17 نوفمبر، 2024 4:50 م
Search
Close this search box.

صخب الاجتماعات وهذيان المؤتمرات

صخب الاجتماعات وهذيان المؤتمرات

معلوم ان لكل مشكلة حلا.. ولك أزمة انفراجا، وما على المبتلى بأحدهما أو كليهما إلا تكريس الجهود والعمل المثابر للوصول الى الحل. ومعلوم أيضا ان الحلول تتراوح بين فورية وآنيّة، وبين أخرى تتحمل التأجيل، وثالثة يمتد سقفها الزمني الى حيث يتطلب الأمر. كذلك تتنوع الحلول حسب مقتضيات المشكلة ومساحة تأثيرها، إذ تكفي بعض المشاكل أنصاف الحلول، فيما تستوجب مشكلات أخرى حلولا جذرية وفورية.. وفي كل الحالات لو لم تحل المشكلة في حينها، تتفاقم تبعاتها وتستجد لها تداعيات لاتحمد عقباها.. كفانا الله المشاكل وعقباها وشرها وشررها.

منذ ثلاثة عشر عاما والعراق يعيش مشاكل لها أول وليس هناك مايبشر بآخر، بل هي في تناسل خصب وتزايد مستمر وتعقيد أكثر. وكما للمشاكل في البلد من يُنشئها ويختلقها ويغذيها ويسعر نارها.. كذلك لها من يفكر في حلها وإخماد نارها، لعلمه أنها ستحرق اليابس والندي على حد سواء، من هؤلاء من يتبوأون المراكز العليا في سدة الحكم، وقد طرحت لنا الساحة السياسية كثيرا منهم، قد يعجز القلم عن سرد أعدادهم، منهم من كان صادقا كل الصدق في بحثه عن الحلول، ومنهم كان نصف صادق..! وهو الذي راح يبحث عن أنصاف الحلول، ومنهم من لبس قناع (ابو رغال) فراح يتباكى من أجل إيجاد الحلول، فيما هو في حقيقته يديف العلقم في سائغ شراب العراقيين، ويسعى الى تأجيج المشاكل لما يخدم مآربه، وقطعا هو مسير من جهات وتابع لأخريات، وما عليه إلا السمع والطاعة ومن ثم التنفيذ.

ولو استطلعنا محاولات الخيرين في البحث عن الحلول لمشاكل العراق المتوارثة والمستحدثة والمختلقة، لتوقفنا عند محطات كثيرة تُطلق عليها تسميات عديدة، فهناك المؤتمرات.. والتجمعات.. والمهرجانات.. والاجتماعات.. وكلها تحت عناوين كبيرة رنانة، تدخل في صياغتها مفردات تنبع من القيم الأخلاقية النبيلة والوطنية والإنسانية، وبعضها تأخذ من آي الذكر الحكيم متكأ لبلوغ أقصى مايمكن بلوغه في قلوب العراقيين، فتتصدر آية قرآنية لتكون عنوانا للمؤتمر، او شعارا للمهرجان، وتستمر الخطة كما مرسوم ومعد لها من إجراءات مادية، كقاعات او فنادق او مسارح او ساحات عامة، وإجراءات برامجية متنوعة، كأن يستدعى اليها رجال وشخصيات سياسية ودينية واجتماعية من علية القوم. وفي بعضها يتم استحضار رؤساء دول ووزراء وسفراء، لتدعيم جدول أعمال المؤتمر او المهرجان، ولإضفاء مسحة تدل على مشاركة باقي الدول وإسنادهم لمجهود القائمين عليها، بما يعزز موقفهم في السعي الى حل المشاكل التي يعاني منها البلد.

ولم يكن خفيا على مبتدعي الاجتماعات والمؤتمرات وصانعيها، أن تحديد أهدافها -كما كانت في سابقاتها- يجب أن تأخذ بعدا وطنيا يوهم المواطن أولا والمدعويين ثانيا، أن الغاية من عقدها نظيفة، والنية صافية، فنراهم يختارون من المصطلحات والمسميات اكثرها تأثيرا على الجميع، منها؛ توحيد الرؤى.. تجاوز العقبات.. تقريب وجهات النظر.. رأب الصدع.. لم الشمل.. حلحلة الأزمة.. لملمة الشتات.. ردم الهوة بين السياسيين.. تلطيف الجو… والى حين انعقادها يتبين خيط الكذب الأسود، من خيط الصدق اللامرئي، كما هو في السنين الثلاثة عشر الماضية، وأظن الرابعة عشر والخامسة عشر والعشرين، لن تكون بأحسن من سابقاتها، فالمطروح والمسموع والمرئي والمحسوس والملموس لاينبئ بشيء إيجابي سيحصل، إذ يقول مثلنا؛ “الكتاب يبين من عنوانه” ورحم الله الشاعر حين قال:

كنت مثل الكتاب أخفاه طي

فاستدلوا عليه بالعنوان

[email protected]

أحدث المقالات