23 ديسمبر، 2024 10:01 ص

صبية الأنبار “خارج قوس” صبية الأنبار “خارج قوس”

صبية الأنبار “خارج قوس” صبية الأنبار “خارج قوس”

الرمادي… هكذا كان العراقيون يطلقون على جهة عراقهم الغربية عموما، فهم يقصدون مدن محافظة الأنبار جميعها، وكذلك قراها وقصباتها التي تفترش مساحات شاسعة من بلدهم محتضنة فراته الأزلي. والرمادي تشغل أيضا مساحة شاسعة في صفحات ذاكرتهم، بل هي منقوشة في مخيلتهم بأحرف ممشوقة القوام لاتمحوها السنون، إذ أن لأغلبهم ذكريات جميلة في مدنها وقراها وباديتها بهضابها وصحاريها، ولاغنى لهم عن أهلها الذين يتصفون بكل الصفات الحميدة والخصال الأصيلة، فالشهامة والمراجل يتحلى بها صبيانهم وشبانهم قبل شيبهم ورجالهم وشيوخهم، أما نساؤهم فغنيات عن التعريف بمواقف وشواهد مشرفة سجلت في التاريخ حضورا بهيا، وحفرت للأجيال بصمة، تظل علامة شاخصة جميلة أمامهم مدى الدهر.. أما الضيافة والكرم وطيب نفوسهم فهي الأخرى تشهد لها مضايفهم العامرة على مدار السنة، مشتى ومربعا.. وفي أحوال العسر واليسر، ويطول بي الحديث إن أردت إحصاء باقي طبائعهم وصفاتهم الرائعة.

الحديث حتى اللحظة عن أهلنا وأخواننا بل هو حديث عن “أنفسنا” وهو وصف وليس مدحا، فأهل الأنبار -عموما- أغنياء عن المدح، وحاشاهم من القدح الذي يقذفهم به البعض، من الذين يذهبون بالرأي والظن أن أهل الأنبار جميعهم يضدون العملية السياسية في عراق مابعد 2003… ففي حقيقة الأمر أن أهلها الطيبين لايؤخذون بجريرة بعض عازفي النشاز على أوتار الطائفية والعرقية والمناطقية، وأقصد بهم النابحين اليوم في تصريحاتهم التحريضية.. وكذلك الذين ضيعوا بالأمس من عمر أهالي المحافظة الطيبين البسطاء شهورا بلياليها، مغرريهم خادعيهم بمعسول الكلام المبطن بالشحن الطائفي والمغلف بالبغض والظغينة، عبر اعتصامات الخزي والصفاقة.. والناهقين في أبواق بعض القنوات الفضائية.. والناعقين من على منابر حاشا منزلتها الدينية أن يرتقي سلالمها أشباه رجال بنفوس مريضة، كالذين صالوا وجالوا عليها طيلة عامين دون اعتبار لقدسية المنبر والغاية من إنشائه، فراحوا ينشرون العداء والكراهية بين أبناء البلد الواحد.. بل والمحافظة الواحدة من أبناء الدين الواحد، فهم أضداد الوحدة والوحدانية في صورها كلها، وعبدة الفرقة والتفرد حيث تقتضي مصالحهم الدنيوية ومآربهم النفعية، او حيث يلبون أوامر أسيادهم القابعين في الحجاز وتركيا وقطر، وآخرين من أحفاد المقبور صدام وبقايا قطعانه التائهين في ليالي عمّان الحمراء، وأمسيات هه ولير الزرقاء والصفراء، حيث محلات اشتغالاتهم وتخطيطاتهم وتمويلهم الجماعات وتعبئتهم الأفراد، على أمل استرداد سلطانهم في امتصاص دماء العراق والعراقيين.

وما لاشك فيه أن دعوات صادقة خالصة النية بوطنيتها، تعلو بين الفينة والأخرى في سماء الأنبار، تدعو العراقيين جميعهم الى الوحدة في دحر عصابات داعش من مدن المحافظة التي كانت آمنة، كما أن أكثر من مؤتمر عشائري عقد في الأنبار، دعا الى المشاركة بمعركة وطنية ضد تنظيم داعش، وهي دعوة لباها العراقيون قبل استغاثة أحد من أخوانهم في الأنبار اوالموصل اوصلاح الدين اوكركوك اوديالى، وقد توّجت دعوة المرجعية الرشيدة في إعلان الجهاد الكفائي همة الرجال في محافظات العراق، لاسيما محافظات الوسط والجنوب، فهبوا زرافات ووحدانا يتسابقون الى مراكز التطوع لطرد الغول القادم من ظلمات الزمن، وتحرير الأرض والعرض والضرع والزرع والماء والهواء، من دنس أولئك الأشرار، ولم يخطر ببال أحد من المتطوعين شيء من ترهات أصحاب المنصات الطائفية التي كانت تزعق سبابا وتنهق قذفا بحقهم، من أرض محافظة الأنبار، فساحات القتال شهدت تحلي المتطوعين بخلق أكبر كثيرا من تصرفات صبية منحرفين، أمثال علي حاتم السليمان والدايني والعيساوي والعلواني… وغيرهم ممن ثبّت الدهر أسماءهم في سجلات الخزي والعار، وهؤلاء “خارج قوس” إذا ماوُضع الأنباريون بين قوسين.

إن في الدعوات المستمرة من أخيار الأنبار ووجهائها وساستها طلبات، لم يكن العراقيون ينتظرون من شيخ او رجل دين او سياسي الإفصاح عنها كي يلبوها، وماضي السنين أكبر شاهد ومؤرخ على وقوف أبناء محافظات العراق الوسطى والجنوبية مواقف بطولية تجاه نكبات هذه المحافظة وغيرها من المحافظات، فاطمئنوا ياأهل الأنبار الأصلاء الطيبين، فما قاله بعض من صبيتكم المتهورين، ومافعله “شيوخكم المتصابون” لن يكون مقياسا تؤاخذون عليه بالإجماع، فالعراقيون طيبون حد السذاجة.. ومتسامحون حد التنازل عن حقوقهم.. وحسبهم الآية الكريمة؛ “لاتزر وازرة وزر أخرى”.

[email protected]