23 ديسمبر، 2024 11:04 ص

صبيحة القبض على عبد الرحمن بن ملجم

صبيحة القبض على عبد الرحمن بن ملجم

يروي جماعة من الأفاضل أن نفراً من الخوارج-ومن بينهم عبد الرحمن بن ملجم-اجتمعوا بمكة، فتذاكروا الأمراء فعابوهم وعابوا عليهم أعمالهم، وذكروا أهل النهروان وبكوا عليهم وترحمّوا، وقال بعضهم من خلال الحديث: إن علياً ومعاوية سبب بلاء هذه الأمة فلو أتيناهما وقتلناهما فأرحنا منهما البلاد والعباد؛ قال رجل من أشجع: أما والله ليس عمروا بن العاص بأقل منهما، فهو أصل الفساد والفتنة؛ فتعاهدوا بينهم على ذلك، فقال عبد الرحمن بن ملجم:أنا أكفيكم عليّاً؛ وقال الحجاج بن عبد الله المعروف بالبرك: أنا أكفيكم معاوية؛ وقال داودية المعروف بعمروا بن بكر التميمي: أنا أكفيكم عمر بن العاص.
تعاهدوا على ذلك وتوافقوا على الوفاء، واتّعدوا شهر رمضان في ليلة تسع عشرة منه، على أن يكون التنفيذ في ليلة واحدة،بل في ساعة واحدة عند صلاة الصبح، ثم تفرقوا، فأخذ البرك طريق الشام، وعمروا طريق مصر، وابن ملجم طريق الكوفة، بعد أن سمّموا سيوفهم، وكتموا أمرهم في أنتظار الميعاد.
في صبيحة ليلة تسع عشرة، دخل البرك بن عبدالله المسجد بسيفة المسموم وأتخذ موقفاً له بين الناس خلف معاوية، فلما ركع معاوية”أو سجد”شهر سيفه وضرب معاوية، فوقعت ضربته في إليته، فصرخ معاوية ووقع في المحراب، فأجتمع الناس وأمسكوا بالبرك، وأخدوا معاوية إلى قصره، ثم أتوا بطبيب حاذق… فسقاه الدواء فعوفي.
أما عمروا بن بكر، فلما بلغ مصر، صبر حتى حلت ليلة تسع عشرة من شهر رمضان، ثم أتى المسجد بسيفه المسموم، وجلس ينتظر عمراً، وشاء القضاء أن يصاب عمرو في تلك الليلة بالقولنج، فأستخلف قاضي مصر خارجة بن أبي حبيبة على الصلاة، فخرج إلى الصلاة، فشدّ عليه عمرو بن بكر فضربه بالسيف فأثبته، وهو يظنه عمر بن العاص، وأراد الفرار، فتكاثر عليه الناس وأخدوه إلى عمرو بن العاص، فأمر بقتله.
أمّا أبن ملجم-لعنه الله- لم ينم تلك الليلة وهو يفكر في ما سيقدم عليه من أمر عظيم… ومع أنّه كان يتردد في مسمعه أن أمير المؤمنين”عليه السلام”يقتل بيد أشقى الأمة، وقوله لقطام:أخاف أن أكون ذلك الشقي… صمّم على قتل أمير المؤمنين”عليه السلام”، فتقدم حتى وقف بإزاء الأسطوانة التي كانت إلى جنب المحراب.
لما رفع أمير المؤمنين”عليه السلام”رأسه من الركعة الأولى، أخذ أبن ملجم-لعنة الله عليه- سيفه وهزّه،وحمل عليه وهو يقول:لله الحكم يا علي، لا لك ولا لأصحابك، ثم ضربه على رأسه الشريف، وشاء القضاء أن تقع الضربة على موضع الجرح الذي أصابه به عمرو بن ود العامريّ، ثم أخذت الضربة من مفرق رأسه إلى موضع السجود، فقال عليه السلام:(باسم الله وبالله على ملة رسول الله، فزت ورب الكعبة)،ثم صاح:قتلني ابن ملجم، قتلني ابن اليهودية وربّ الكعبة، أيها الناس لا يفوتنكم ابن ملجم.
عصبوا رأس أمير المؤمنين”عليه السلام”بردائه، ونقلوه من المحراب إلى المسجد، ثم إن الخبر شاع في جوانب الكوفة وانحشر الناس، حتى المخدرات خرجن من خدورهن إلى الجامع ينظرن إلى علي بن أبي طالب”عليه السلام”.
أغشي على الإمام”عليه السلام”، فبكى الحسن بكاء شديداً فسقط من دموعه قطرات على وجه أمير المؤمنين”عليه السلام”،ففتح عينه فقال له:يا بني يا حسن ما هكذا؟ يا بنيّ أتجزع على أبيك وغداً تقتل بعدي مسموماً مظلوماً؟ ويقتل أخوك بالسيف هكذا، وتلحقان بجدكما وأبيكما وأمكما، فقال له الحسن”عليه السلام”:(يا أبتاه، ما تعرفنا من قتلك ومن فعل بك هذا؟ قال:قتلني ابن اليهودية عبد الرحمن بن ملجم المراديّ، وسيطلع عليكم من هذا الباب، وأشار بيده إلى باب كندة).
لم يزل السمّ يسري في رأسه وبدنه، ثم أغمي عليه ساعة، والناس ينظرون إلى باب كندة ويبكون، وإذا بالصيحة قد أرتفعت، وزمرة من الناس قد جاؤوا بعدو الله ابن ملجم مكتوفاً، وهذا يلعنه، وهذا يضربه، وهم ينهشون لحمه بأسنانهم… حتى جاؤوا به وأوقفوه بين يدي أمير المؤمنين”عليه السلام”،فلمّا نظر إليه الحسن”عليه السلام”قال له:ويلك يا لعين يا عدّو الله، أنت قاتل أمير المؤمنين، ومثكلنا إمام المسلمين، هذا جزاؤه منك حيث آواك، وقربّك وأدناك، وآثرك على غيرك؟ هل كان بئس الإمام لك حتى جازيته هذا الجزاء يا شقيّ؟