20 ديسمبر، 2024 9:06 ص

صانعوا السياسة الامريكية

صانعوا السياسة الامريكية

الدستور الأمريكي ، عام 1787 قام على أساس فصل السلطات الثلاث عن بعض ،وبالذات فصل السلطة التشريعية عن السلطتين (التنفيذية والقضائية ) . فأعطى الدستور للكونجرس صلاحيات تشريع  القوانين ، وفرض الضرائب . في حين أعطى للرئيس صلاحيات إدارة شؤون الحكم ورسم وتنفيذ سياسة أمريكا الخارجية. فمن يتحكم في سياسة أمريكا حدد هدفه مسبقا ووفر آليات العمل وحشد لها الإمكانيات وخلق رأيا عاما يسير على نهجه . وأعطى الدستور الرئيس الذي ينتخب كل أربعة سنوات، ويجوز له الترشيح و إشغال المنصب لدورتين متتاليتين, الحق في تمثيل البلاد خارجيا وقيادة القوات المسلحة وعقد الاتفاقيات الخارجية وتعيين السفراء وأعضاء محكمة العدل العليا وشن الحروب، شريطة موافقة الكونغرس على ذلك, أي رغم الصلاحيات الواسعة الا انه ربطها بموافقة الكونغرس. وبالإضافة إلى هذه الصلاحيات الدستورية الواسعة فإن طبيعة العمل في مجال السياسة الخارجية يعطي الحكومة ممثلة برئيسها سلطة خاصة, فالمعروف إن إدارة الشؤون الخارجية في أي دولة تتطلب معلومات ومثل هذه المعلومات تتاح لعدد محدود من المسؤولين في مقدمتهم رئيس الحكومة.   أن الرئيس الأمريكي وأجهزته ليسوا هم صانعي السياسات أو مقرِّريها؛ لكنهم مجرد واجهة سياسية تظهر في المرحلة النهائية من عملية معقدةٍ تتشكل في ثناياها السياسة الأمريكية، إذ تساهم مجالسُ مهمةٌ في تخطيط السياسة الأمريكية، مثل: مجلس العلاقات الخارجية، ولجنة التنمية الاقتصادية، ومعهد هيدسون للأبحاث، و المخابرات المركزية، ودوائر مكتب التحقيقات الفيدرالي، وتضم تلك المجالسُ شخصياتٍ في قمة السلطة تمثل: الحكومة، والشركات الكبرى، والمؤسسات الصناعية متعددة الأنشطة، والبنوك، ورجال القانون، والشخصيات الإعلامية التي تعد الرأي العام داخل وخارج الولايات المتحدة لإحداث التغيير المطلوب. ولمجلس الأمن القومي دورا في صنع القرار السياسي الخارجي الأمريكي، ويتكون هذا المجلس من مجموعة الأفراد القياديين الذين يشكلون عصب السياسة الخارجية الأمريكية، ويتشكل من رئيس الدولة رئيسًا، وعضوية نائب الرئيس، ووزير الخارجية، ووزير الدفاع، ورئيس هيئة الأركان المشتركة، ومدير المخابرات المركزية، وعدد من المستشارين الآخرين من اختيار الرئيس ، مثل: مساعد الرئيس لشؤون الأمن القومي، ومستشار الرئيس للسياسة الخارجية، ونائب وزير الخارجية، ورئيس هيئة موظفي البيت الأبيض، وسكرتير هيئة موظفي البيت الأبيض. ثم تأتي بعد ذلك مرحلةُ اللجان الخاصة التي يشكلها الرئيس لتقديم  دعمًا إضافيًّا في تقرير ما انتهتْ إليه معاهدُ الأبحاث ومجموعات التخطيط، لتبدأ عملية الطرح على الشارع الأمريكي في شكل عينات من المجتمع، ثم تظهر تلك الافكار  في شكلها التشريعي على هيئة قوانين ولوائحَ، تتضح معها مظاهرُ التعددية السياسية الذي تتباهى بها السياسة الأمريكية. لرئيس الدولة الأمريكي دور بارز في صناعة القرار السياسي. وهو يستمد هذا الدور من السلطات الواسعة التي يمنحها له دستور الدولة، ومن طبيعة العمل في مجال السياسة الخارجية. وفي أمريكا مثلا ينص دستور الدولة على أن الرئيس هو القائد الأعلى للقوات المسلحة وهو القناة الرسمية الوحيدة للاتصال بالحكومات الأجنبية. وفي عام 1936، أكدت المحكمة الفيدرالية العليا في أمريكا ما نص عليه الدستور الأمريكي حيث قضت بأن للرئيس وحده سلطة تمثيل الحكومة الأمريكية في مجال العلاقات الدولية. فلا الكونغرس الأمريكي ولا أي جماعة أو إدارة أخرى يمكنها التفاوض مع الحكومات الأخرى باسم الحكومة الأمريكية من دون علم الرئيس وموافقته . الكاتب السياسي الأمريكي (والتر لييمان)يقول  (إن السياسة الخارجية هي العمل علي إيجاد التوازن بين الالتزام الخارجي لدولة ما والقوة التي تلزم تنفيذ هذا الالتزام ) ثم يعرف الالتزام الخارجي بأنه ( كل تعاهد ترتبط بموجبه الدولة خارج حدودها وقد يستلزم تنفيذه استعمال القوة ) وتلك القوة تتضمن الجيش والموارد الطبيعية وتأيد الشعب .  