23 ديسمبر، 2024 10:31 ص

صالح جبار يحصد النهايات الباردة في ( مواسم الخروب )

صالح جبار يحصد النهايات الباردة في ( مواسم الخروب )

( وساوس الشخوص وهفوات النص )
أن ما يثير دهشتنا في بعض نصوص كتاب القصة القصيرة

هو فهمهم على أن فن القصة مجرد دعوات تصويرية ، لحالة

أو موقف أو حادثة ، أو أن كتابة النص الحكواتي من جهة ، ما

هو ألا بنية شخوصية ، يصور و يزج القاص فيه ، بعض من أحلامه المفقودة ، و بعض من أمنياته المنسية في قاع الذاكرة والتجربة العمرية ، بل أن البعض منهم من يرى أن كتابة القصة القصيرة ، محض أفراغ ذكريات و مشاهد صور يومية من حياتهم

المحلية والشخصية الباردة ، كما وبالمقابل من هذا ، هناك كتاب آخرين ، يجدون في القصة القصيرة ، مجرد حالة عزاء أو قتل لبعض من أوقات الفراغ والملل الحياتي : من هذه المقدمة أقرأ

أقاصيص ( مواسم الخروب ) للصديق صالح جبار ، و قبل أن أبدأ

في مرحلة قراءة نصوص هذا الصديق : أقول و كلي أسف ؟ أن ما

أحزني وأدهشني وأحرجني ، هو أنني كنت من الواعدين و المتوعدين في مهمة الكتابة عن عمل هذا الصديق والذي هو

( مواسم الخروب ) بيد أنني مضطر أن أقول لهذا الصديق الأن ،

بأنني أأسف جدا ، لأن ما سوف أقوم به ، لربما يخالف أعراف

وقواعد الصداقة والمحبة ، التي هي ممتدة و بلا جسور أو قوارب ،

بيني و بين ( صالح جبار محمد ) و أنطلاقا من هذا سوف أشرع بتقويم ، وجهة نظري كما وعدتك أيها الصديق ، ولكن قبل أي شيء

أتمنى أن تكون على حسن وعدك لي ، بأن لا يكون المكتوب هو مخالف لمصداقية النقد في الرأي ، كذلك أنا على يقين بأنك تريد

( ناقد ) و ليس ( صديق ) في قراءة نصوصك القصصية . و بعد هذا الفاصل المقدماتي مع الصديق صالح جبار ؟ هل يمكن لنا بعد

هذا دخول بوابة ( مواسم الخروب ) نعم ؟ وبكل بساطة ، مادام الطريق اليها يبدو سهلا ، بحكم ما لطبيعة تلك النصوص ، من زمن يتحقق و ينطفىء ، دون بارقة قول حقيقي ، ولكن هل يمكن تسمية ،

ما في هذه المختارات بما يسمى فن قصة قصيرة ؟ أن الأجابة عن هذا السؤال ، لربما سوف تجيبنا عليه قصة ( اللحية الكثة ) أن القارىء لهذه القصة لربما سوف يواجه ، نوعا ما من التوجهات الصورية المسطحة ، والتي تجعل من حنكة الحدث القصصي ،

مجرد علاقة مروية ، مابين ضمير الشخص المتكلم ، و بين الشخوص التي بدورها ، تنحى منحى يقترب في كلامها ، من لغة

الخواطر و ( المستشفيات النفسانية ) أو لربما تقترب من جهة أخرى من لغة القصيدة النثرانية الخالصة ، و عند البحث عن ثيمة المدلول القصصي في هذه القصة ، نجده عبارة عن تطعيم حكائي ،

يقترب من حدود أجواء القصة الخمسينية ، تلك القصة التي كان كل

همها ، هو أبراز حالة وشكل التخاطب و المخاطب داخل تفاصيل

مادية بعيدة عن الحس والمحسوس القصصي ، وعند التدقيق في مجريات الشكل القصصي في هذه القصة ، أي قصة ( اللحية الكثة )

لربما لا نجد فيها لأثر ما من أدوات قصصية أو لأداة تقنية في شكل الحوار أو المونولوج أو لمساحة البداية القصصية أو مساحة الزمن المتوسط في البناء أولأثر ما في منطقة بناء الحبكة أو لمنطقة مساحة بناء ذروة منتصف وظيفة العقدة القصصية ،و كل هذه الأدوات الميكانيكية في فن القصة القصيرة ، نجدها في الواقع بعيدة و مغيبة عن اجواء قصة ( اللحية الكثة ) كما و أنها بعيدة أيضا عن أجواء باقي قصص المجموعة ، كمثل قصة ( الأغماضة ) وقصة

( الثآليل ) و قصة ( آنية الصفيح ) و قصة ( ذات الرايات ) و قصة

( رداء الأفاعي ) وقصة ( سلالة الخشب ) وقصص أخرى : أن القراءة لهذه النصوص المتواجدة في ( مواسم الخروب ) لربما تقودنا الى ملاحظة جديدة ، وهي أن نماذج شخوص هذه النصوص، لربما يقتربون في عاداتهم ومعتقداتهم وسلوكياتهم كثيرا

من حالة ( الوساوس ؟) بيد أننا نرى هذا الأمر بوضوح، و من خلال ما يترتب عليه صوت وشخصية المتكلم في قصة

