صيايا بيروت الفاتنات ، يستحضرن معالم الفرح والأناقة ليرتدين ثياب عرسهن، وتبدو على وجوههن ملامح النضارة والبهجة والسرور ، ويبدين كالغزلان ينورن سماء بيروت بإطلالتهن في ذكرى احتفال بلدهن ، بذكرى استقلالها المجيد، برغم كل ما تمر به بيروت، من أيام صعبة، وهم شعب التحدي القادر على تجاوز المحن والصعاب، بإصرارهم على ان تبقى بيروت منارة العالم وقبلة السواح ، حيث تزدان مدنهم بكل معالم الروعة والجمال!!
ويحتفل اللبنانيون في الثاني والعشرين من تشرين الثاني من كل عام ،بعيد استقلال بلدهم ، كل على طريقته الخاصة، لاتفرقهم الطوائف ولا المذاهب ولا الاديان، بالرغم من كل المحن التي مروا بها، وقد تجاوزوها بحكمة رجال سلطتهم ، وقدرتهم على أن يبقى بلدهم الجميل واحة للأمان وللإستقرار وموئلا يقصده كل طامح الى ان يبقى لبنان مزهوا بروائع طبيعته الساحرة الغناء ، وشعبه العريق ، الذي يستحق الحياة ، وهو من علم العرب كيف تحافظ الاوطان على حريتها واستقلالها وكرامة شعوبها!!
وبيروت، كما تستحق أن توصف ، هي باريس العرب ، وهم ، أي العرب، بلا استثناء ، يجدوون فيها ضالتهم في رشف كأس جنونها ، وهيام القلوب بصباياها الفاتنات وفي ان يستنشقوا هواءها العذب وماؤها الصافي الرقراق الطيب المذاق ، كصفاء قلوب اللبنانيين ، وتوقهم بأن يبقى بلدهم قبلة للسائحين وكل من يبحث عن الراحة والاستجمام والشعور لآدمية الانسان!!
وبالرغم من ظروف المحنة السياسية التي ألمت بلبنان، وتتعلق بترتيبات للسلطة تعيد للبنان هيبته ووقاره، وتبتعد به عن مهاوي الفساد، وهو قادر على أن يخرج من تلك الايام الصعبة، إن أسمهت دول المنطقة في أعادة الوجه العربي للبنان، ولكي يبقى واحة غناء مفعمة بكل ما يسر الخواطر، ولكي يبقى قبلة العرب في كل زمان ومكان!!
ومن حق اللبنانيين ان يفرحوا هذه الايام ، بيوم استقلال بلدهم ، ومن حقهم ان تكون كؤوس خمرتهم الصافية الرقراقة مترعة ، تعانق كبرياء مجدهم وصفو بهاء طبيعتهم ، وهم يحتفلون بذكرى حصول بلادهم على الاستقلال عام 1946 ، وهي من اوائل البلدان العربية التي حظيت بهذا الشرف، لتحتفل به كل عام. إننا إذ نشارك اللبنانيين فرحتهم بعيد استقلالهم ، نتمنى لهم ان تبقى بيروت (باريس العرب) محط آمال الحالمين بكل تلك العذوبة الساحرة التي من الله بها على اللبنانيين ، وهم علموا العرب جميعا كيف يبنون صروحا للحرية والديمقراطية وللثقافة ،وعلى أرضهم تعلم الكثيرون من صالونات ساستهم ، وأقاموا أحزابا وحركات ومنتديات ، لكن العرب للأسف الشديد لم يردوا (الدين) لتلك القلعة الشامخة، وبدلا من أن يوقنوا أن من علمتهم (الرماية) فليس من الأخلاق أن يرشقوها بالحجارة!!
