22 ديسمبر، 2024 4:07 م

{إستذكارا لدماء الشهداء التي ستظل تنزف الى يوم القيامة، من أجساد طرية في اللحود، تفخر بها أرواح خالدة في جنات النعيم، أنشر موسوعة “دماء لن تجف” في حلقات متتابعة، تؤرخ لسيرة مجموعة الابطال الذين واجهوا الطاغية المقبور صدام حسين، ونالوا في معتقلاته، خير الحسنيين.. الشهادة بين يدي الله، على أمل ضمها بين دفتي كتاب، في قابل الايام.. إن شاء الله}     
الشهيد صالح اليوسفي، صحفي ومفكر وقيادي فذ، إغتاله البعث الصدامي، في بغداد، صبيحة يوم 25 حزيران 1981 بتفجير “طرد” بين يديه، تسلمه من ساعي بريد مخابراتي.
بإغتياله وصف من العقول الكوردية الناضجة، يفرط العراق بمستقبله، منهارا في هاوية الجهل، التي لا يدور فيها، الا دولاب دم مسعور.
 
مشهد 1
وقع على أرض داره، بكبرياء، حافظ عله، وهو ينقل الى مستشفى “اليرموك” ومنه إرتقت روحه مدارج الأثير الى عليين، بحسب مرافقه أوميد خالد اليوسفي، موصيا بدفنه إلى جانب والدته سه يد فاطمة، في مقبرة “زاخو”.
جرى تشييعه في موكب مهيب، شهد كلمات وقصائد، بحضور كبار الشخصيات الثقافية.. أكاديميين ومفكرين وسياسيين معارضين تحدوا النظام، برهط جليل سار خلف الجثمان المعلى، محاطا بوجهاء العراق.. عربا وكوردا وسواهما.
عناصر الأمن لاحقت العائلة، ودخلت في مشادة، مع خالد، إذ حضروا يتجسسون ردة الفعل، بحجة الكشف عن الفاعل، لكنهم لم يفعلوا شيئا سوى التحري! عما تركه الشهيد للتثبت من علاقته بالحركة التحررية الكوردية التي انبثقت من جديد؛ إذ أسس الحركة الاشتراكية الديمقراطية الكردستانية، إلى جانب الشهداء علي العسكري ود. خالد سعيد وحسين بابا شيخ ورسول مامند وعلي هزار وكاردو كلالي وسعدي كجكه وآخرين.
إستولت أجهزة الأمن على مسودة مذكراته، بخط يده، والبالغة 200 صفحة، وبهذا فقد شعبنا الكوردي “تحفة ثمينة” تكشف حقائق ووقائع مخفية في تاريخ الشعب الكردي، دونها رجل صريح.. صادق.. نزيه.. أمين.. فكريا وإجتماعيا وسياسيا.
 
مشهد2
إنخرط في العمل السياسي، صغيرا؛ لحسه المرهف ورفضه الظلم الواقع على أبناء شعبه، منطلقا من مسقط رأسه.. قرية “بامرني” في نضال دام نصف قرن، قدم خلاله خدمات جليلة باخلاص، أثناء ممارسة النشاط السياسي، مشكلا خلايا حزبية منظمة في حزب “هيوا “ ثم “رزكاري” و“خورتيت ولاتي” إنتهاءً بـ “فالبارتي”.
 
مشهد3
يروى عن دماثته القيادية المحنكة، منذ غضاضة عمره، أنه في يوم كان بصدد توزيع منشور حزبي كتبه بنفسه ينتقد فيه بعض ممارسات السلطة آنذاك وعندما عرضه على اثنين من أقرب الأصدقاء إليه اعترض أحدهما وطلب منه أن لا يفعلها خشية الوشاية به.
في هذه اللحظة لم يتردد الشهيد في صفعه على وجهه بقوة قائلاً: “إذا أردت الإبلاغ عني فافعل” ببرغم ما يكّن من حب وإحترام لهذا الصديق
 
