18 نوفمبر، 2024 1:30 ص
Search
Close this search box.

صحافتنا ليست حرة

صحافتنا ليست حرة

تضمنت المادة ١٩ من الاعلان العالمي لحقوق الانسان لعام ١٩٤٨ حق كل انسان في التعبير واعتناق الافكار واستقاء الاخبار واذاعتها بشتى الوسائل دون التقيد بالحدود الجغرافية ، بينما أقرت الامم المتحدة عام  ١٩٩٣ تاريخ ٣ أيار ليكون يوما عالميا للتذكير والتأكيد سنويا على اهمية العمل على الوصول الى صحافة حرة باعتبارها حقا اساسيا من حقوق الانسان ، لذا فان المنظمات الدولية المختصة بشوؤن حرية الصحافة تحتفل سنويا بهذه المناسبة وذلك باعلان نتائج رصد اوضاع حرية الفكر و التعبير والعمل الصحفي اضافة الى بيان احصائيات لاعداد الصحفيين والاعلاميين الذين يتعرضون  للتهديد والقتل او الاعتقال والتعذيب في شتى ارجاء العالم ، يساعدها في ذلك توسع وتطور الصحافة الالكترونية اضافة الى تطور وسائل الاتصالات .  

 منظمة ( مراسلون بلا حدود ) ومقرها الرئيس في فرنسا اعلنت بتاريخ ٣ ايار عام ٢٠١٤  إن ثلث سكان العالم يفتقدون لحرية العمل الصحفي ، بينما اعلنت في الوقت نفسه منظمة فريدم هاوس ( ومقرها فرنسا ايضا )  إن ١٤ بالمائة فقط من سكان الارض يتمتعون بصحافة حرة ، كما اشارت هاتان المنظمتان اضافة الى منظمات اخرى  الى ان العراق وسوريا والباكستان يتقدمان دول العالم في الاوضاع الدموية للعمل الصحفي والاعلامي فيها، هذا اضافة الى الدول العربية التي شملها ما يسمى ب ( الربيع العربي ) .

 ان البشرية ممثلة ( حصرا ) بمعظم شعوب اوربا وبعدها شعوب امريكا واستراليا انجزت  خلال المائتي عاما الماضية من التاريخ البشري والممتد لملايين من الاعوام  انجازات حضارية وعلمية تعد طفرة نوعية عظمى في التاريخ الانساني ، وكان الاعلان العالمي لحقوق الانسان وكذا اليوم العالمي لحرية الصحافة  هو احد نتاجات الفكر البشري المتحضر .

 لقد دفعت شعوب اوربا اثمانا باهضة من الفكر والجهد والضحايا البشرية من اجل ايقاف مد التسلط السياسي للكنائس والقوى المادية وصولا الى تهذيبها بالشكل الذي اجبرها لئن تعمل ضمن نطاق خدمة المجتمع وتطويره حصرا ، وبالتالي حدث ان قدمت هذه الشعوب نهضة علمية وتكنولوجية هائلة لصالح الانسانية جمعاء وما تزال .

ان المصالح المادية السلطوية والضخمة لفئات محدودة من افراد كل مجتمع بشري هي السبب الاساس في انتقاص حقوق انسان تلك المجتعات ، وما تقييد حرية الوصول الى المعلومة ونشرها بحرية الا وجه مهم من اوجه انتقاص حقوق انسان هذه المجتمعات ، علما ان تلك المصالح المادية الضخمة كانت وما تزال تارة مكشوفة ومتمثلة بمالكي روؤس الاموال  ممن يخوضون مجال السلطة والعمل الحزبي والسياسي ، وتارة  اخرى كانت وما تزال تلك  المصالح السلطوية تتغطى بالوان اخرى أهمها الغطاء الديني الذي يمثل مصالح ذات مردودات سلطوية ومادية ضخمة للقائمين به .

نغالي الان ان قلنا بوجود صحافة مثالية حرة ونزيهة وكاملة المواصفات  في جميع المجتمعات الغربية  لاسيما اذا ما استذكرنا ما تشكله التباسات الظروف الامنية  الناجمة من التخلف الثقافي والحضاري للشرق وخطر إرهاب المتطرفين الدينيين فيه ، اضافة الى استمرار بعض من انواع صراعات القوى الاقتصادية والسياسية  لتلك المجتمعات الغربية فيما بينها ، الا ان حرية الصحافة في هذه المجتمعات  تبقى في وضع متحضر ومتقدم جدا نسبة الى وضع حرية الصحافة في المجتمعات الشرقية ، الاسلامية منها تحديدا ، والتي تعاني الغالبية العظمى من افرادها من تفشي تخلف ثقافي وحضاري يمنعها ( بصورة لا إرادية )  من تقبل حقوقها الانسانية في ظل غرقها بضغوطات وتهديدات وافكار وارهاب القوى الدينية والعشائرية ونتاجاتها السياسية المتسلطة على عجلة الحياة في تلك المجتمعات .

ليست احداث ( الربيع العربي ) التي اجتاحت بعض الدول العربية منذ العام ٢٠١١ ولحد اليوم هي السبب في تردي اوضاع الحريات الصحفية في مجتمعات تلك الدول ، فليس حال حرية الصحافة في الدول الشرق ممن لم يحن وقت ( الربيع ) فيها بافضل ، بل ان الربيع كان السبب وراء كشف الغبار عن الصورة الحقيقية للتخلف الحضاري لاغلبية افراد تلك المجتمعات.

الاختراعات والتطور العلمي والتكنولوجي في اي مجتمع هو ( أحد ) دلائل وجود صحافة يميل واقعها للحرية ، فالصحافة الحرة هي عامل مؤثر في التنمية الاقتصادية وفي التطور الفكري والحضاري والعلمي ، الصحافة الحرة تساهم بالنتيجة في خلق ظروف انسان حر معافى يطلق العنان لطاقاته ومواهبه للمزيد من التطور للمجتمع عموما في ظل ما يتمتع به من رعاية وحقوق ومساواة  امام القانون.

في جانب آخر ، نرى ان الانتماء او التحزب السياسي والمصلحي للعاملين في اعلام وصحافة مجتمعات الشرق ( بحكم الحاجة للمعيشة  ) يساهم في اضعاف الأمل المعقود على استقلالية وأهداف الصحافة وحريتها ، فلا صحافة حرة متوقعة من صحفي منحاز او منتم سياسيا الى حزب او قومية او دين او طائفة.

اختيار الصحافة مسوؤلية تلزم صاحبها الاستقلالية ابتداءا بالنفس.

من حق كل الصحفيين المستقلين وكذا كل اصحاب الفكر والعقل المطالبة بحرية الصحافة  في كل ارجاء المعمورة  من اجل ان تقوم بواجبها الانساني المتمثل في نقل الصورة والخبر والمعلومة من والى كل انحاء العالم .

أساس الصحافة الحرة انها تعمل بحيادية من اجل كل انسان ، لانها  تؤمن بانه لا انسانية معافاة  بغياب  حقوق الانسان بالعدل والمساواة وكذا بالحرية الفردية الغير مقيدة باي حدود لكل انسان  أينما كان على وجه الارض .

أحدث المقالات