منذ أن دخل قسم الإعلام بكلية الاداب جامعة بغداد بعد منتصف السبعينات، والزميل صباح السيلاوي يشعرك أنه خلية نحل ونشاط لا تتوقف ، فقد أهلته سماته الشخصية المرحة ووجهه المرح الذي كان يبزع كالقمر ، لان يبقى نجما صدح في مسيرتي الشعر والاعلام ، لكن الزمن الأغبر هو من حول هذا الوجه الجميل الى سمرة شاحبة، بعد أن أضنته الليالي وهموم هذه الدنيا، ليتحمل الرجل أوزراها ، حتى ليتخيل أنك الان أمام رجل كهل، وليس شابا يانعا أبيض الوجه ، تملا الابتسامة محياه ، وان لم تختف من معالمه هذه الايام كليا، لكنني ككاتب أشعر أن الزمن داس كثيرا على الرجل وتحمل من عذابه الكثير!!
ولأنه من مملكة ميسان الشامخة في أعماق التاريخ ، فهو لم يكتف أن يكون اعلاميا ناجحا، فحسب، بل شاعرا مبدعا ، وقد كتب لنا العديد من قصائد الغزل وأنشد لنا قصائد تظهر لنا كيف يذوب العاشق في عشق حبيته حد الجنون!!
ما إن تتطلع بين ثنايا قصائده حتى ليتخيل اليك أن صباح السيلاوي هو نزار قباني الثاني، ولكن بطبعة عراقية، فهو منذ ان كان شابا في مرحلتي الاعدادية والجامعة كان يهوى الشعر ، وكانت قصائد الشاعر العربي الكبير نزار قباني ملهمة لاجيال الستينات والسبعينات، والتي غناها لاحقا أكثر من مطرب عربي وعراقي ، وكانت أغاني عبد الحليم حافظ ونجاة الصغيرة على وجه التحديد تنهل من راوائع الشاعر الكبير نزار قباني، حتى تجد لغة تأثر واضحة في مفردات السيلاوي الشعرية ، سواء شعر بها أم لم يشعر، لكن تجربة الجامعة وكلية الاداب هي من صقلت تلك الموهبة ، حتى أنك تقف أمام شاعر يتألق إبداعا وعطاء، وهو صاحب قلب عاشق لايتوقف عن النبض ، وفي أن تنتفتح قريحته ليصهل بالقصيدة الى حيث فرسانها التي تصهل خيلهم، وهو الذي يعشق المتنبي العظيم وشعر الحكمة والغزل الذي عرفت مكانته الدنيا ، وهو الذي عانق شمس الكبرياء العراقي العربي في زمانه، وما يزال نبي الشعر بلا منازع!!
والشاعر صباح السيلاوي أسهم في نشاطات كل من نقابة الصحفيين العراقيين وعضو فاعل فيها منذ عقود، وفي الوقت نفسه عضو فاعل في الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق، وحضر عشرات الندوات والأنشطة الشعرية وقاد ندوات منها، ليسهم في مسيرة الابداع الشعري وتطوير فنونها المبدعة، وله من التراث الشعري ما يعد مفخرة للرجل، وتشكل معلما بارزا في شخصيته ، إستطاع ان يشق له طريقه الخاص في مسيرة الابداع العراقي المتعددة المواهب والقدرات!!
ومن الشعراء الفحول التي بزغت في شمس ميسان وأرضها الطاهرة الشاعر العراقي الكبير المرحوم عبد الرزاق عبد الواحد والشاعرة والأديبة لميعة عباس عمارة والشاعر والكاتب مالك المطلبي، والشاعر عيسى حسن الياسري وآخرين!!
ومن الشعراء الشعبيين المعاصرين،الشاعر الشعبي سعدون قاسم، والشاعر الشعبي سعد محمد الحسن الذي اعده رائد الشعر الشعبي وحافظ قيمه الرجولية الاصيلة وغيرهم كثير لا تسعفني الذاكرة بسرد أسماءهم!!
ومن شعراء العمودي والشعر الحر وممن تربطنا ببعضهم روابط لاتنسى ، منهم زملاء الزمن الجميل الشاعر صباح السيلاوي والشاعر الدكتور سعد ياسين يوسف سعيد الهماش ، ومن كتاب القصة المميزين الدكتور ماجد فاضل زبون الذي يعد (جوهرة ميسان) في الخلق الرفيع والتواضع والعشرة ، ولديه خبرات إعلامية متقدمة تشكل مصدر فخر لكل مثقف أديب..وقد عملنا معه في الصحافة لسنوات كانت مصدر فخر لنا، وهناك شعراء كثيرون مبدعون من أمثال : علي كاظم خليفة العقابي ، والشاعر المخضرم خليل الزبيدي وعبدالحسين بريسم، وحسب الشيخ جعفر وعيسى حسن الياسريِ، والفنان أمير ورعد شاكر وحطام إدهيم وحامد البياتي ورعد زامل وحامد حسن الياسري وحيدر الحجاج ونصير الشيخ وحامد عبد الحسين حميدي وعصام كاظم جري وعلي سلمان الموسوي وشاكر داخل ولي ود. سراج محمد وآخرين كثيرين.
