23 ديسمبر، 2024 2:31 م

صحافة الأدب الرخيص ؟

صحافة الأدب الرخيص ؟

في الحقيقة لا أدري ما مدى مصدرية و جذرية و مقصدية ظاهرة مفهوم الرخيص و الثمين في الصحافة الأدبية و الأنتاج الصحفي ألا من خلال زاوية أطلالة صحافتنا العراقية الثقافية ، فهناك ثمة آلية غريبة لدى العاملين فيها و من خلال الأشراف المباشر على هيئة التحرير في نشر نصوصنا الأدبية . بادىء ذي بدء أكتب مقالي هذا و كلي أسف و حزن على مسارية وجدولة مصيرنا الثقافي و الأدبي و الذي أستحال الى شيء يرثى له بشكل حقيقي و ملموس من خلال أسوار تلك الصفحات الثقافية اللامتخصصة بماهية معاينة هموم و أحكام و ذائقة كيفية صناعة و أنشاء النص النقدي أو الأدبي لدى الكاتب الأديب . أن المتفرج العارف بكيفية مجريات عملية نشر النصوص هناك لربما سوف يصاب بشيء من الغثيان و الأحباط من جراء رخص التعامل هناك مع نصوصنا الأدبية كما و سوف يعزف عن الكتابة تماما عندما يعرف و يتعرف على تلك المزاجية المهنية الصحفية الغير مكترثة أو الغير مقدرة لأنتاج الأدباء و النقد الأدبي ، و لدرجة وصول الأمر أحيانا الى شرطية غير واعية من لدن ذلك المحرر الثقافي أي عدم أحسانه الواضح في التعامل مع خصائص و قيمة نوعية ذلك النص و عنوانه ، مما يجعل الأديب صاحب النص يشعر كما لو أن ما قام بعمله من صناعة خاصية ذلك النص لربما هو بحكم المساوي أو بكفة التفوق أمام كفة أعلان لحفاظات براز الأطفال و أعلان مبيدات الحشرات ، بل و لربما في هذه الصحيفة بشكل عام

يجري التعامل مع صاحب الأعلان بطريقة أكثر أجلالا و أحتراما و تقديسا من نص و شخصية ذلك الأديب المسكين . من الصعوبة جدا العثور على شكل و صورة ذلك الأدب الثمين في صحافتنا العراقية ، حيث مادام لدينا أيضا دوائر صحافية تلغي صدور صفحاتها الثقافية أحيانا ازاء حيز مكان أعلان لشركة أسيا سيل أو شركة زين ، و مادام هناك أيضا عاملين في قسم الصحافة الثقافية باتوا يقيمون ثمة تصورات غريبة عن مبادىء هذا القسم الصحفي و على أساس من مبدأ المبيعات العامة للصحيفة ذاتها ، أو على أساس من أن هذه الصفحة الأدبية ما هي ألا ديكور مكمل لسلسلة حلقات أكتمالية واجهة الصحيفة العامة ، فمثلا على سبيل المثال أعرف شخصيا بأن هناك محررين صفحات ثقافية و هم الأكثر دائما على حد تقديري و حتى و أن كانوا على شيء من الخلفية الثقافية و الممارسة المهنية الطويلة على تحرير هذه الصفحة الأدبية ، فهم عادة ما يتخذون ثمة سلوكيات و مقايضات مع نصوص هذا الأديب أو الناقد و بدوافع مبنية على أساس كأن الأدب و الثقافة مجرد مادة أستهلاكية رخيصة حيث أن الكاتب يشعر كما لو أنه قد أنجز عملا يشابه مهنة سائق التاكسي أو عمل الممرضة في المستشفى أو حتى بقال في السوق ، و ليس من الواضح بأن هذا الأديب هو صانع النصوص و الخيال و الأحاسيس الأدبية و المعايير المفهومية . هذا في الواقع هو ما قد رصدناه من خلال صفحات ثقافتنا الصحافية العراقية مجرد تعاملات في سوق الأعلانات الهواتفية و خطوط الأتصال و صور فتيات السينما الأمريكية و البريطانية و الهندية ، و بعض من أعمدة صحفية توضع على زوايا الصفحات كما لو أنها تماثيل أبوالهول و السياب ، حيث نجدها دائما عند القراءة فضفاضة المحتوى و

رنانة العناوين و بأسماء كتاب منهم من كان يعمل قاضيا في السابق أو سفيرا متقاعد أو ممثل مشهور أو صحفي قد طرد بسبب أنتهاء زمن أوراقه السياسية أو نفاد صلاحيته المهنية في ذلك المكان الذي كان يعمل فيه مع سكرتيرة جميلة كان قد سلخ بجوارها أجمل الأوقات الصحفية و الليالي الحمراء . و ازاء كل هذا المشهد الدرامي تبقى نصوصنا الأدبية و النقدية تنشر من على تلك الصحيفة ، غير أننا رغم الأفلاس و رغم عدم تقاضينا قرش واحد على نصوصنا الرخيصة المنشورة في تلك الصحيفة ، حيث يبقى الضمير الأدبي فينا هو من يدفعنا نحو تواصل و السير في شوارع اللا أدب و نحو مساعينا اليائسة في بطون تلك الصحافة الأعلانية و الملصقات السينمائية و التجارية و بشكل يدعوا كل واحد منا للخيبة السريعة و الأحتقار لأنفسنا بحكم كوننا أدباء و نقاد نكتب في هذه الصحافة . و من هنا أجدني ميالا و بدموع ساخنة الى جسور الأمنيات و الأحلام و الحسرات حول مدن الأديب الأوربي و الصحافة الأوربية التي تصنع للأدب و الثقافة و الأديب هناك أجمل و أسمى دلالات التواصل و الأعتزاز و الأحتفال بشخوص أدبائهم و نصوصهم التي بقيت خالدة و عظيمة مدى الدهر . و في الختام أجد من الواجب الصحي لسلامة مقالي هذا في هذه الصحيفة والتي سوف تتكفل بنشره هو أن أشير الى أنني لم أقصد بموضوعة مقالي هذا ثمة أدانة أو أنتقاص من جهة صحفية عراقية معينة ، و ذلك لأن ما قد قلته من كلام هو بات يشكل ظاهرة عريضة و طويلة تتحلى بها كل صدورات و أشكال صحافتنا الثقافية العراقية و في الوقت الحاضر تحديدا من زمننا هذا و الذي باتت فيه الصفحات الثقافية مع العاملين على أشرافها بشكل مباشر يتعاملون مع الأديب و المنتج النصوصي على أساس

من أنه مجرد سلعة أستهلاكية مكملة لبرنامج مبيعات الصحيفة في الأسواق و الأرصفة و في ساحات السيارات و عربات الخيول .