لم نكن نعرف في الصغر وخاصة مرحلة الابتدائية نظام التحية والرد عليها بالمثل الا عن طريق معلمنا استاذ اللغة العربية في حينها والذي بادرنا عند دخول الصف الاول بصوت قوي فيه نوع من الرهبة بالنسبة لنا كتلاميذ تعتبر الايام الاولى لهم مخيفة وخاصة الوقوف امام المعلم ذلك الشخص الذي مازلنا نحبه ونحترمه وله منزلة خاصة في نفوسنا ومازلنا نحتفظ بلقبه استاذ احمد رغم ابتعادنا عنه عشرات السنين ولم نراه منذ فترة تقدر بأكثر من ثلاثين سنة..
اتذكر عند دخوله الصف الاول الابتدائي وصوته يرنوا بآذاننا وهو يحيينا بكلمته اليومية صباح الخير ياطلاب ونحن لانعرف ماذا نجيب الا ان تعلمنا واستقرينا على الرحلة بعد عدة ايام. وعرفنا ان الجواب صباح النور يا استاذ وهكذا استمرت صباح الخير وصباح النور معنا الى ان وصلنا الصف الخامس الابتدائي عندها تحولت صباح الخير الى كود مورننك باللغة الانكليزية وما اجمل الانسان واسعده حين يتعلم لغة اخرى غير لغته الأصلية ومازلت احتفظ بذكريات اصدقائي حتى بعد الدوام المدرسي وبيننا نردد بعض الكلمات باللغة الانكليزية من باب التفاخر باننا نجيد حروف لغة اخرى واتذكر ذلك الختيار جيدا عندما صاح على ابنه ليؤدي له عمل منزلي فأجابه ابنه وبكلمة الايجاب باللغة الانكليزية (يس ماي فاذر) فقام هذا الختيار يشتم الانكليز وبريطانيا ومن علمنا لغتهم…
ايام جميلة قضيناها مع تلك المدارس وهؤلاء المعلمين العظام وهم يعلموننا صباح الخير ودار ودور وكود مورننك واين تقع دمشق ومدغشقر وعلوم الرياضيات والصحة المدرسية وتاريخ العرب الذي لم نجد شيء منه على ارض الواقع سوى قصص من الماضي…
وتلك الرحلات التي امتلأت ذكريات بأقلامنا اقلام الرصاص ومسطرة المدير التي استطاعت ان تطبع بصماتها على كل آيادي طلاب المدرسة…
ذكريات جميلة ونحن نقف امام باب المدرسة ننتظر ذلك العم والشيخ الكبير ليفتح لنا ابوابها منتظرين وصول سيارة المعلمين القادمة الينا من مركز المدينة وفي حالة حدوث حالة طارئة لتلك السيارة وعدم وصولها وهذا نادراً ما يحدث فان وضع الطلاب يتحول الى فرحة كبيرة بيوم عطلة غير رسمية ولكن الظروف القاهرة هي من صنعها وتسمع الجميع يهتف وبصوت مرتفع( عطلة. عطلة )…
كانت غرفة الادارة شيء مقدس وممنوع منعا باتا التقرب منه الا بأمر من الاستاذ المدير او احد المعلمين وكانت تحتوي على كل اسرار المدرسة ففيها السجلات والدرجات المدرسية لكل طالب اضافة لوجود كرسي لكل معلم يقضي فترة استراحة الفرصة فيها..
ذهبت تلك الصباحات وذهبت معها هيبة تلك المدارس وهيبة مدير المدرسة والمعلم ولا توجد اليوم كلمات صباح الخير وكود مورننك ومسطرة المدير واصبح المعلم صديق للطالب يطلب منه كتابة الواجب بصيغة الطلب وليس الأمر واصبح المدير والمعلم والطالب أصدقاء على الفيس بوك بعد الدوام وتغيرت احوال الدنيا كلها وتغيرت معها كل المسيرة التربوية سواء اصبحت على صحيح او خطأ واصبح للطالب القاب باشوية فهذا ابن المسؤول فلان وذلك ابن الحسب والنسب ابن شيخ العشيرة وعند زيارة آباء هؤلاء الطلبة للمدرسة فالجميع يتفاخر بتلك الزيارة التي من شأنها ترفع مقام الادارة وتدني مركز المدرسة العلمي…
وصباح الخير على الجميع…