23 ديسمبر، 2024 11:36 ص

صحفيو العراق وقانونهم

صحفيو العراق وقانونهم

“الخطأ والسهو مرجوع للطرفين”
أسوق مقدمتي بالعبارة أعلاه، مذكرا أن الخطأ تصرف وارد منا جميعا، ومن المؤكد أن لنبينا (ص) القول الفيصل في حديثه: “كلكم خطاؤون وخير الخطائين التوابون”. فالإنسان إذن، معرض للوقوع في خطأ او هفوة في أية لحظة، وقطعا لم يكن انتقاء الرسول الكريم مفردة (كلكم) من بين باقي المفردات اعتباطا -حاشاه- حيث تندرج هذه المفردة على كل بني آدم، لاسيما الحكام والقضاة الذين تنجمم عن أخطائهم -إن أخطأوا- عواقب وخيمة. وبذا توجب على اي قاضٍ حين يصدر قرارا، ان يبيِّن ان قراره قابل للطعن والتمييز، وهذا إقرار وتأكيد أخلاقي وإنساني من جانبه انه معرض للخطأ في حكمه، وبذلك يبعد شبح الظلم وعقابه عن حكمه وقراره.
وعلى ذكر الخطأ والخطائين، فإن من يتابع مراحل إقرار قانون حقوق الصحفيين، خلال سنوات الديمقراطية وحرية الرأي المزعومة منذ عام 2003، يلمس أخطاءً وتجاوزات وتناقضات عديدة، ليس مع ما يجري على أرض الواقع فحسب، بل مع مبادئ الدستور في جمهوريتنا التي يزعم قادتها الحاليون أن سياستها (ديمقراطية)..! إذ سرعان ما يتبين لأي منظر أن هناك بونا شاسعا بين فحوى عبارة (حقوق الصحفيين) وبين المفردات اليومية التي يتعرض اليها الصحفيون أثناء أداء واجباتهم المهنية، ضمن عملهم الذي يطلق عليه كثيرون (مهنة المتاعب). إذ أن بعض مواد هذا القانون تنأى عن الأهداف والغايات السامية المنشودة من الصحافة والإعلام، بشكل يذكرنا بسياسة القمع والكبت وتكميم الأفواه وتسييس الإعلام وتسخيره، وجعله بوقا يزمِّر ويتغزل بأخطاء المسؤولين وتجاوزاتهم، وظلمهم شعبا وُجِدوا في مناصبهم لخدمته.
فالإعلامي والصحفي وضع روحه فوق راحته، وجعل نصب عينيه إيصال كلمة حق او شكوى او رأي، او الحث على تقويم اعوجاج، او طرح حلول لمشاكل ليس له فيها مأرب إلا كمآرب باقي المواطنين، الذين لايصل صوتهم الى مسؤول أخطأ بحقهم، او تجاوز حقوقه مستغلا منصبه، او لم ينصف في قرار ما -وما أكثرهم اليوم في عراقنا-.
لكن عجبي! كيف يحق لمسؤول ما ان يقوم باعمال هي (محظورة وخارجة عن القانون وتخالف أحكامه وتضر في النظام العام) -كما جاء في القانون نصا- وفي الوقت ذاته لايحق للكاتب والإعلامي والصحفي ان يعبر ويصف ويحارب باسم الحق والشعب هذه السلبيات الـ (محظورة) إذ أجاز له القانون حصرا تناول التجاوزات: (غير المحظورة فقط وله الحق في نشرها بحدود القانون) وهذا مانصت عليه المادة 4/ اولا..! وبذا يجوز للمسؤول ان يسرق ويرتشي ويختلس ويتواطأ ويقصر أنّى شاء، في حين لايجوز للصحفي الإشارة الى ذلك.
اما المادة 5/ ثانيا فانها تتيح (للصحفي حق التعقيب في حدود احترام القانون) بينما تتيح للمفسدين العيث والعبث وفعل ما لايمت الى إحترام القانون بصلة، بلا رقيب.
كما تجيز المادة 6/ اولا للصحفي (حق الاطلاع على التقارير والمعلومات والبيانات الرسمية، بما لايشكل ضرراً في النظام العام) هذا يعني ان الضرر لو بدر من وزيرٍ او مديرٍ او موظفٍ او رئيس وزراء او رئيس جمهورية، فهو سر من أسرار المنصب لايحق للإعلامي الإطلاع عليه وإعلام المواطن بما يحدث خلف الكواليس.
هذا غيض من فيض مايحتويه قانون حقوق الصحفيين في عراقنا الجديد، عراق مابعد التحرير، عراق الحكومات المنتخبة، عراق السياسيين الذين لايخطأون ولا يتوبون، لظنهم أنهم غير مشمولين بحديث الخطائين لسيد البرية (ص).