بعد ان ادركت الدول التي كانت تدعم فصائل المعارضة السورية بمختلف انواعها و تسمياتها ان سقوط او اسقاط نظام الرئيس السوري ( بشار الأسد ) ليست بتلك السهولة التي كان عليها النظام الليبي برئاسة ( معمر القذافي ) الذي لم يستطيع الصمود سوى لبضعة اشهر بعدها انهار النظام الليبي بمقتل القذافي بعد ان استهدفته احدى طائرات حلف الناتو و طويت صفحته و انتهى عهده اما في الوضع السوري فالأمر مختلف تمامآ حتى صار عامل الوقت ليس في صالح المعارضة السورية المسلحة و الدول التي تدعمها بعد ان هجر و نزح الملايين من ابناء الشعب السوري و بعد ان دمرت تلك الحرب الهوجاء معظم البنى التحتية و الفوقية و الأخطر من هذا كله صارت الأراضي السورية بمثابة المعسكر التدريبي الكبير و المفتوح لكل المنظمات الأرهابية و منه ينطلقون الى مختلف دول العالم .
قبل بدأ الحرب السورية كان نظام الرئيس السوري يسيطر على الدولة السورية بقبضة حديدية قوية من خلال مؤسسات الدولة العسكرية و الأمنية و لم يكن يسمح لأي نشاط معاد للدول الأخرى ينطلق من الأراضي السورية الا اذا كان ذلك بموافقة الحكومة السورية و الدائرة الضيقة التي تحيط بالرئيس فحين كان ( حزب العمال الكردستاني ) يهاجم الدولة التركية انطلاقآ من الأراضي السورية كان ذلك بعلم الحكومة السورية و اجهزتها المخابراتية و الأمنية التي كانت تقدم الدعم و الأسناد للمقاتلين الكرد في كفاحهم المسلح ضد الحكومات التركية المتعاقبة و كذلك كانت الحدود السورية مع الدول الأخرى بما فيها ( اسرائيل ) مغلقة و لا يمكن اختراقها او تجاوزها بسهولة و يسر انما كانت في غاية الصعوبة و التعقيد فقد كانت القوات السورية تحيط بتلك الحدود و تمنع أي تسلل او تغلغل ان ارادت قوة ما اختراقه او عبوره .
كانت ( اسرائيل ) من اكثر الدول التي اصابها الأرتباك و الخوف من الحرب الدائرة في سوريا و التي جلبت معها القوات الأيرانية التي تدعم الحكومة السورية الى القرب من الحدود مع اسرائيل و مازال التهديد الأيراني بمحو ( الدولة اليهودية ) من الوجود ماثلآ و يثير الهلع و الفزع عند المواطنيين الأسرائيليين و ان كان الوجود العسكري الأيراني في سوريا يشكل قلقآ جديآ عند اسرائيل و قادتها كذلك فأن ( اسرائيل ) ليست متأكدة من ان سيطرة الفصائل المسلحة على الحكم في دمشق سوف يكون في صالحها و تلك الفصائل التي في اغلبها ذات توجهات اسلامية متطرفة و سوف تكون تلك الفصائل محرجة امام اعضائها و مناصريها ان هي هادنت او سالمت اسرائيل ما يفقدها المصداقية عن عدائها لليهود و حنقها عليهم و هي أي اسرائيل لا تأمن جانب تلك الفصائل و التي دائمآ ما كانت تنقلب على مموليها و مؤيديها و حتى على صانعيها .
عانت ( تركيا ) و حكوماتها المتتالية من هجمات ( حزب العمال الكردستاني ) المطالب بالحقوق المشروعة للشعب الكردي في تركيا و كانت اغلب تلك الهجمات تنطلق من الأراضي السورية الا ان تلك الهجمات و الأشتباكات خفت حدتها كثيرآ خصوصآ بعد اختطاف و اعتقال زعيم الحزب ( عبد الله اوجلان ) و اغلاق الحدود السورية امام مقاتلي حزب العمال و منعهم من مواصلة نشاطهم المسلح العابر للحدود و الموجه ضد الحكومة التركية انطلاقآ من سوريا اما بعد ام نشبت الحرب في سوريا و تراخت قبضة الحكومة السورية عن عموم مناطق البلاد و بضمنها تلك التي يقطنها الكرد عادت الروح من جديد في ( حزب العمال الكردستاني ) لكن في تسمية ( قوات حماية الشعب الكردية ) التي فرضت سيطرتها على تلك المناطق و استطاعت ان تطرد و تطارد عناصر ( داعش ) و تقضي على فلولهم الا ان هذا الأمر لم يكن محط اعجاب القادة الأتراك الذين توجسوا خيفة و حذرآ من عودة النشاط المسلح للكرد في مقارعة الحكام الأتراك .
