أجده على الدوام يجلس أمام المسجد الذي نصلي فيه. يأمل خيراً في أن تمد إليه أيدي المصلين لتلقي عليه دراهم معدودة. رجل ما بين الخمسين والستين، لكن ذل السنين وقهر الأيام قد غلبته حتى راح يبدو أكبر من عمره بكثير. يجلس القرفصاء بجانب الباب الرئيسي للمسجد يستجدي رحمة المصلين. ثيابه رثة متسخة ومنظره يبعث على الاشمئزاز ولحيته الكثة تغلب على أكثر مساحة وجهه وشعره الكثيف الذي لم يلامسه المشط منذ فترة كما يبدو.
بحجة الاقتراب منه وفتح جسور الحديث معه هيأت مبلغاً لأعطيه. دنوت منه، ناولته المبلغ وبدأ هو بالإشارة إلى السماء كناية عن دعاء خير يدعوه لي وهو يدمدم كلمات لا أفهم منها شيئاً. الروائح الكريهة المنبعثة من أنحاء جسده تجعلك تفر منه. رحت أسأله: أين تسكن؟
قال في غرفة واحد فيها منامي ومعاشي. سألته: هل في هذه الغرفة حمامات وماء ومكان للاغتسال؟
قال بالطبع وإلاّ كيف أعيش فيها. إذا كان الماء ميسوراً فلما لا تحلق شعرك وتزيل اللحية من على وجهك وتغتسل وتنظف جسدك من القاذورات؟
أجاب بك صراحة: هل يتخلى النجار عن المنشار والمسامير؟ وهل يتخلى الفلاح عن التربة؟ وهل يهجر المريض الدواء؟ هذا المظهر أدواتي أكسب بها رزقي وعصاي التي اتكئ عليها.
كنت أتساءل دوماً إذا كان المرء بائساً ًمسكيناً غير مقتدراً مادياً، فهل لا يملك الماء أيضاً ليستحم ويتنظف؟ أطفال متسولون كلهم بهيئات قذرة وملابسهم وسخة ملوثة. هم لا يملكون المال ليأكلوا جيداً ويعيشوا في غرف فارهة ذات مواصفات الفنادق ذات الدرجة الخامسة، لكن ليس من المعقول أن لا يملكون الماء للطهارة. حتى أذهب هذا المتسول عني كل تلكم الحيرة والسؤال الذي أحمله في رأسي منذ أمد بعيد.
دلت الإجابة على أنها مسألة مداعبة المشاعر واللعب على وتر العواطف واستثمار الأحاسيس والمهجة واستمالة القلوب التي أصبحت مربحةً في عصرنا الحالي، بل غدت تجارةً لن تبور.