23 ديسمبر، 2024 4:32 م

صالح البخاتي مسيرة الاباء

صالح البخاتي مسيرة الاباء

بين عام 1979 و1980، بدأت الاحداث في العراق تتسارع بشكل واضح، النظام بدأ في تنفيذ مخطط مرسوم ومعد سلفا في الدوائر الغربية، لمواجهة انتصار الثورة الاسلامية في ايران، كان من مرتكزات هذا المخطط ضرب المعارضة للبعث ولو كانت قلبيه! شن النظام حملة شرسة ضد رجالات الحوزة العلمية والشباب الإسلامي، بين تسفير واعتقال واعدام.
اطلق الشهيد السيد محمد باقر الصدر فتوى الكفاح المسلح ضد النظام، وشكل لهذا الغرض حركة مجاهدي الثورة الاسلامية، كلف السيد عبدالعزيز الحكيم بقيادة هذه الحركة التي تمكنت من توجيه ضربات موجعة للنظام، ابرزها تفجير وزارة التخطيط وعدد من الاماكن الحيوية، الغيت على اثرها قمة دول عدم الانحياز، الذي كان يعول عليها النظام كثيرا في التحشيد لغزو اراضي الجمهورية الاسلامية.
هناك في اقصى جنوب العراق، ضمن قرية منسية، كان مجموعة من الشباب تتحسس الام الوطن، بينهم فتى يبلغ الرابعة عشر من عمره، يتيم الاب، ادرك مبكرا، ان الحسين نهج وطريق والوطن قضية، ولا تحل القضية الا بسلوك الطريق والنهج.
صالح البخاتي امتلك مواصفات القائد، لذا بدأ مع هؤلاء الشباب بتنفيذ عمليات محدودة ضد النظام، الذي ادرك هو الاخر، ان القيادة في النجف الاشرف تستمد قوتها من رجال يبعدون عنها جغرافيا، لكنهم يمتلكون من الولاء والوفاء ما يمكن ان يهد اركان النظام، لذا كرس النظام قوته في جنوب العراق لاستهداف العشائر والشباب الواعي.
ادركت اسرة البخاتي؛ ان رحلة المواجهة مع النظام، لابد منها، عندها تمت الهجرة الى الجمهورية الاسلامية، صادف وصول الاسرة الى هناك، أن السيد محمد باقر الحكيم؛ بدأ بتشكيل الجناح العسكري للمجلس الاعلى للثورة الاسلامية، فكان البخاتي واخوته الثلاثة اول من انضم لهذا الجناح.
بدأ صالح البخاتي يلفت نظر قائده الحكيم، بنزاهته وشجاعته وصدقه ووعيه وادراكه، ليصبح من مقربي القائد وثقاته، كلف البخاتي بقيادة العمليات الجهادية في الأهوار، اوجع النظام بضرباته واخوته المجاهدين، فكلما اغلق النظام ثغرة
كان ينفذ منها المجاهدون، تمكن البخاتي من ايجاد بديل لها، هكذا استمر البخاتي بعلاقته مع اهوار العراق، الذي كان يفضلها على ارقى الاماكن السياحية على وجه الارض، كيف لا؛ وهو يجسد فيها امامه وسيده ومعشوقه الحسين في رفض ومواجهة الباطل.
عام 2003، عاد صالح البخاتي الى ارض الوطن، ليعتقل من جديد من قبل جهاز المخابرات، الذي كان يدار من قبل المحتل بنفس الضباط الذي قض البخاتي مضاجعهم بالأمس، اثناء التحقيق كان البخاتي يتحدث بثقة حيرت مستجوبيه، لم يداهن ولم يبرر، حاولوا تأخير اطلاق سراحه عن المجموعة التي اعتقل معها، للضغط عليه او كسر الثقة العالية التي هزمت ضباط التحقيق، لكن هؤلاء لم يدركوا؛ ان البخاتي تمكن من كسب بعض ملاكاتهم للتواصل مع قادته، حتى قام عزيز العراق باستدعاء رئيس الوزراء في حينه، والضغط عليه، لغرض الافراج عن البخاتي فورا، ليخرج مواصلا جهاده في بناء الدولة ورسم اسس انطلاقها.
هدد الدواعش مرقد عمته زينب، كما اخبرته عليها السلام بالحلم، شد الرحال ليدافع عن ضريحها المشرف، ليعود مع سقوط ثلثي البلد، بيد الدواعش ليبدأ رحلته نحو النهاية التي طالما تمناها.
حلت ظهيرة 21/6، ليصلي فريضتها وتبل لحيته الشريفة بدموعه، متوسلا الى ربه بمعشوقه الحسين، ان يحقق امنيته، مع انتهاء الصلاة بلحظات جاءت الاستجابة، على يد شقي من الاشقياء، ليترجل البخاتي وتنتهي الرحلة، الذي بدأت قبل ما ينيف عن الاربعين عاما، يلفظ انفاسه الاخيرة في حضن ولده الاكبر مهدي، رحل البخاتي؛ ليخلف لوعة في صدر كل من عرفه وعرف حقه، عاش مع الحكيم واستشهد في درب الحكيم، فأبنته دموع الحكيم…