رغم إن ذكرى دخول الجيوش الغازية في 9 نيسان لكني رغبت أن أسبق الآخرين وأكتب عن القلم المقاوم شقيق البندقية المقاتلة .
الإستقلال حق لكل الشعوب وهو ملح وطعم حياتها وسبب وجودها ، وسلبه منها مساس بهذا الوجود وإستضعاف وإحتقار لكرامتها وتجاوز على حقها الذي وهبها الله إياه بل ونكران لنعمة العقل المسالم ، ولم يكن ما حصل للعراق في حقبة الإحتلال القميئة إلا أبشع أنواع هذا التسلط والعدوان والاضطهاد والاستغلال ، كانت عماية دنيئة وتكالب بكل ما تحمله الكلمة من معان حيث تنادت بالنباح كل القطعان المتعطشة للدماء البشرية القاصرة في هضم المعاني والمفاهيم الإنسانية من دول كثيرة وبعيدة رغم فهمها لهذه المعاني وإمتلاكها وتبنيها للدساتير والقوانين التي تنادي ليلاً نهاراً سراً وجهاراً بحقوق الإنسان وقيمته العليا ككائن كريم خلق الله كل شئ لأجله وسخر كل الموجودات لراحته وخدمته ليعيش أنساناً عاقلا بعيد عن سلوك وطريقة عيش الحيوانات وقانون الغاب والقوي والضعيف والتزاحم على مورد ماء أو ثمرة أو طريدة ضعيفة .
بعد دخول القوات المحتلة وأفعالها التي خرقت كل قانون إلهي أو وضعي وإنتهاكها الصارخ لحقوق الإنسان وإحتقارها لكل المعاهدات التي تحمي البشرية من الاعتداءات والتجاوز على الحرمات والأرواح والممتلكات ، لم يكن بد من أن يهب الشعب كلا من موقعه للسعي لجلاء القوات المحتلة عن الوطن المقدس واستعادة السيادة المنتهكة وحكم الشعب بقيادة العراقيين أنفسهم فكان الفعل المسلح الذي يعرف الجميع من هي الجهات التي قدمت على مذبح الحرية خيرة شبابها وأدخلت الجيوش الغازية في مستنقع سعت بكل السبل للخروج منه وخسرت بكل قوتها وآلتها الحربية وتقنياتها العسكرية بشريا ولوجستياً وماديا وتزعزعت سمعتها حتى خشيت أن تذهب هيبتها ووضعها الدولي وتنساب من بين يديها كل خيوط اللعبة التي تمسك بها وينفرط عقد شراكتها وأمرتها لنصف العالم وسيادتها على المنظمات الدولية الفاعلة وهيبة سلاحها وسمعة جيشها المرعب فانسحبت وسلمت العراقيين مقاليد الأمور بعد سنين طوال من التضحيات الكبيرة ، كان فعلا رجوليا بحق حيث فرض قوانين جديدة للعبة وأدار الساحة وفق ما يرغب الشعب وسلاح المقاومة .
في جانب آخر كانت الكلمة المقاومة حاضرة وبذات العزم والقوة وراحت تمجد بطولة رجال العراق الأبي وتشحذ الهمم وتعيد أمجاد الأجداد والمواقف الكبيرة التي أثارت اهتمام العالم وإحترامه في ثورة العشرين والمعارك الأخرى الكبيرة معارك كانت تقارع جيوش أرعبت كل سكان الأرض من مشرقها إلى مغربها ، كان للصحافة المقروءة قصب السبق وحظ من مجد خالد صحافة راحت تلعن في العلن أمريكا والدول المحتلة الأخرى وتفضح ممارساتها وكانت أولى هذه الصحف صحيفة (المستقلة) حيث صدرت في أول أيام دخول القوات المحتلة بتناخي الأقلام الوطنية الخيرة وإستحضار كل قيم الرجولة ومفردات العزيمة الحقّة فقامت بتمجيد رجال المقاومة من كل الأطراف وبأسمائها وتوصيفها ولم تخشى التهديد وآلة القتل والدمار التي يملكها المحتل ، مما بث روح الهستيريا في قلوب قادته ، فمن يقود ويوجه ويدعم هذه الصحيفة ؟ لقد كانت صحيفة رأي وعمود ومقالة وخبر يخص العمل العسكري وقصيدة مقاتلة ومعلومة أمنية ، كانت مقلقة للمحتل حتى داهم مقرها في بغداد بقوة عسكرية مدججة بأنواع الأسلحة وقام بأعتقال رئيس تحريرها الصحفي البارز (عبد الستار الشعلان ) ومصادرة ممتلكات المؤسسة في أكبر فعل بربري همجي عرفه الإعلام لم يحترم حرمة الكلمة أو حق الشعب في المقاومة بالكلمة والصورة والكاريكاتير .
واستمر مسلسل الإستهدافات والإغتيالات والإعتقالات فبعد سلسلة من أعمال اعتقال واستجواب وتهديد كان يطلق سراح رئيس التحرير ( عبد الستار الشعلان ) حتى عجز المحتل عن إسكات هذه الأقلام وفعلها المدوي على صفحات (المستقلة) فعمد في آخره إلى اعتقاله واتهامه بالإرهاب ليقضي سنتين في أحد السجون وكان أملها إسكات الأصوات المطالبة برحيل الجيوش الغازية من أرض الوطن .
استمرت الصحيفة في دورها الوطني الكبير حتى رحل المحتل وهو يحمل دم ضحايا العراقيين الذين ضحوا بأرواحهم في سبيل كرامة وطن وعزّة شعب وكان حصتها احد عشر شهيداً من أروع الزملاء المهنيين آخرهم ( الشهيد الدكتور كمال الدين قاسم الصعب ) ولم تزل تصدر بشكل هادئ وسط التنوع الإعلامي وتعدد أشكاله ومفاهيمه …..
مرحى لصحيفة المستقلة التي رسمت مع المقاومة البطلة الشريفة مستقبل العراق وكانت فعلا جباراً سجله التأريخ بأحرف من نور مع مؤسسات أخرى شاركتها عرس الشهادة الكبير .
مرحى لكل من علا صوته في وجه المحتل ، ومرحى لكل الأقلام المقاتلة من صحافة وإعلام وأدب التي تتمتع بإستراحة المقاتل الآن وتحول معركتها للبناء والإصلاح للحاق بركب البشرية والحضارة .
مبارك لك ياوطني هذا الإنجاز الكبير والذكرى العطرة والرحمة لشهداء العراق والى جنة الله ونعيمه ، وطوبى لشداء الصحافة عامة وصحيفة ( المستقلة ) بشكل خاص .