19 ديسمبر، 2024 2:01 ص

صح النوم يا وزير خارجية العراق!

صح النوم يا وزير خارجية العراق!

قال الزمخشري” أحمق من النعامة، من افتخر بالزعامة. لم أرَ أشقى من الزعيم، ولا أبعد منه من الفوز بالنعيم. وأنّى يفوز من ديدنه الهتك بالأستار، وهجيراه الفتك بالأحرار. لا يفتر من إهراع في سبل الطغاة، ولا يهدأ من إهطاع قبل البُغاة. هالك في الهوالك، خابط في الظلم الحوالك. على آثاره العفاء، وأدركته بمجانيقها الضعفاء”. (أطواق الذهب)
أثارت الزيارة المرتقبة لولي العهد السعودي محمد بن سليمان للعراق حفيظة شيعة السلطة والمراجع الشيعية في العراق بطريقة لا يمكن تصديقها، بل وصل الأمر الى نشر لافتات تندد بهد الزيارة، ففي المحافظات الشيعية كالنجف وكربلاء وزعت لافتات كثيرة في تقاطعات الطرق منها على سبيل المثال لا الحصر” سيلحق العار كل من يستقبل محمد بن سلمان، ويتساهل مع زيارته لأرض الإمام علي”. ولا نعرف ما علاقة علي بن أبي طالب بأرض عراقية وهو من الحجاز، هل هو إحتلال أم ماذا نسميه؟ إنتقلنا من عراق عبد الكريم قاسم الى عراق صدام حسين فعراق المالكي وإنتهينا بعراق علي والحسين، وهما ليسا من العراق، بل كان رحيلهما من الحجاز الى العراق سبب فاجعتهما. الوطن لا يمكن أن يجير لأي بشر مهما كانت مكانته الدينية والدنيوية، والا لقلنا مصر موسى، وحجاز محمد، وفلسطين عيسى، وعرق إبراهيم وهلم جرا. القادة والملوك يذهبون لكن الوطن يبقى، فالبقاء للوطن الحي، وليس لزعيمه الذي سيموت عاجلا أو آجلا، وهذا النوع من النفاق السخيف دأب العراقيون على نهجه منذ زمن بعيد على الرغم من مخاطره، لأنه أحد الوسائل الفاعلة لصناعة الدكتاتور، هم يصنعون الدكتاتور بتصرفاتهم الغريبة عن العالم المتحضر، وبعهدها يئنون من دكتاتوريته وإستبداده.
موقف شيعة السلطة أكثر غرابة على إعتبار إنهم يحكمون العراق، فمن المهازل ان ينادي رئيس الوزراء حيدر العبادي بسياسة الإنفتاح على المحيط العربي، في حين نوري المالكي يندد بالزيارة ويعتبر المملكة مسؤولة عن الإرهاب في العراق، وكلاهما من حزب الدعوة! لا يوجد حزب في العالم، زعيمه يطلق تصريحات والشخص الثاني في الحزب يطلق تصريحات مناقضة، بالتأكيد هذه ليست حرية رأي ولا ديمقراطية، وإنما مهزلة حزبية. علما ان المالكي هو نفسه الذي حمل جزار سوريا بشار الأسد الإرهاب في العراق، وهدد برفع مذكرة الى مجلس الأمن بهذا الصدد، نُذكِر عسى أن تنفع الذكرى!
يعض زعماء فصائل الحشد الشيعي يقفون دائما موقفا معارضا ضد من يزعم انه زعيمهم أي حيدر العبادي وهم يأتمرون بإمرته، فأحد ذيول ولاية الفقيه في العراق، زعيم مليشيا عصائب أهل الحق العراقية، قيس الخزعلي صرح في 18/3/2018 بشأن زيارة محمد بن سلمان في حديث لوكالة (تسنيم الإيرانية) ” إذا كان النظام السعودي يريد فتح صفحة جديدة مع العراق، فعليه أن يدفع ثمن وتعويض كل ما تسبب به من أذى للشعب العراقي”. هذا القزم الإيراني يشترط على المملكة دفع تعويضات عما تسبب من أذى سعودي الى العراق! لكن هل يجرأ هذا الصعلوك أن يقول نفس الجملة على الإذى الذي تعرض له العراق من قبل إيران؟ مثل تأسيس الميليشيات، تمويل الإرهاب، إغراق السوق العراقية بالمخدرات والأدوية والأغذية الفاسدة، قطع روافد نهر دجلة، سرقة النفط العراقي في جنوب العراق، الهيمنة على مؤسسات ومقدرات العراق كافة وغيرها. الجواب معروف ولا يحتاج الى تفكير!
