ليس من ريب ان الصالونات الأدبية الفرنسية أنتجت تنوعا استثنائيا في الانجاز والاستجابة في الآداب والفنون وليس محاولة للابتعاد عن المثال المشترك الذي يطرحه أدب الصالونات وتنوعه اللامتناهي والسعي لخلق مناخ معرفي وهذه ألتلاوين الأدبية الواسعة هي تتويج لأهداف طموحة لبلوغ مشروعها ورسالتها . وتذكر الانسكلوبيديا ان من رحم الصالونات ولدت (فكرة الأكاديمية الفرنسية التي تعد أهم صرح لرعاية اللغة الفرنسية )
ومن الضروري التأكيد على ان البيئة الفرنسية كانت خصبة لنشأة صالونات أدبية كما حدث في عهد فرانسوا الأول حين كان بلاطه يشبه صالون أدبيا كبيرا إلا إن أجواء الإطراء والتعبيرات المزيفة والسطحية ظهرت كالبثور على وجه الثقافة الفرنسية
ويحمل تاريخ نشأة الصالونات الأدبية اسما بارزا هي ماركيزة رامبوية (كاترين دي فيفون ) التي افتتحت أول صالون أدبي عام 1612وكانت تستقبل ضيوفها في قصرها في باريس وظل هذا الصالون مزدهرا لأكثر من نصف قرن وكان محطة كبيرة لتقيم القدرات الأدبية للكاتب ومنها تنطلق شهرته أو خمودها كما أسهم في وقف الامتداد للإباحية في كتابات القرن السادس عشر وأيضا” مصدر قلق للحكومة الفرنسية التي فشلت في استمالة احد الشعراء لنقل ما يدور من أحاديث إلى كبير وزراء لويس الثالث عشر ( ريشيليو )
ورغم أن ماركيزة رامبوية نأت بنفسها عن الإسفاف والتخبط والوقوع في مستنقع التهويمات المثالية إلا أنها فتحت الطريق إمام ظاهرة الحذلقة التي هبت في رفق على الصالونات الأدبية في باريس وانتقلت عدواها الى الصالونات الأدبية في أرياف فرنسا فجنحت نحو نوع من التكلف السلوكي واللفظي حد الإسفاف والتي ساهمت في شيوعها روائية تدعى (مادلين دي سكوديري ) تميز هذا الصالون المثير للجدل بابتداع رواده لغة رقيقة للمخاطبة فيما بينهم حتى تطور الآمر إلى تغير أسماءهم وتسجيل ما يدور من أحاديثهم تلك في سجل خاص أطلق
عليه (إنباء السبت ) وفتن رواد هذا الصالون بكتاب ( وصف رحلة إلى مملكة الدلال ) للكاتب (دويناك ) وهو رحلة وصف خيالية لجزيرة يحيط بها ( معبد الحياة ) و( ميدان الملاطفة ) ولان خيال المؤلف شاسع فقد كان هناك قصر ( الحظ السعيد ) ومناطق ( هوة اليأس ) هذا الكتاب فتح أفاقا واسعة لرواد الصالون لرسم خارطة طريق لغزو قلب ( مادلين دي سكوديري ) عبر ميثاق التزم به أعضاء الصالون ولكي يفوز احدهم بقلبها عليه ان يجتاز طريقا محفوفا بالمخاطر للوصول إلى عاصمة الرقة كما يقول الكاتب وعليه الوقوف في بلد الرقة وتأمل ( نهر الإغراء ) الذي يصب في ( البحر الخطر ) ويقسم شطرا المدينة اللذان يحفان بالنهر (نهر الرسائل العذبة ) بقرى (الاحترام ) ( والإيمان المغلظة ) ثم الوصول إلى (القناعة ) وعلى الشاعر الصديق !! إن يحذر من الوقوع في ( بحيرة عدم المبالاة ) أو الغرق في ( البحر المضطرب الأمواج ) وكان هذا السلوك الغريب المترجم بملاطفات متكلفة والخيال المفرط في تهويماته هو إحدى الاشتراطات لدخول عاصمة الرقة بعد اجتيازه هذا الامتحان أنها بالنتيجة التخيل للوصول إلى قلب صاحبة الصالون (مدام دي سكويردي ) وعلى عادة الارستقراطيات في التباهي كتبت للشاعر المتيم بيلسيون
( وأخيرا يجب ان استسلم — فان عقلك سحر قلبي ! –اني اجعل منك – مواطن الرقة – ولكن أتوسل – ان لاتذيع النبأ ) كما يشير إلى ذلك في كتاب المرحوم علي درويش ( في الادب الفرنسي )
ورغم ان الصالون ساهم في تنقية اللغة الفرنسية ومن تطوير سلوك عصر كان يتسم بالفظاظة فباسم ( السمو ) استبعدوا الكثير من الألفاظ ألسهله وبلوغ أخر درجات التصنع والهلوسة
لكن صالون ماركيزة رامبوية وصالون مدام دي سكوديري فتحا أيضا أفاقا واسعة إمام نساء نشطن في افتتاح صالونات أدبية أساءت فيها للغة الفرنسية والى العادات الاجتماعية ولم تتجنب أحاديثهم الثرثرة والهذر فوقعن في الشطط بترويج بدعة الحذلقة ولتحافظ المأساة على درجات تأزمها وبحجة التخلص من العادات الاجتماعية كان يتحركن في أجواء مشحونة بالمتناقضات بل مضحكة وهذه المحاولات المستعارة وبلا ريب هجينة على المجتمع الفرنسي ففي لغة مثيرة للسخرية صار القمر ( مشعل الصمت ) والأسنان ( أثاث الفم ) والشمعة ( مكمل الشمس ) والمرأة ( مستشار الأناقة ) والخدين ( عرش الحياء ) وجدل ومناقشات بيزنطينية عن الحب !! وهذا التشويش لا يستطيع إن يصف المشاعر التي نقع في تخومها
ولذلك كان تصدي مولير لظاهرة الحذلقة يمثل ردا واعيا تجاه هذا الابتذال والتكلف في التعبير وهو أيضا يمثل كراهيته للزيف والرياء ولأنه أيضا عانى من شظف العيش وهو ابن تلك الطبقات المسحوقة التي لا تعرف عنها هذه الصالونات إي شيء !
فكانت مسرحيته الشهيرة (المتحذلقات المضحكات ) عام 1659 وهي من ثلاث فصول لكنه انتظر ثلاثة عشر عاما لينجز مسرحية (النساء العالمات ) ذات الخمسة فصول تداخل فيها موضوع البخل والنفاق كظواهر اجتماعية مدانة إلى جانب هجاء المتحذلقات وتهويلهن في التعبير