مشهد4
تخرج في كلية دار العلوم “الشريعة لاحقاً / جامعة بغداد، وعمل مديراً لأموال القاصرين، وكاتباً للعدل، ثم تفرغ للثورة، منتظما في صفوف الكرد.
كرس شاعريته، لنظم قصائد تتغنى بحب شعبه وتعلقه الشديد بكردستان، منها “قرجه قرجه ئاكريت كه ش” عن “بابا كركر” و”دهوك” وجمال كردستان وشعبها العظيم، منها “وه لاتي من” و”كوردستان” و”كه لا هه فليري” و”كومارا مهابادى” و”به ندا شنكارى” و”كه ليى دهوكى” و”ئاخينكه ك دناف كه ليى دهوكي دا” و”هه واره”.
مشهد5
صحفي لامع، عمل رئيس تحرير جريدة “التآخي” التي أسسها واصدرها ابتداء من سنة 1967.. بعد انقلاب البعث مستحوذا على السلطة العام 1968، أغلق الجريدة وإلتحق بصفوف الثورة حيث نقل نشاطه السياسي والإعلامي من بغداد إلى جبال كردستان ثانية.
 وبعد اتفاقية آذار 1970 عمل مسؤولاً للفرع الخامس، من الحزب في بغداد ووزيراً في الحكومة المركزية ورئيساً لجمعية الثقافة الكردية التي أصدرت مجلة “شمس كردستان” الشهرية باللغتين العربية والكردية، مخصصة له مقالا في كل عدد من المجلة.
 
مشهد6
دائم الانشغال بالمحافظة على المكاسب التي حصل عليها الشعب الكوردي وتطويرها، وتقديم المساعدة للفقراء والمحتاجين؛ لذا يكتظ مكتبه بالزوار والمراجعين، من طالبي المساعدات أو الوظائف.. محباً للسلم والتعايش بين الشعوب، صديقاً لحركات التحرر والدول ذات الأنظمة الديمقراطية والتقدمية وله علاقات واسعة مع الأنظمة الاشتراكية وقتذاك وفي المقدمة الاتحاد السوفيتي.. أصبح نائباً لرئيس مجلس السلم والتضامن العراقي، ونائباً لرئيس جمعية الصداقة العراقية السوفيتية ..
كان عضواً في المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني منذ بدايات تأسيسه وعمل بجد واخلاص وتفان وكسب ثقة وحب الجميع.
 
مشهد7
أوائل الستينيات، عمل مسؤولاً للفرع الأول من الحزب، في الموصل وأشرف على إذاعة كردستان وشارك في جميع الوفود التي تفاوضت مع الأنظمة المتعاقبة.. تعرض للسجن والاعتقال والتعذيب لمرات عديدة أسوأها وأقساها عليه نفسياً وجسدياً سنة 1963 عندما تم اعتقاله من قبل حكومة البعث أثناء ترؤسه الوفد الكردي المفاوض في بغداد بعد سفر مام جلال رئيس الوفد حينذاك إلى القاهرة ضمن الوفد العراقي للتهنئة بالثورة المصرية ولقاء الرئيس جمال عبد الناصر . حيث تعرض الشهيد إلى أبشع أنواع التعذيب على أيدى جلاوزة البعث.
 
مشهد8
أوائل العام 1974 شارفت السنوات الأربع المنصوص عليها، في اتفاقية آذار، على الانتهاء؛ ما يوجب على الطرفين.. حكومة العراق وقيادة الحركة الكردية، حسم قضايا عالقة؛ تعثرت بسببها المفاوضات.
الا ان الشهيد اليوسفي.. بحكمة واقعيته وبعد نظره في استقراء الأمور، بذل جهوداً مضنية من أجل التوصل إلى اتفاق يمنع سفك الدماء، من دون جدوى، إذ إنفرد مجلس قيادة الثورة المنحل، بإصدار قانون الحكم الذاتي، متخذا إجراءات أدت إلى استئناف القتال في كردستان.
حمى وطيس المعركة، وتشكلت الإدارات المدنية في المناطق المحررة من كردستان وتسنم الشهيد منصب الأمين العام للعدل والأوقاف .
عاد سنة 1974ـ 1975 المليئة بالأحداث الجسام، إلى بغداد، مؤسسا الحركة الاشتراكية الديمقراطية الكردستانية، كما أسلفنا، والتي إنضمت للاتحاد الوطني الكردستاني.
تسارعت الاحداث بإندلاع الحرب العراقية الإيرانية، وإعتقاله وحجزه في مديرية الأمن العامة؛ جزاء مواقفه وآرائه الجريئة والمذكرة الشهيرة التي رفعها إلى القيادة العراقية حينذاك وهو بين يدي الجلاد من دون خوف، دفاعاً عن قضية شعبنا العادلة إلى لحظة استشهاده في 25/6/1981 بأمر مباشر من المجرم برزان التكريتي مدير المخابرات العامة وتوجيه من الطاغية المقبور صدام حسين.
 