كما إن المتحدث بإسم الحشد الشعبي (كريم النوري) وهو من منظمة بدر الإرهابية، صرح بوقاحة مثيرة في 22/3/2018 بأن الحشد الشعبي هو الذي يقرر تحسين العلاقات مع السعودية. إذن ليس هناك قيمه لتصريحات العبادي في الإنفتاح على السعودية لأنه ليس صاحب القرار وإنما أقزام ولاية الفقيه هل الآمر الناهي في هذا الموضوع وغيره. ولا قيمة لوزارة الخارجية طالما ان الحشد الشيعي هو من يسيرها.
أما موقف النواب فهو لا يحتلف عما أدلى به زعماء الحشد، فقد وضع النائب عن التحالف الشيعي ( رزاق الحيدري) شرطا جديدا، مضافا لما ذكره زعيم ميليشيا العصائب بقوله ” أن تتعهد السعودية بقطع إمدادها المالي والفكري واللوجستي للإرهابيين”! وكان موقف ما يسمى بكتلة صادقون أكثر صراحة وأخسأ وقاحة، فقد صرح زعيمها (حسن سالم) في مؤتمر صحفي في باحة البرلمان ” لا أهلا ولا مرحبا بولي عهد دولة الإجرام، إن هذه الزيارة غير مرحب بها بسبب المواقف السعودية المعادية للعراق”.
في حين كان موقف النواب الأكراد مؤيدا لزيارة ولي العهد السعودي فقد صرح عضو لجنة الأمن والدفاع البرلمانية (عبد العزيز حسن) بقوله” إن زيارة ولي العهد السعودي إلى العراق ستكون في نهاية الشهر الجاري، وهي تمثل نقطة تحول في العلاقات العراقية ـ السعودية، فالمملكة تريد الدخول إلى العراق للإسهام في إعادة إعماره، ولا تسعى الدخول كأجندة سياسية”. أما جحوش أهل السنة فهم كلوحة القرود الثلاثة صم بكم عمي.
أما موقف المراجع الشيعية فهو كالعادة متناغما مع موقف الولي الفقيه في كل القضايا التي تخص العراق والمنطقة، وغالبا ما يكون المتحدث مصدر دون الإعلان عنه، وذلك لفسح المجال للمرجعية لإنكاره والتبرأ منه عند الضرورة، كما حصل في عشرات المرات، فقد أشار المصدر بتأريخ 20/3/2018 ” رفض المرجع الديني الشيعي علي السيستاني رفضا قاطعا استقبال ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في زيارته المقبلة إلى العراق، والتي تعتبر الأولى من نوعها بعد قطيعة لسنين. ونقلت عن مصادر لم تسمها أنه تم إبلاغ الجهات المعنية بالأمر، فيما تم تحديد المرجع الهندي بشير النجفي لاستقباله”.
من جهته أكد جحش أهل السنة في البرلمان النائب (سعدون الديليمي) زيارة ولي العهد السعودي، وذكر” إنه سيزور العراق رسميا ليومين، الأول سيقضيه في بغداد لتوقيع اتفاقيات مع رئيس الوزراء حيدر العبادي، والثاني سينتقل خلاله إلى النجف للقاء بزعامات دينية”. وأكد مصدر في حزب الدعوة بالعراق بتأريخ 21/3/2018 عن اهم اهداف الزيارة المرتقبة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان الى العراق وتحديدا بغداد والنجف، بقوله” ان الزيارة ستضع اسس عميقة لعدة اهداف تأتي في مقدمتها المصالح التجارية الكبرى”.
من هذا كله نستنتج ان الزيارة أمر مفروغ منه، وهناك تجاذبات في الموقف من الزيارة ما بين رافض وهم جماعة إيران، ومؤيد من عدة أطراف منها شيعية. لكن بالتأكيد ستبادر للذهن فورا النقاط التالية:
1. اين هي وزارة الخارجية من كل هذه التصريحات المتناقضة، اليست وزارة الخارجية هي المسؤولة المباشرة عن مثل هذه الزيارات؟ ويفترضها ان تنظمها برتوكوليا من خلال التنسيق مع البعثة الدبلوماسية في السعودية. فالوزارة لم تؤيد أو تنفِ الزيارة! كإن الأمر لا يعنيها لا عن قريب ولا عن بعيد.
2. كيف يمكن تفسير التأكيدات من قبل المسؤولين العراقيين بشأن الزيارة، ومن أين إستقوا معلوماتهم المؤكدة عنها، وفصلوها على قياسهم الى يومين، يوم في بغداد والآخر في النجف وكربلاء لإفتتاح قتصلية جديدة ولقاء المراجع الدينية. اليس من المعيب أن يستقي نائب عراقي معلوماته من صحيفة تصدر في لندن، دون التأكد مما ورد فيها غبر القنوات الرسمية؟
