استلمت ردود فعل كثيرة حول مقالتي الاولى عن الصحافيين العراقيين من خريجي الجامعات الروسية , ومن بينها , ان كلية الصحافة لا يمكن ان تخلق الصحافيين , لان الصحافة موهبة مثل بقية المهن الابداعية , وهي ملاحظة دقيقة وصحيحة جدا من وجهة نظري, ولم نتحدث عن ذلك في مقالتنا , وانما ذكرنا مجموعة (من خريجي كلية الصحافة ) برزت في صحافة العراق بعد عودتها الى الوطن . هذه الملاحظة ذكرتني بقول كنت غالبا ما اسمعه من بعض العراقيين حولي عندما كنّا طلبة في موسكو , وخلاصة هذا القول , ان كلية الصحافة هي مكان الذين لا مهنة لهم , ويستشهدون بان كل صحافيو العراق الكبار ليسوا من خريجي كلية الصحافة , بل ان أحدهم قال لي مرة , انه حتى شهادة الدكتوراه التي يستلمها خريج تلك الكلية في روسيا تشير , الى ان حاملها هو – ( كانديدات العلوم الفيلولوجية , اي دكتوراه فلسفة في علوم اللغات وآدابها ) , ويستنتجون من ذلك , انه لا توجد ( علوم صحافية بحتة) يمكن ان يدرسها طلاب تلك الكلية , ولو كانت موجودة لأشاروا اليها في الشهادة الجامعية. وقد وجدت مثل هذه المفاهيم في العراق ايضا , اذ غالبا ما كنت اسمع , ان الطلبة في كلية الصحافة والاعلام هم ( بلا مهنة ) , وان الصحافة الحقيقية لا تحتاج الى هذه الاعداد من الخريجين , وانها تنتظر الموهوبين منهم فقط . ان هذه الآراء طبعا تتعارض مع الواقع العلمي , اذ ان اي موهبة ( خصوصا في عصرنا) تحتاج الى المعرفة وصقلها والتعمق بها , والا فانها تضيع في خضم الحياة ( وما أكثر المواهب التي ضاعت في مجتمعاتنا العربية !), وان كلية الصحافة باقسامها الاعلامية المتشعبة – ضرورية جدا مثل بقية فروع الدراسات الفنيّة الاخرى مثل الفن التشكيلي (الرسم والنحت) والموسيقى والفنون المسرحية والسينمائية بفروعها المتشعبة والخ…, شريطة ان يتم القبول في تلك الدراسات كافة ( بما فيها الصحافة ) حسب تعليمات محددة وامتحانات خاصة تختبر مبادئ الموهبة في مراحلها الاولية لدى الراغبين بالالتحاق فيها, ولا مجال هنا للتوسع اكثر .
ومن جملة ردود الفغل على مقالنتا تلك ما قاله لي البعض , بان الاسماء غير كاملة , وذكروا مثلا اسم الدكتور خليل عبد العزيز , الذي انهى الدراسات الاولية والعليا في كلية الصحافة بجامعة موسكو , وأجبتهم , انني حددت في مقالتي اسماء هؤلاء الذين عملوا في صحافة العراق حصرا , وانني كتبت عن د. خليل ونشاطه الاعلامي المتميّز عدة مقالات , وقد كرر د. خليل عبد العزيز نشر بعض تلك المقالات في كتابه الموسوعي الموسوم – ( محطات من حياتي ) , وان مسيرة هذا الرجل ونشاطه الاعلامي المتنوع تستحق دراسة واسعة ومعمقة بلا شك , وقد أعود الى الكتابة عنه لاحقا . وذكر البعض الآخر لي اسم الزميل كامران قره داغي , الذي برز – كما هو معروف – في صحافة العراق وبشكل متميّز فعلا , وانني لم أشر اليه في مقالتي تلك , فقلت لهم اني اؤيد – وبحرارة – كل ما تقولون عنه . ان كامران صحافي موهوب واصبح فعلا واحدا من الصحافيين البارزين في العراق بين خريجي الجامعات الروسية , ولكنه لم يتخرّج في كلية الصحافة , وانما هو خريج كلية الفيلولوجيا ( اللغات وآدابها) في جامعة لينينغراد ( بطرسبورغ حاليا), وبالتالي , فانه النموذج الذي يثبت ان مهنة الصحافة هي مهنة ابداعية يبرز فيها الموهوبون بغض النظر عن شهاداتهم , علما اني كتبت ايضا عن نشاط كامران الابداعي عدة مقالات . وجاء اسم الزميل سلام مسافر بين التعليقات حول مقالتنا , وأشاروا الى انه اصبح صحافيا عالميّا الآن , وانه – في أجواء عالميته وشهرته – لازال يحمل راية هموم وطنه الام – العراق , فقلت لهم , ان سلام مسافرقد اضطر ان يهرب من عراق البعث عندما كان صحافيا معروفا بجريدة الجمهورية البغدادية في سبعينيات القرن العشرين , عندما اراد النظام الصدامي ان ( يؤدلج!) الاعلام العراقي ( جاء اسم سلام مسافر مع مجموعة بارزة من الصحافيين العراقيين الذين نقلوهم من جريدة الجمهورية آنذاك الى اماكن لا علاقة لها بعملهم الصحفي ) , وان سلام مسافر قد تخرّج في كلية الصحافة بجامعة بغداد وليس خريج كلية الصحافة الروسية , اي انه كان صحافيا عراقيا معروفا قبل وصوله الى موسكو, وانه استمر بنشاطه الصحافي رأسا بعد وصوله اليها , وكلنا نتذكر انه كان مندوبا نشيطا جدا لاذاعة مونتي كارلو من موسكو لسنوات طويلة .
اضطررت الى تكريس هذه الحلقة من مقالتنا حول الصحافيين من خريجي الجامعات الروسية الى ردود الفعل هذه , واتمنى العودة قريبا الى اكمال الحديث عن الاسماء التي أشرنا اليها في الحلقة الاولى , اذ اننا تحدثنا عندها فقط عن جلال الماشطة , ولم نتناول بقية الاسماء , وهم – سعود الناصري وسلوى زكو ومحمد عارف…