الموضوع الأكثر إثارة للجدل فيما يتعلق بالسياسة الخارجية الأمريكية، هو اللوبي اليهودي  في الولايات المتحدة وتأثيره على عملية صناعة القرار، فاللوبي الإسرائيلي يؤثر على مختلف المؤسسات الحكومية الإعلامية والأكاديمية في الولايات المتحدة الأمريكية اي “اللوبي الإسرائيلي يدفع السياسة الخارجية الأمريكية باتجاه تبني ما يصب في مصلحة إسرائيل”. والقرارالسياسي الأمريكي ليس قراراً فردياً ،وإنما هو قرارمؤسسات حكم ثابتة لا تخضع لمشيئة الحزب الحاكم أو الرئيس ووزراءه أومساعديهم،والقرارالأمريكي لا يخضع لأي إعتبارسوى مصلحة أمريكا العليا في العالم،فالصداقات ليس لها أي إعتبار في هذا القرار، فأقرب الانظمة  من الولايات المتحدة يتم التخلص منه إذا ما اقتضت المصلحة الأمريكية ذلك،وقد  تخلت أمريكا عن حلفائها وعملاءها . يقوم في الولايات المتحدة حزبان رئيسيان، الجمهوري والديمقراطي، لكنهما في الحقيقة تحالف أحزاب تمتد على عدد الولايات. فالحزبان لا وجود حقيقي لهما إلا خلال فترة الانتخابات. بل أثناء هذه الفترة لا يقومان بدور فاعل مماثل لما تقوم به الأحزاب في البلدان الديمقراطية الأخرى. إذ أن كل مرشح سواء كان على مستوى الرئاسة أو الكونغرس يقود حملته الانتخابية، من حيث خوض الانتخابات، ومن حيث جمع التبرعات، ومن حيث المواقف تجاه القضايا التي تهم الجمهور. وينعكس هذا بالطبع على تصويت الأعضاء في الكونغرس، حيث أنهم بحكم أنهم مدينين إلى ناخبيهم  ، فإن مواقفهم من القضايا المعروضة على التصويت تعكس بالدرجة الأولى اهتمامالناخبين  ومصالحهم. ولذلك، فمن المشاهد المألوفة، التي تندر في البلدان الأخرى، أن يصوت أعضاء الكونغرس ضد لوائح القوانين التي يتقدم بها الرئيس من حزبهم، أو التي تتقدم بها قيادة حزبهم. وترتبط السياسة الخارجية لدولة ما بعوامل عدة تختلف باختلاف الدول منها عامل العدد السكاني وعامل الموارد الطبيعية وعامل القوة العسكرية وعامل النظام الداخلي للدولة وهذه العوامل أساسية إذ إذ من خلالها يمكن معرفة الأهداف التي تريد  الدولة تحقيقها من سياستها الخارجية ,والوسائل التي تستعين بها الدولة علي صيانة مصالحها وتحقيق تلك الأهداف,والثغرات التي تحول بين الدولة وبين تحقيق أهداف سياستها الخارجية , والمؤثرات الداخلية التي تلعب دوراً مهماً في صناعة القرار الأمريكي، سواء في الإدارة الأمريكية ودوائرها الرسمية، أم فيما يتعلق بجماعات المصالح والرأي العام، والقيم الأخلاقية السائدة في المجتمع الأمريكي. فيشار إلى دور مؤسسة الرئاسة، ومجلسي النواب والشيوخ، ومجلس الأمن القومي، لافتاً النظر إلى أهمية الدور الذي يلعبه مجلس الأمن القومي ووزير الخارجية الأمريكي في عملية صناعة القرار. أن “الأمريكيين لا يرون مانع  من محاولة نشر القيم الأمريكية في العالم، كونها أتت للولايات المتحدة بخير”؛ وهي قناعة تبنتها الإدارة الأمريكية في صياغة سياستها الخارجية. ان الراي العام يشارك في رسم السياسات العامة في المجتمعات الديقراطية،وذلك بوضع قيم  ومعايير وتوقعات للسياسات العامة، اما السياسات العامة ذاتها فهي من صنع جماعات متخصصة تتمثل بمراكز صنع القرار. لقد حاول البعض تسليطَ الضوء على طبيعة صناعة القرار في الولايات المتحدة الأمريكية، والتوضيح عن صنَّاع هذه السياسة، وقد