ومن واجب العرب، أن لايبخلوا على لبنان في ان يخرج من دوامة هذا الصراع الذي لامبرر له، لأن استقرار لبنان هو استقرار لأنظمتهم ، وان خرجت الاوضاع فيه عن السيطرة لاسمح الله، سيتذوق كل العرب ومعهم دول المنطقة مرارات الفوضى والحروب الاهلية، التي نتمنى ان يتجنب اللبنانيون عواقبها، وان لايذهب شعبها بعيدا في مطالب، قد تخرج بلدهم عن حدود السيطرة، ويخسروا سمعة بلدهم، وبخاصة ان درجة الولاء للوطن عند اللبنانيين بمختلف انتماءاتهم هي عالية، وتتفوق على كثير من نظيراتها العربيات، ولا بد من ان يحرصوا على سمعة بلدهم ، لكي يبقى لبنان، الطائر الجميل الذي يحلق في أجواء الحرية ، وفي واحاتها وربوعها التي تنعم بجمالها الساحر وقيم الثقافة والوعي والجمال، كونها مركز طباعة ابداعات العقل العربي ، وحرفه الساطع الذي يحرك العقول ويرسم معالم الابداع بكل صوره، ولكي لاتذهب كل تلك المنجزات التي حصل عليها اللبنانيون على مدى عقود تضيع هباء منثورا!!
لقد تجرع اللبنانيون قبل عقود من الزمان مرارة الحروب الأهلية ، وما أسفرت عنه من شهداء وجرحى ، بسبب قوى إقليمية ارادت تحويل هذا البلد الى مرتكز لصراعاتها تحصل منه على المكاسب، بينما يروح كثير من اللبنانيين ضحايا ، بسبب تلك الحروب التي لادخل فيها للمواطن اللبناني، وليس له فيها ناقة ولا جمل!!
قلبي على لبنان، وعلى باريس العرب، قلعتهم الشامخة بسحر الطبيعة الخلاب، وهي أشبه بجنات عدن، لو أحسن اللبنانيون ، المحافظة على التكريم الذي وهبه لهم الخالق ، وأبقاهم البلد المثالي ، الذي يعد مفخرة لكل العربّ!!
ومن محاسن الأقدار أن شعب لبنان ، عندما تصطرع افكارهم ورؤاهم في النهار بين أقطاب سياسييه ورجال سلطته، ما أن يجن الليل ، وتضاء مدن لبنان بأنوارها الساحرة ، حتى تجد أغلب اللبنانيين وهم يحضرون حفلات الطرب والمجون على مائدة واحدة، ويتناسون كل تلك السجالات والجدل الذي ينبري بينهم في النهار، وكأن شيئا لم يكن، وترى دبكاتهم ووجوههم العامرة بالفرح والطيبة ومعالم المرح والزينة ، وهي تحيل أيام لبنان الى جنة غناء، يستعيدون فيها ذكريات بغداد في عصر هارون الرشيد وحكايات الف ليلة وليلة!!
وقد شاءت الأقدار ان نعيش على أرض بيروت لأكثر من عامين، وهم يعشقون العراقيين ويكنون لهم التقدير والاحترام ، ووجدنا فيها شعبا رائعا، وقد وهبها الخالق طبيعة ساحرة ، والوان أضواءها الزاهية ومياه انهارها المتدفقة الجريان وبحرها المخملي، وساحلها البديع، لتبدو وهي تزدان مثل عروسة تقلدت أجمل القلائد، وتوشحت بتاج الكبرياء ، وقد طوقت أعناق صباياها وفاتناتها حلي الجواهر والدرر!!
تحية من الاعماق لبيروت ، ولكل بقعة من أرض لبنان، وتحية لشعبها العربي المغوار ، في ذكرى عيد استقلال بلدهم .. وأمنياتنا بأن يتجاوز الجميع تلك المحنة التي يمرون بها، ليخرجوا منها سريعا بتوافق بين سياسييهم، يرفع عن غائلة اللبنانيين بعض خيبات الأمل، ليبقى هذا الشعب العريق موئل الأمل العربي ويبقى يحظى بإحترام العرب والعالم ، وهو يستحق هذه المكانة عن جدارة !!