3. من الذي يقرر سياسة العراق الخارجية في خضم فوضى التصريحات وتناقضها؟ هل الوزير إبراهيم الجعفري، وهو رجل مهووس لا يفارق عقله القماقم والطلاسم والمردة؟ لقد حول وزارة الخارجية العراقية الى وزارة خارجية حزب الدعوة، من ثم وزارة خارجية كادر فضائيته المتطرفة. هل هو رئيس الوزراء حيدر العبادي؟ انه فاشل وضعيف، لم يجرأ على أن يرد على واحد من النواب أو على الأقل زعماء الحشد الذين يفترض إنهم خاضعون لإمرته ويلجمه. هل المتحدث بإسم الحشد؟ لا نفهم هل هو متحدث بإسم رئيس الحشد أو غيره، لأنه ليس من المعقول أن يتحدث بإسم حيدر العبادي، ويتحداه بالقول” نحن من يقرر سياسة الإنفتاح على السعودية” أي ليس رئيس الوزراء ووزير خارجيته المهووس.
4. لم ترد أي معلومة عن الزيارة من قبل القنوات الرسمية والصحفية السعودية عن نية ولي العهد السعودي بزيار العراق أو لقاء مراجع الشيعة. ولا أية معلومة من وزارة الخارجية العراقية، مما ينفي قطعيا الزيارة.
5. بعد كل هذه التصريحات المتناقضة والبعض منها معيبب حق ولي العهد السعودي، خرج كهلال العيد المتحدث باسم الحكومة سعد الحديثي في بيان بتأريخ 20/3/2018 ليخبرنا بعد التي واللتيا” ان السياسة التي تتبعها الحكومة الحالية برئاسة حيدر العبادي أثبتت نجاحها في عودة العراق للمجتمع الدولي وجعله، قوة فاعلة في المنطقة، وإن زيارة من قبل المسؤولين في هذه الدول إلى العراق ستعلن عنها الحكومة العراقية بصورة رسمية، ولا ينبغي الاهتمام بشائعات بهذا الصدد أو التعليق عليها”. لاحظ إنه لم يجرأ أن يشير الى زيارة ولي العهد السعودي! وإنما تحدث بصورة عامة عن زيارات المسؤولين للعراق، ربما خشية من زعماء الحشد! وإلا كيف نفسر هذا التمويه المقصود. وتلاه بيان آخر من البرلمان” إن لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب العراقي، نفت وجود تأكيدات رسمية عن الزيارة، وقالت إن ما يجري الحديث عنه هو مجرد تسريبات”. حسنا تسريبات يا جهابذة السياسة! لكن من مصدر هذه التسريبات؟
إن الزيارة المزعومة لولي العهد السعودي فضحت الحكومة العراقية ومجلس النواب والمراجع الشيعية، وكشفت عورتهم، وأثبتت للجميع بأنه ليس للعراق سياسة خارجية، فكل طرف يطلق للسانه العنان التعبير عما يجول في خاطره أو خاطر الولي الفقيه. وان رئيس الوزراء حيدر العبادي أضعف من أن يضع حدا لمثل هذا المهاترات السياسية التي تخل بالعلاقات بين العراق والدول الشقيقة، وإنه غير قادر على لجم أفواه زعماء الحشد الطائفي الذي يدعي إنه يتزعمه، ولا أعضاء حزب الدعوة الذي ينتمي له ويعتز بإنتمائه هذا.
وإن وزير الخارجية الذي كان مفعم القوة والحيوية في إجتماعات مجلس للجامعة العربية وهو يدافع عن ولاية الفقية وحزب الله اللبناني، فقد هذه الهمة والنشاط، حيث يخيل للمرء إنه وزير خارجية ايران وليس العراق. لعن الله الولايات المتحدة، كيف تمكنت من جمع هذه النفايات من جميع دول العالم ورمتها في مكب العراق.
مع كل هذا هناك من يمدح نظام ولاية الفقية، ويشيد بدوره في إستقرار العراق وأمنه! إنها التبعية المذهبية قبل التبعية السياسية، الأولى أدت الى الثانية، وهذه هي الحقيقة رغم قسوتها.
المعادلة التي أفرزها الدور الإيراني في العراق، والتي من الصعب إستيعابها هي ان الفارسي عندما يستعرب يبدع ويرتقي الى المجد، لكن العربي عندما يتفرس ينحدر الى السفالة والرذالة وقعر الإنحاطاط. إنها جملة غير معقدة يمكن أن يفهمهما فارس القماقم إبراهيم الجعفري وأقزام ولاية الفقيه في العراق بسهولة.

أحدث المقالات

أحدث المقالات