من قعر المعتقل
عثر مؤخرا على رسالة، بعثها عقيلته، بخط يده، أثناء أعتقاله، قبيل إنعقاد مؤتمر القمة العربي / 1978، بسبب خشية السلطات، من محاولته الإتصال أو مقابلة بعض الزعماء العرب الذين تربطه بهم علاقة صداقة شخصية، قد يفيد منها بطرح المشكلة الكردية عليهم، جاء في نص الرسالة: “عزيزتي أم شيرزاد المحترمة.. تحية وأشواقاً مع وابل القبلات الحنونة للمحروسات وللمحروس شيرزاد مع تحياتي للأخت ونسيبه.. صحتي جيدة حمداً لله وأنا مرتاح البال والضمير والراحة التامة مع الأخوان أرجو أن لا تقلقوا من طرفي أبداً.. أستلمت رسالتك وجميع الأغراض مع الشكر.. في الليلة التي خابرتك فيها تلفونياً، واجهت السيد مدير الأمن العام وقد أستقبلني ببالغ المودة والترحيب ومكثت معه في غرفته وبوحدنا قرابة ثلاثة أرباع الساعة وأعرب مقدّماً عن أسفه وتأثره الشديدين بتوقيفي ( حجزي ) الذي تم خارج نطاق قدرته ورغبته وبشكل مفاجئ من القيادة رأساً: – رغم أنها لا تود إيذاءك أو الإساءة إليكَ وهو شيء مؤقت حسبما أتصور وربما ومن المحتمل أنها قد أخذت بعض الإنطباعات حول مواقفك المتشددة وأنها لا تزال تقدر مواقفك الأخرى، وأخبرني لو كان الأمر بيده لما قام أصلاً بإستدعائي وحجزي وأخلي سبيلي حالاً وأنه يتفق معي أنَّ حجزي لا يخدم المصلحة وأشعرني أنه يرى من المستحسن توجيه رسالة خاصة بواسطته إلى السيد الرئيس تتسم بالملاطفة.. ومن خلال حديثنا المتبادل أدركت بأن ذلك ناتج من بعض الترسبات النابعة من مواقفي الموضوعية الصريحة بإنتقاد المسؤولين وسبل وأساليب معالجة قضية شعبنا ومن رفضي لأية مسؤولية وربما من مذكرتي القديمة أيضاً وربما أيضاً من جواب رسالتي الموجهة إلى اللجنة التحضيرية الهزيلة التي أشرفت على مؤتمر أدباء الأكراد وفشلت مع المسؤولين المؤيدين لها فشلاً ذريعاً فحاولوا تغطية فشلهم بسبب رسالتي كما من المحتمل أنه جرى حجزي قبل إنعقاد مؤتمر على وزارة الخارجية والقمة خشية قيامي بتحرير وتقديم مذكرات إليهم وأنتقادهم أو أي نشاط آخر.. وأخبرته لا مانع من تقديم الرسالة إلى السيد الرئيس مع بيان صحة وجهة نظري حول المعالجة الجذرية السليمة لهذه القضية المهمة لضمان نجاحها الكامل لكي لا أخجل أمام ضميري وشعبي ومعه، حيث ثبت بالتجارب التي مرّت على صحة وصواب رأيي الذي يخدم المصلحة العامة ومصلحة الدولة وحزبكم دون أية غاية أو منفعة شخصية وفعلاً في اليوم التالي قدمت رسالتين للسيد الرئيس والسيد النائب عن طريقه.. وقد شعر المسؤولين بمراعاتهم لكل ما أطلبه من الحاجات واللوازم وتأمين راحتي بقدر الإمكان مدة بقائي عندهم وحتى كلّف بإرسال سيارة خاصة يومياً عندكم لجلب كل ما أحتاجه ولكني قلت لا حاجة إلى ذلك.. أما بخصوص ما قاله الأخ شوكت بأن الذين يزوروني هم السبب في ذلك فلا صحة لهذا التوهم مطلقاً، أما قوله ( بأني أستحق ذلك ) بسبب إنتقاد المسؤولين وسبل وأساليبهم الفاشلة في معالجة هذه القضية الحيوية – كما ثبت لحد الآن والتي لا تخدم لا مصلحتهم ولا مصلحة الشعب ولا يمكن أن أسكت عن الحق والحقيقة التي تهم مصلحة الجميع – وأخبريه بعد تحياتي إليه ليخبر بدوره المسؤولين بأني أفضل قضاء ما تبقى من عمري بإباء وشرف وأستشهاد في المواقف والسجون دفاعاً عن الحق والمصلحة العامة وأستجابة لصوت الواجب المقدس الذي يدفعني بحرارة وإيمان ورغبة عارمة بالدفاع عن قضية شعبنا العادلة ووضع الأسس الناجحة في سبيلها والمشاطرة معه في محنته وآلامه التي تحملتها منذ فجر شبابي قرابة الأربعين عاماً بصدق وأمانة وإخلاص.. إنهم يتوهمون جداً بأنه بالإمكان أستخدام أساليب التخويف والإرهاب والضغط عليّ أو أي أسلوب آخر لترويضي وإذلالي للركوع أمام كل مَن يريد إملاء إرادته الكيفية عليّ وعلى شعبي كائن مَن كان وعن طريق الإستجابة لوشايات الواشين والحاقدين والإنتهازيين المتطفلين اللاهثين وراء منافعهم الآثمة لتحريف الحقيقة والمصلحة ومحاولة تدميرهما ولا بد الحق والحقيقة أن ينجلي قريباً وسوف أبقى كما كنت مرفوع الرأس مهيب القامة شامخاً بسلوكي ومبدئي شموخ وصلابة جبال كوردستان الشمم وأبناً باراً لشعبي والشعب العراقي ومتفانياً في خدمتهما بصدق وإخلاص مادمت حياً.. نظراً لإحتمال عدم إخلاء سبيلي إلا بعد إنهاء مؤتمري وزراء الخارجية ومؤتمر القمة حيث ربما بالإضافة إلى الأسباب التي ذكرتها آنفاً التي أدت إلى حجزي هو خشية قيامي بتحرير وإصال مذكرات إلى رؤساء مؤتمر القمة وإنتقاد المسؤولين نظراً لقدرة الكتابية العالية وشخصيتي المعروفة وإيقاف أي نشاط آخر لتأثير شعبيتي ومع ذلك فمن المحتمل إخلاء سبيلي في كل لحظة”.
 