وصباح السيلاوي ، الشاب الوسيم في منتصف السبعينات وما بعدها، وجاء قادما بغداد من مملكة ميسان، وهي مدينة الشعر والنبوغ الكلامي ، فوجد في تلك المملكة التي ضمت شعراء عراقيين كبار وفنانين يشار لهم بالبنان، لتشكل زاده ومعينه ليرتقي بلغته الى حيث تسمو الكلمة بكبريائها، وهو الذي يتخذ من عمقه الحضاري في تلك المملكة ما يرفع شأنها الى أعالي السماء!!
لكن السيلاوي بالمقابل ، أسهم في تطوير قدراته الصحفية، جنبا الى جانب مع هواية الشعر، واتخذ منهما حالة احتراف وتميز، وخط له طريقا أشاد به الكثيرون، وهو ما يزال ينهل من عبق العطاء الشعري والاعلامي والاحتراف الصحفي، والمهني الحريص على إعلاء شأن السلطة الرابعة وقصورها العامرة ، حتى ان أحد أحلامه كان أن يؤسس مركزا لتطوير القدرات الصحفية ضمن محافظته ، وهو مؤهل لتلك المهمة، بعد إن خاض غمارها تألقا وتميزا وابداعا، وامتلك من الخبرات والمهارات ما يجعلها ان تكون محط اعجاب كل من عرف السيلاوي (أبو عمار) ، وهو الان يعد أحد مخضرمي الصحافة ، وله إسهامه فاعلة ومؤثرة في قصورها العامرة!!
وكلما قلبنا صفحات الزميل العزيز صباح السيلاوي ( أبو عمار) الصحفي والشاعر، نجد أننا نحاول الاقتراب من شواطيء الرجل ، وهو ينهل من بحورها المترامية الأطراف، وليس بمقدورنا أن نلم بكل هذا النتاج الإبداعي الكبير الذي تركه في مسيرة التفوق والاصالة ، حتى ليتخيل أننا أمام مبدع كبير لايمكن ان نلم بكل مناهل مسيرة إبداعه، لكننا حاولنا قدر الامكان الاقتراب من شواطئه، عله يكون بمقدورنا أن نعطي للرجل بعض حقه من الإهتمام!!
كانت (سفينة بغداد) على نهر دجلة وعلى مقربة من جسر الصرافية هي ملتقى زملاء الاعلام المخضرمين، منذ أيام منتصف السبعينات وما بعدها ، وهو رئيس الكروب الذي يشرف على جلسات ولقاءات الزملاء الاعلاميين ، وكلهم رموز محترمة وكل له بصمته وانجازاته في مسيرة الاعلام المبدعة، وكان ابو عمار السيلاوي يحضر أغلبها ، وللرجل صلات وطيدة مع الكثير من الصحفيين والشعراء وتربطه بهم أواصر المحبة ومستلزمات الزمالة والصداقة والمنبع الطيب!!
تم فصله من الخدمة بالعمل الصحفي كما يقول ، وعاد بعد الاحتلال وتبوأ عدة مناصب كمدير تحرير ورئيس تحرير لعدة صحف ومنها الزوراء والوزراء المستقلة وميسان الثقافية، وحصل على مئات الشهادات التقديرية من نقابة الصحفيين ودرع الإبداع من النقابة وشهادات من منظمات معتمدة ، ويعد السيلاوي من محترفي كتاب العمود الصحفي في العراق حسب استطلاع أجرته مؤسسة الرؤية الإعلامية عام ٢٠١٠، وقد اعتمدت نقابة الصحفيين الدراسة التي قدمتها في المؤتمر الإعلامي الذي عقد في النجف الاشرف عام ٢٠٠٩ حول أزمة الصحافة المستقلة في العراق، كما كان له الدور الكبير في مناقشات البرلمان العراقي حول إقرار قانون حقوق الصحفيين.
إستطاع السيلاوي بالتعاون مع الصحفي والمحامي إبراهيم الصميدعي وبتكليف من نقيب الصحفيين إفشال مشروع قرار كان سيقدم للبرلمان من هيأة الإعلام والاتصالات كانوا يبتغون منه الاستحواذ والسيطرة على أجهزة الإعلام العراقية وتم رد كيدهم إلى نحورهم.
ومن بعض مما اخترناه لكم من قصائد صدحت به حنجرة السيلاوي ..
اني احبك نابضا متحركا
كالطفل كالريح العنيفة كالقدر
عطشان للحب العظيم فلا شذى
تروي رؤاك الظامئات ولا زهر
انا لا احبك واعضا
بل شاعرا قلق النشيد
تشدوا ولو عطشان دامي الحلق محترق الوريد
اني احبك صرخة الاعصار في الافق المديد
وفم تصباه اللهيب فبات يحتقر الجليد
كلما ناديتني عبر المسافات تعال
عبقت في خاطري ياجنتي
جنة واظل ضوئا في خيال
وبدأ لي عالم ريان وردي الظلال
من شباب وفتون وغوى
اسكرت آفاقه خمر الهوى
وتعرت فيه أطياف الجمال..
للسيلاوي صباح، الصحفي والشاعر من زملاء العمر كل تحية وتقدير.. ومن اولاده عمار (مهندس) والطبيب (الحسين) وهما على سر والدهما أيام شبابه ، ليكونا صورة صباح السيلاوي المكللة بالغار .. وأمنياتنا له ولعائلته الكريمة ، بالتوفيق الدائم!!