رغم أن العمامة ارث قديم وكان العرب يرون فيها ( تيجان العرب ) ويقرون : ( ان شيء فيه العقل والنظر والسمع حقي بالصون ) بل ذهبوا أبعد من ذلك حتى اعتبرها أحدهم عنوان ودلالة تعريف تدل على صاحبها :
( انا ابن جلا وطلاع الثنايا .. متى أضع العمامة تعرفوني )
وكان لكل قوم أو طبقة من الناس عمامة فمنهم من جعل لها ذؤابة ومنهم من جعل لونها اسود مع العلم ان اغلب العمائم بيضاء وفي بغداد كانت عمامة أهلها( جراويه ) وفي الارياف كانت توضع فوق ( اليشماغ ) وبمرور الزمن انحسرت العمامة وحلها مكانها في الأرياف( العقال ) الذي هو عمامة مصغرة أو رمزا لها وفي المدن السدارة والطربوش وغيرها وفضل الاغلب ان يكونوا حاسرين الرؤوس حتى كادت تختفي العمامة إلا عن رؤوس طلاب العلوم الدينية في الحوزات العلمية ومراقد واضرحة الأئمة والأولياء والمساجد وأصبحت رمزا يدل على الواعظين والدعاة والخطباء والمرشدين الدينيين الذي يقيمون المجالس في المدن والقرى والأرياف لنشر الوعي الديني لكن كيف سارت حياتنا مع هذا الإنسان الذي تفرد بوضع العمامة على رأسه واتخاذها رمزا لعلوم الدين وشرح ما أشكل منه للعامة ؟ باديء ذي بدء أخبرنا انه ( رجل الدين ) يعني ان الدين اختصاصه وحده واوصلنا قضية في غاية الخطورة عندما أعلن على الملأ ان ( العمامة تاج رسول الله ) وهو يعلم ونحن ان رأس رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يشرف كل الموجودات ولا يمكن أن تشرفه قطعة قماش وخضعت قضيتنا مع المعمم لقانون المد والجزر اذا كان عندما تحاصره السلطة بالتضييق نحتضنه ونحميه وعندما كانت تحاصرنا كان يطالبنا بالصبر وكان في كل مجلس هو المتكلم ولا يسمح لأحد بمناقشته والرد عليه وكل كلامه زواجر ونواهي وأوامر ولا ملاذ لنا من أفعالنا حسب كلامه إلا جهنم حتى تصورنا ان الله سبحانه خلق جهنم فقط لنا وخلق الجنة للمعممين ومن يوافقونه الراي أو يدفعون له تكاليف حياته ومعيشته حتى استدار الزمن وارتقى المعمم دست السلطة بدل المنبر فتخلى عن كل ما قاله لنا واستحل كل ماحرمه باسم الدين حتى وصل به الحال إلى بيت المال فاجاز لنفسه الاستحواذ عليه بعد أن اعتبره ( مجهول المالك ) وفي زمن تسلطه حاول جلدنا بسوط الدين وسوط السلطة في حين مارس من سبقوه في الحكم جلدنا بسوط الحكم فقط بعيدا عن سوط الله .