الصباح بداية جديدة، لكل شيء، حتى للثوابت القابلة للتغيير، لذا نفتتحه بتحية الخير في محاولة لا واعية لتحقيق ما يعتلج في نفوسنا، لكنه ـ أي الصباح ـ بداية تغيير لمن يريد ذلك، لا للذين أدمنوا الخنوع وتماهوا معه حد الانبطاح، مثل هؤلاء هم من يصفهم تعريف الثورة بأنهم الجبناء الذين يجنون ثمار الثورات والاعتصامات التي يصنعها ذوي الفكر ويقودها الشجعان.
كان من المفترض أن يكون للعراق الجديد صباح، لكن يبدو أنه صباح نعاج ليس إلا، ولا أتحدث عن الجماهير فهي لا حول لها ولا فكرة، إذ أنها منذ الأزل وحتى الأبد وقودا لنيران الجبناء أو جحافلا لحروب الزعماء، بل أتحدث عن النعاج النخبوية، هذه التي طالما تصدرت بصفة القائدة الرائدة، لكن ما اتضح ليّ أن النخب هي الأشد استنعاجا واسخترافا، وهي المسؤولة الوحيدة عن تنعيج الجماهير وتخريفهم، فهي التي تدعي الاستنارة ولا تستنير بغير الانصياع، وتتمشدق بالرفض لكنها تبيح ذواتها للمتاجرين، وتمتهن العهر الخطابي في محاولة مخجلة للتمويه على خزي جبنها المفضوح.
والمؤلم في الأمر أن المواشي توارثت قدرها القسري منذ آلاف السنين، على خلاف النعاج والخراف البشرية التي لم يكن التاريخ قدرها بل كانت هي قدر التاريخ وصانعه والمتحكم بمجرياته، فهي العاقلة الفاهمة لما يدور وسوف يدور، ولذا فهي المتحملة لتبعات سيئاتها وحسناتها التي سنتها وسوف تسنها في المستقبلين القريب والبعيد، إلا أن النعاج والخراف وعلى مختلف أشكالها وأنماطها وتوجهاتها تشترك في تعريف أوحد وهو الاستنعاج والاستخراف.
في الصباح تثخوا النعاج، ترفس الأرض، تحثوا التراب على رؤوس بعضها البعض، إلا أنها لا تحاول أبدا رفس باب الحظيرة والانطلاق في الفضاء، لأنها اعتادت الثخاء والتذمر، ولأنها اعتادت ذلك فهي دائمة الثخاء المتذمر، وتعلل دوم تقاعسها عن التحرر من حظيرتها بأن القرون والجماجم الصلبة لا تتوافر لغير الخراف، وخرافها هي الأخرى مرنت قرونها على الانصياع وحثوا التراب والانتشاء بسفح دماء بعضها البعض.
النعاج لا ترتعش من الرعاة فقط، بل أنها ترتعب من عصيهم وكلابهم التي تنبحها كلما حاولت الانفلات من القطيع، ونعاج وخراف كهذه لا أمل في انفلاتها لا من الحظيرة ولا من القطيع، بل أنها لا تقوى حتى في كوابيسها على تحرير الذات التبعية الرعوية، فقد اعتادت أن تتلقم الأوامر والنواهي حالها كحال الإنسان الآلي، لتنصاع صاغرة لما يمليه عليها الرعيان، هذه الشريحة الضئيلة الحضور لكنها مبرمجة بكم هائل من الأوامر والنواهي تتلقاها ببشاشة من كبار الرعاة، ولكم محزن أن تكون النعاج خاضعة ذليلة لأرذل حلقة في سلسلة المراجع الرعوية هذه إلا وهي كلاب صغار الرعاة.
لست بنعجة ولا ارتضي لنفسي أن أكون خروفا في تلك الحظيرة، كما أنني لا أدعي لنفسي القيادة ولا الثورية لكنني لم أسمح لذاتي أن تكون ضمن ثلة الجبناء الذين يجنون ثمار غيرهم، ولذلك أقدمت على ما أعرف عواقبه وتداعياته على أمل الاستجمام تحت شمس صباح جديد، صباح لا يستنعج الخراف ولا يضرب الأسوار حول المواشي، بل أنه يلفظ صفة المواشي من قاموسه.
[email protected]