( الأغماضة) وقصة ( الثآليل ) : ( تبقى مشاعري مستلبة و أمنياتي مستلقية على ظهر الجدب النابت في طين الهوس حاصدا أصراري/

مازال الحلم يتمرغ في وحل رأسي و النجوم تضع في المسامات ألمها المدمن : ص 27)

كما و هناك لدينا نموذج أخر من فعل السرد الشخوصي و ليس الوصفي ، و الحال عليه في قصة ( اللحية الكثة ) : ( الزعل هنا سياحة في مساحة التبرم / فجأة برز أمامنا أبدل ثيابه بأخرى رثة يدفع أمامه عربة مملؤة بقناني الغاز / يمارس مهنة الأشتعال لا يكتفي بالقوة اليومية / حين أقتربنا منه أشاح وجهه صارخا / غاز غاز : ص 15) على هذه الشاكلة الهزيلة من الكلام السردي و الوصفي ، وجدنا أغلب نصوص مجموعة ( مواسم الخروب )

نماذج يغلب عليها الهوس والكآبة وهستيريا الهذيان ، كما ويغلب عليها طابع الحيوات اليومية الخالية ، من أي قيمة مدلولية و أبداعية، أن القارىء لمجموعة ( مواسم الخروب ) لربما يلاحظ غياب ممارسة ظواهر الأشياء الباطنية ، كما و أضمحلال سلوكيات الأفراد ، و هي تتكرس داخل حدود حافظة خارجية من العادات و التحركات ، و بالمقابل من هذا وجدنا نهايات القصص ، عبارة عن روابط علاقاتية مفككة ، و باردة الفحوى و المعنى ، بل أن الأكثر من هذا ، وجدناها في أحيان كثيرة ، مبتورة و ناقصة ، كما لو أن النصوص كانت بحاجة الى أن تكتمل بطريقة ما ، هذا بالضبط ما واجهنا في تجربة (مواسم الخروب ) أصوات رخيصة في معدنها المحلي ، و هزيلة في أمكانياتها الخلقية ، فضلا عن وجود حالات

من الوساوس الشخوصية و في كل ما تحمل من أمنيات و أفكار

و تحركات و سلوكيات : أن عالم نصوص ( مواسم الخروب )

وليد مخيلة مأزومة بأشد ما تكون عليه حالات أضطراب التصوير

و فن الأمتاع في التلقي القصصي ، بل أن نصوص القاص ، عبارة عن مشروع حكائي ، بحاجة الى بعض الأدوات والشروط والمقومات الفنية في الكتابة القصصية : وختاما نقول حول تجربة

( مواسم الخروب ) هذا القول الموجز : حاولنا في حديثنا عن تجربة هذه القصص ، توضيح نقاط الضعف و القوة في أدوات الكتابة ، ولكن مع الأسف لم نجد سوى علامات الضعف و الأنحدار

في مشروعية هذه النصوص ، بل أننا وجدنا فقط ، ثمة أنتقالات مشاهدية ، تقطعها مجريات كلامية تختلف وتتناقص ، في زمن المدلول الدلالي للمحور ( أنا النص ) و من جهة أخرى وجدنا تمفصلات أبعاد سردية البنية القصصية للشخوص تتضح على أنها،

مجرد لافتات تفارقية ما بين ضوابط المروي و ترابطات الحكي المسرود : وضمن هذه الحدود ، راح المفعول القصصي يتوارى

خلف تكرارية الخطاب ومؤثرات الملفوظ المقطعي ، الذي بات حصيلة معينات تبدلات شكلية ، قد لا تقاس ألا بمقياس الخسارة

الفاجعة ، بل أن الأكثر من هذا وجدنا فضاء سردي دون زمن

خطابي ، من شأنه تحديد أفعال النهايات القصصية ، و التي وجدناها

بالتالي هي الأخرى غارقة داخل حدود مساحات باردة وقاسية من النهايات المنقطعة تماما ، وعلى هذا الحد من التقويم و الأيضاح الى القارىء حول نصوص ( مواسم الخروب ) قد يحق لي ألأن فقط ، توجيه أعتذاري الشديد للصديق صالح جبار قائلا له : أن ما قد وجدناه في تجربة ( مواسم الخروب ) لربما لم يعد صنيع الخطأ في قدرات المخيلة ، أو في حقائق مشاهدات الرؤيا لديك : بل أن الأهم من كل هذا هو أفتقادك لقدرة و أمكانية الأرتباط العاكس في رؤية

الأشياء على وجهها التأويلي و المسبب المباشر لخلق أشكال النمو الشيئي في طبيعة الاشياء ، فعلى سبيل المثال ، أنت تبث حركة و نمو أفعال شخوصك دوما ، على أساس حقائق خارجية تدعمها حيوية الباطن و الأداة من بعيد ، فضلا عن هذا ، أننا لاحظنا بأن عملية الخلق النصي لديك ، يبدأ دوما من حركة اللاشيء ، وينتهي من حيث لا شيء ، وسبب هذا هو أنك ، لم تجري لمساحة المخيلة لديك ذلك المنظور الكافي من فنية الرسم والتخطيط والخلق والتهيء لزمن ما تكتبه من أشياء .