بعد هزيمة الجيش السوفييتي و انسحابه من افغانستان رجع الكثير من المقاتلين المتطرفين الى بلدانهم الأصلية و شكلوا فيما عرف حينها ( العائدون من افغانستان ) الذين كانت لهم انشطة ارهابية طالت بلدانهم و انظمة الحكم فيها و على الرغم من البعد الجغرافي الذي يفصل بين الكثير من الدول و منها الأوربية عن سوريا الا ان شبح عودة المقاتلين المتطرفين المنخرطين في الحرب السورية و التي طالت اكثر من المفروض و من المتوقع جعل تلك الدول في حالة من التأهب و الأستنفار لأستقبال تلك القنابل البشرية الموقوتة و التي سوف يطلق عليها تسمية ( العائدون من سوريا ) الذين طالت اعمالهم الأجرامية العديد من الدول الأوربية و التي لم تستطع تلك الدول من التخلص منهم بالتغاضي عنهم حين ذهابهم الى سوريا فكان ان عادوا و هم اكثر تدريبآ و تأهيلآ عسكريآ و فكريآ و هم على أتم الأستعداد جسديآ و نفسيآ في شن هجمات ارهابية عشوائية تطال المدنيين في ساحات الأحتفالات و الأعياد دهسآ بالسيارات او طعنآ بالسكاكين او بالأثنين معآ .
اما الدول الخليجية و التي كان منها يأتي المدد المالي و البشري و الفكري فهي الأخرى في حالة سيئة من الخيبة و التوجس و الخذلان بعد ان انفقت المليارات من الدولارات في دعم الفصائل السورية المسلحة تدريبآ و تمويلآ و تسليحآ و ساهمت بشكل مباشر في امداد تلك الحرب الشرسة بكل المقومات التي من شأنها زيادة حدة الأقتتال بين ابناء الشعب السوري و تدمير بناه الأقتصادية و الأجتماعية لكنها و بعد ان استشعرت تلك الدول و بالأخص السعودية ان سقوط الحكم السوري اصبح بحكم المستحيل و درءآ للأحراج و تقربآ من الحكومة السورية ان بعثت بالرئيس السوداني ( ساعي البريد ) الذي حمل الرسائل المتملقة و المتفهمة للقيادة السورية و كذلك كان استبدال وزير الخارجية السعودي ( عادل الجبير ) المعروف بموقفه المعادي للحكومة السورية في رسالة ودية اخرى من الحكم السعودي و الخليجي ان افتتحت دولة الأمارات العربية المتحدة سفارتها المغلقة في العاصمة السورية ( دمشق ) و كذلك فعلت مملكة البحرين و هلم جرا .
أيقن الجميع ان بقاء الحكم السوري و عدم سقوطه سيكون ليس فقط امرآ مفروغآ منه بل ضروريآ خاصة و ان منطقة النفوذ الروسي لا يمكن لها ان تتخلى عن القواعد العسكرية الجوية و البحرية في سوريا و كذلك كان الأنسحاب الأمريكي من سوريا اقرارآ واضحآ بهذا الأمر و التنازل عن سوريا للروس مقابل ان يكون العراق من حصة امريكا و كذلك فأن بقاء نظام الحكم السوري ضروري و مهم في استقرار دول الأقليم كلها دون استثناء او بالأحرى كل دول العالم حيث جعلت سنوات الحرب الطويلة في سوريا من هذا البلد المكمن و المنجم الذي يحتوي على اعداد هائلة من الأرهابيين المدججين بالسلاح و المال و الأفكار و المستعدين للقتال في أي بقعة من العالم و ليس بأمكان الا الحكومة السورية الحالية القوية من لجمهم و القضاء على هذه المجاميع الأرهابية و تصفيتهم جسديآ و منع عودتهم الى البلدان التي جاءوا منها ما يعزز الأمن و الأستقرار في تلك البلدان و مع هذه المعطيات اصبح وجود الحكم السوري الحالي ضرورة ملحة و مهمة لكل الأطراف و لابد من دعمه و تقويته بدلآ من اضعافه و اسقاطه كونه صمام الأمان الوحيد و غيابه سوف يعني فوضى عارمة غير خلاقة تغرق المنطقة و تحرق الأخضر قبل اليابس .