اهملوا  دورَ جماعات المصالح الأمريكية، وبالذَّات الهيئات والمؤسسات الممثلة للأقليات الأمريكية في الضغط والتأثير على طبيعة القرار المتَّخَذ من قبل الحكومة الأمريكية، مثل اللوبي الصهيوني، وهو الأمر الذي لم يتسنَّ بعدُ لأي إدارة أمريكية – مهما كانت شعبيتها أو قوتها – تجاوزُ تأثيره ، سواء في صياغة قراراتها السياسية الخارجية، أو الداخلية ضمن حدودها القومية، ولم ينظر الى مستقبلَ الولايات المتحدة في ظل المعطيات المتقدمة حول هُويَّة الأطراف المشاركة في صناعة القرار الأمريكي. وعلى العموم يمكن القول بان المواطنين (الراي العام) لايصنعون السياسات العامة من جهة وليسوا بعيدين عنها تماما” من جهة  اخرى. فاتجاهات الراي العام، وتوقعاته  حول كيفية مواجهة بعض القضايا الاساسية لايمكن اهمالها من قبل صانعي السياسات العامة،بل تعد الاطار العام الذي يفترض ان يتحرك ضمنه هؤلاء،فهو يحدد ماهو مقبول،وما هو مرفوض ، وما هو ناجح او فاشل من قرارات وسياسات،خصوصا بعد تنفيذ تلك القرارات , بالإضافة الى ذلك حرص الاحزاب المتنافسة (في الانظمة الديمقراطية)على الحصول على اكبر قدر ممكن من اصوات الناخبين من خلال تبنى مشاكلهم ومطالبهم في البرامج والمشاريع الانتخابية التي ستصبح بعد ذلك مادة لصناعة السياسات العامة وعلى مستوى الافراد فان للانشطة العلمية والفكرية لبعض المفكرين وعلماء الاجتماع والاقتصاد والسياسة،وغيرهم الاثر البالغ في توجهات وقرارات راسمي السياسات العامة عند قيامهم بصياغتها واتخاذ القرارات المتنوعة بشانها ومن ابرز الامثلة على ذلك مافعله (مارتن لوثر كنك) عام   1960 في مجال الحقوق المدنية للسود في الولايات المتحدة الامريكية.
والولايات المتحدة الامريكية نظرتها إلى القانون الدولي محدودة بمصالحها لا بمصالح العالم جميعا، ومقيدة بمتطلباتها لبسط هيمنتها لا بضرورات بناء مجتمع دولي يعكس احتياجات بلدان العالم كلها. و نزعتها إلى القوة  العسكرية، فهي تتدعي  الاستقامة، وترى في تصرفات البلدان الضعيفة التي على غير سياستها  ولا تخضع لإرادتها تحد لا بد من مواجهته بتدمير تلك البلدان، والشواهد على ذلك الحروب التي خاضتها  في كل القارات. وحينما يطالبها العالم ببحث أسباب المشاكل الدولية والتصدي لها بسياسات اقتصادية وسياسية مناسبة، تتحدى ذلك التوجه وترفضه.  أن الولايات المتحدة تمارس سياسة الكيل بمكيالين، وذلك بأن تعطل عمل القاعدة التي تقيس فيها نهج البلدان حينما ينطبق الأمر على بلدان معينة. فهي تعادي بلدانا وتلاحقها بالحصار والعقوبات الثنائية والدولية، لكنها تحتضن بلدانا أخرى وتخصها بالدعم وهي تنتهك  حقوق الإنسان. ينظر الأمريكييون لنظامهم السياسي علي أنه أفضل النظم الممكنة. بالتالي تشكل أسلوبين سياسيين في التعامل مع العالم الخارجي بناء علي هذه النظرة: الأول يري أن تعمل أمريكا داخل أرضها علي تحسين نفسها كدولة و شعب و تصبح نموذج لباقي العالم، و الثاني يري أن أمريكا من حقها أن تتدخل في أي مكان في العالم لتدافع عن مبادئها (حرية التجارة، القانون الدولي، الديمقراطية، الخ) في أي مكان في العالم. هذا الفكر ظهر بقوة في مؤتمر السلام الذي عقد في باريس عام 1919 بعد نهاية الحرب العالمية الأولي ليضع فيه العالم نظام عالمي جديد يمنع حدوث حرب عالمية جديدة. النظام العالمي يجب أن يقوم علي العوامل الأخلاقية، التعاون بين الدول و الحقوق المتبادلة بينها، لابد من الشفافية التامة و الديمقراطية عند إتخاذ القرارات لتكون معبرة عن آراء الشعوب الأوروبية لا عن آراء الديبلوماسيين الأوربيين. لا فائدة من فكرة الأحلاف العسكرية، الأمن يأتي من خلال التعاون الدولي بين الأمم و بعضها.
