23 ديسمبر، 2024 7:53 ص

صحافيون عراقيون من خريجي الجامعات الروسية

صحافيون عراقيون من خريجي الجامعات الروسية

هم ليسوا بكثيرين , هؤلاء الذين درسوا في كليات الصحافة بالجامعات الروسية وحصلوا على شهاداتها , وعمل قسم منهم في الجامعات وبرزوا فيها, ولكننا نريد التوقف هنا عند بعض الاسماء العراقية المختارة بينهم , الاسماء التي برزت في العمل الصحفي التطبيقي بالذات , اي اصبحوا صحافيين محترفين فعلا بعد تخرجهم في تلك الجامعات , وهؤلاء هم – وحسب حروف الهجاء – كل من المرحوم د .جلال الماشطة والمرحوم سعود الناصري و د. سلوى زكو و محمد كامل عارف . ان كل واحد من هؤلاء الصحافيين يستحق ان نكتب عنه مقالة تفصيلية خاصة به , كي نوفيه حقه ونتحدث بشكل موضوعي وشامل عن مكانته ونشاطه الصحفي الابداعي , ونرسم للقارئ صورة متكاملة عن دوره في مسيرة الصحافة والاعلام . ونبدأ بالمرحوم د. جلال الماشطة , ونقدم للقارئ موجزا عن مسيرته الصحفية الحافلة , ونأمل ( عندما تسمح ظروفنا ) ان نعود لاحقا للحديث عن الاسماء الاخرى من هؤلاء الخريجين الكبار في كليات الصحافة من الجامعات الروسية , الاسماء اللامعة في دنيا الصحافة العراقية والعربية ايضا .
نتوقف عند اسم المرحوم د. جلال الماشطة . قصة جلال مع الصحافة طريفة جدا ,اذ لم يصل اليها رأسا , فقد درس اول الامر في معهد الطاقة مع أخيه صلاح الماشطة ( صديق العمر بالنسبة لي منذ 1959 ولحد الان ) , وكان طالبا متقدما في دراسته تلك , وكان واضحا انه سيكون مهندسا كهربائيا ناجحا , الا انه بدأ منذ دراسته في معهد الطاقة بالميل ( بفتح الياء) نحو الادب واللغة والعلوم الانسانية عموما, وأخذ يقترب من جماعات طلابية عراقية كانت تهوى الادب والفكر , وقد ساعدت معرفته العميقة للغة الروسية على هذا التوجّه الادبي , وهكذا اصبح هذا النشاط الهاجس الاساسي بالنسبة لجلال لدرجة , انه بدأ يشعر بالندم لانه اختار دراسة لا تتناسق وهوايته هذه وميوله الفكرية , بل – و يمكن القول- حتى مع طموحه الشخصي, وهكذا وصل الى قرار شجاع سيغير مجرى حياته , وهو – ترك معهد الطاقة والانتقال الى الدراسة في كلية الصحافة رغم كل تلك السنين الناجحة دراسيا في ذلك المعهد . وقد كلّفه هذا القرار الرجوع الى العراق والعودة ثانية الى موسكو للبدء بتلك المسيرة الجديدة , ونجح بتحقيق رغبته رغم كل الصعوبات الهائلة التي عانى منها نتيجة لهذا القرار, الصعوبات الادارية والبيروقراطية ومواقف الآخرين وتدخلاتهم و ( سيل نصائحهم !), ويمكن القول الان – وبكل ثقة – ان جلال حقق آنذاك اول نصر باهر وكبير في حياته الشخصية , اذ انه اكتشف نفسه , وعلى اساس هذا الاكتشاف أخذ يبني مستقبله . وهكذا بدأ جلال بالسير في طريق الترجمة , مستخدما معرفته العميقة للغة الروسية , واصبح واحدا من ألمع المترجمين العراقيين في الاتحاد السوفيتي ( انظر مقالتنا بعنوان – المترجمون العراقيون في الاتحاد السوفيتي ) , وتخرج في الوقت نفسه في كلية الصحافة بجامعة موسكو( حصل بعدئذ على شهادة الدكتوراه في الصحافة والاعلام ) , ثم اصبح مدير مكتب صحيفة الحياة في موسكو , وهكذا دخل عالم الصحافة من اوسع ابوابه , وبرز اسمه في هذه الصحيفة اللندنية الشهيرة باعتباره صحافيا موهوبا يغطي ما يجري في موسكو من احداث تخص مسيرة الاتحاد السوفيتي والعالم العربي . وعاد جلال الى العراق رأسا بعد الاحتلال الامريكي و سقوط نظام صدام , وتفاعل مع الاحداث السياسية الكبيرة المعروفة باعتباره صحافيا مرموقا , واصبح رئيس تحرير صحيفة ( النهضة ) البغدادية , والتي كانت واحدة من اوائل الصحف الجديدة الواسعة الانتشار بين القراء العراقيين في تلك الفترة , ثم انتقل جلال بعدئذ للعمل في الاذاعة والتلفزيون واصبح المسؤول الاول في تلك المؤسسة الاعلامية المهمة , ثم استقال احتجاجا على بعض الاعمال التي حدثت فيها , ثم اصبح مستشارا ثقافيا للرئيس جلال الطالباني , واخيرا اصبح سفيرا للجامعة العربية في موسكو , ولكنه رحل مبكرا عن الحياة مع الاسف الشديد نتيجة مرضه , وتم دفنه في موسكو.
جلال الماشطة ومسيرته الصحفية الحافلة تصلح ان تكون موضوعا للبحث في علم الصحافة بشكل عام , وفي تاريخ الصحافة العراقية بشكل خاص , موضوعا يمكن ان يكون كتابا خاصا او اطروحة جامعية للماجستير اوالدكتوراه , اذ ان مسيرته الثقافية في دنيا اللغات و الترجمة والصحافة وصولا الى المناصب الرفيعة التي شغلها تعني الحديث عن هؤلاء العراقيين الموهوبين , الذين شقّوا طريق نجاحاتهم بعملهم الذاتي البحت , عملهم العنيد والدؤوب, والذين استطاعوا اكتشاف طاقاتهم الابداعية و استخدموها للوصول الى اهدافهم .