الرسالة التي دكت الجبل
ورد في الرسالة التي بعثها الشهيد اليوسفي، بجرأة فائقة، الى الطاغية المقبور صدام حسين: “إعادة المرحلين والمهجرين إلى قراهم الأصلية ، وتعويضهم عما لحق بهم من أضرار ، وإعادة الدراسة باللغة الكوردية إلى جميع المناطق التي شملتها منذ العام 1970 .. ضم قضائي عقرة وشيخان والأقسام الكوردية المطلقة في أقضية سنجار وتلعفر والحمدانية من محافظة نينوى إلى محافظة دهوك.. ربط الأجزاء الكوردية من محافظة كركوك: “آلتون كوپري” و”وشوان” بمحافظة أربيل.. ربط أقضية: “چمچمال” و”كلار” و”طوز خورماتو” و”كفري” و”خانقي” بالسليمانية، او تشكيل محافظة كوردية جديدة في إطار الحكم الذاتي، تضم إليها تلك الأقضية”.
توالت الرسائل بين الطرفين المفاوضين، من دون التوصل إلى نتيجة، وفي سنة 1981، وقبل اغتيال اليوسفي بشهر، زار رئيس جهاز المخابرات العراقية.. آنذاك.. برزان التكريتي منزل الراحل، طالبا رأيه بالحرب العراقية – الإيرانية؛ فأجابه بأنه ليس لديه رأي في هذا الموضوع.. “لكني أستطيع أن أبدي رأيي حول عمليات التهجير والتنكيل، التي تمارسونها من مدينة خانقين إلى مدينة زاخو”.
إرتبك رئيس جهاز المخابرات، مصطدما بالطاولة التي امامه، وكاد يسقط أرضا؛ وإنصراف مغتاظا.
 
سيرة غير شخصية
نذر نفسه لإسعاد الآخرين، منذ ولد العام ١٩١٨.. توفى والده منذ صغره فتربى في كنف والدته، وه حفيد الشيخ يوسف الزاخويي ، درس ألأبتدائيه في مدرسة بامرني , والثانويه في إعدادية آل البيت عام ١٩٣٨ م في بغداد وعين معلما في حرير ثم عاد الى بغداد و أكمل تعليمه العالي في كلية دار العلوم – الشريعه عام ١٩٤٢ – ١٩٤٣ بأمتياز, فعين كاتبا أول في محكمة الموصل .
بعد بيان 11 آذار، عمل وزيرا للدوله ونائبا لرئيس جمعية الصداقه والتعاون العراقيه السوفيتيه و مسؤول الفرع الخامس للحزب الديقراطي الكردستاني في بغداد ورئيس اتحاد ألأدباء والكتاب الكرد وجمعية الثقافه الكرديه ورئيس تحرير مجلة “شمس كردستان” باللغتين العربيه والكرديه ورئيس تحرير مجلة “ستير – النجمه” للأ طفال بالغه الكرديه وعضو مجالس ولجان ومشرف على اتحاد نقابات العمال والجمعيات الفلاحيه والتعاونيه الكردستانيه .
وكان.. رحمه الله.. كاتبا وشاعرا سخر قلمه لخدمة القضيه الكرديه وأستثمر وقته في كتابة آلام وهموم شعبه، في صحف: “التآخي” و”برايتي” و”شمس كردستان” و”ئه ستير النجمه” و”نووسه ري كورد” الثقافيه .