   والذي لديه القدرة على التحليل التاريخي للقضايا الأساسية في السياسة الخارجية الأمريكية، يمكنه الاستنتاج  كيفية تحول الولايات المتحدة الأمريكية إلى قوة عظمى عالمية، والنظر إلى السياسة الخارجية الأمريكية في مراحل مختلفة مثل الحرب العالمية الأولى، وما بعدها، ثم الحرب الباردة، ثم مرحلة ما بعد الحرب الباردة؛ ويرى  سقوط الفرضية الأمريكية الأهم التي سادت في مراحل مختلفة من التاريخ الأمريكي، والتي تقول بأنه “ما لم تسيطر الولايات المتحدة الأمريكية على العالم من الناحية العسكرية، فإن النظام العالمي سوف ينهار” وهي فرضية ثبت خطؤها، لان العالم تمكن بأن يتدبر أموره طوال التاريخ، ومنذ فترات طويلة سبقت وجود الولايات المتحدة الأمريكية أصلاً. وسعي الولايات المتحدة إلى السيطرة على النظام العالمي، ومع نهاية الحرب الباردة، حدث تحول بازر في السياسة الخارجية الأمريكية، دفعها إلى تبني نظرية القوة الوقائية التي تهاجم من خلالها أي “جهة إرهابية محتملة”، وذلك في إطار سعيها لإحكام قبضتها في السيطرة على العالم، وأن تصبح القوة العظمى العسكرية الوحيدة فيه.
 السياسة الخارجية لأي بلد لاتنفصل عن مصالح النخبة الحاكمة، وعن أيدلوجيتها الذين يهيمنان على أنماط مسارها وأشكال توجهاتها. تتأثر القيادات السياسية في العالم بما يقدم لها من دراسات وأبحاث سياسية وفكرية ، ومن المفيد دراسة العلاقة بين القيادات السياسية وبين الجهات التي تتولى تقديم النصح لها لمعرفة كيف يصنع القرار السياسي في دولة ما، وقد انتشرت مراكز الأبحاث الفكرية والسياسية في الولايات المتحدة بشكل كبير منذ بداية السبعينات من القرن الماضي ، وظهر تأثير هذه المراكز في صناعة القرار الخاص بالسياسة الخارجية الأمريكية بشكل واضح وملموس في السنوات الأخيرة . فالطبقة الرأسمالية التي تهيمن على آليات صنع القرار تسعى لتوطيد مصالحها وتعزيز قدراتها داخل الولايات المتحدة وخارجها. ومهمة البنى السياسية هو خلق المناخ الثقافي والاقتصادي والسياسي والقانوني الذي يسهل الربح الفاحش . لكن شكل ممارستها لسياستها الخارجية يختلف جذريا في سياستها الداخلية ، وهي أن استخدام العنف نادرا في متابعة مصالحها داخل الولايات المتحدة، لكنه أمر عادي ومتواصل في سياستها الخارجية. كان ذلك قبل الحرب الباردة وخلالها وبعدها، بل لا يوجد، تقريبا، رئيس أمريكي لم يقد بلاده إلى حرب عدوانية أو مؤامرات انقلابية على بلدان العالم الثالث. وكان الغرض الأساسي من كل هذه الحروب والمؤامرات الانقلابية، سواء في أمريكا اللاتينية أو آسيا أو أفريقيا، خلق المناخ الاقتصادي والسياسي والقانوني الملائم لعمل شركاتها الكبرى. حتى أن بعض هذه الحروب والمؤامرات كانت من أجل شركات محددة كما حصل في بعض بلدان أمريكا اللاتينية،كتشيلي خلال الحرب الباردة.

أحدث المقالات

أحدث المقالات