد لزعماء الكتل السياسية الأخرى، ويتربصون بهم الدوائر ويحيكون المكائد الصغرى- ذات الوزن الخفيف (كصخرة عبعوب)… والكبرى ذات العيار الثقيل- كتقاضي عشرات الملايين بل مئات الملايين من الدولارات من الدول المجاورة – لتعطيل عجلة الحياة في العراق والأطاحة بالحكومة.
صخرة عبعوب، تحمل دلالات كثيرة، منها: خيبة الأمل الكبيرة التي باتت تثقل كاهل ساكني بغداد، ومنها أيضاً: ضحالة العقلية السياسية في بلادنا. ألاّ أنها تبقى من الناحية العملية على كل حال.. مكيدة من الوزن الخفيف، وأمرها يسير. الرزية والمصيبة عندما نعلم عن ماهية المكائد الكبرى…
فمن السذاجة – مرة أخرى- الأعتقاد أن دول مثل السعودية لاتدفع مئات الملايين من الدولارات الى بعض الكتل كدعم سياسي ورواتب لزعماؤها وممثليها ووزراءها ومدراءها العامون (بالأضافة الى رواتبهم من الحكومة العراقية)… من أجل عرقلة كل مامن شأنه تحسين وضع الحياة في العراق. بل أن السعوديين يتكلمون علناً عن موقفهم هذا من الشعب العراقي، وعبثاً يدعي البعض أن العلاقات في طورها للتحسن بين البلدين!…هذا أمر في الحقيقة يبعث فينا بالأسى، عندما نسمعه بين الحين والآخر في وسائل الأعلام، فبدلاً من السعي الى مقاضاة الحكومة السعودية دولياً بكل ماأوتينا من قوة ودبلوماسية، لمسؤوليتها عن قتل عشرات الآلاف من العراقيين باعتبارها المصدر الرئيسي لصناعة وتصدير الأرهاب والأرهابيين الى العراق وبشكل علني لم يعد يخفى على أحد. نرى بعض الناطقين باسم الحكومة العراقية- وهم كثر- يتحدثون عن تطور( ايجابي) في العلاقات مع السعودية!…أي تطور هذا!…ربما عنوا أن السعودية وبندر بن سلطان قرروا تقليص صادراتهم من الأرهابيين الى العراق الى النصف أو الثلث، وتصدير البقية الى سوريا…(مؤقتاً ريثما تحترق وتغدو ركاماً تذروه الرياح)…في هذه الصورة نعم، يعتبر هذا تطور أيجابي، فبدل أن يقتل 1000 عراقي شهرياً على أيدي السعوديين، سيقتلوا 500 فقط…تطور أيجابي!…
لايلوح في الأفق أي أمل في تحسن الوضع الأمني والخدمي في بغداد، وانخفاض عدد المفخخات واستتباب الأمن لأيام قليلة، يزعل ويغيض بعض الكتل السياسية. التحاقد والتناحر والتباغض في تصاعد، ومحاولة تسقيط الآخر هو الشغل الشاغل للكتل السياسية. أنعكس هذا التأزم بشكل واضح على تصرفات المواطن في بغداد…فهو متأزم عصبي فظاً غليظ القلب ( بشكل عام). الكهرباء- ونحن الآن في الشتاء- عادت وكأننا في الصيف، والتصريح الشهير للشهرستاني أنه سيصدر الكهرباء خارج العراق في سنة 2013!.. أمراً آخر يتندر به الناس…
وصخرة عبعوب…مثال للعجز وخيبة الأمل…
وهكذا يخلص العمر في عراقنا الحبيب…