5 نوفمبر، 2024 4:48 م
Search
Close this search box.

صاحبة الجلالة المتوّجة بالضاد!

صاحبة الجلالة المتوّجة بالضاد!

اللغة العربية الرائعة البديعة , تعاني ما تعانيه على يد أبنائها , المتاثرين بآليات ومهارات التغرير الإنقراضي والتكنولوجي , الساعي لتفريغهم من محتوياتهم الإنسانية والحضارية , وتحويلهم إلى موجودات بلا هوية , وبملامح إتلافية خلاقة المواصفات.

وهكذا تجدنا أمام محنة إنقلاب تاج الضاد إلى الضد!!

فالعرب وكأنهم على خصام مع لغتهم , وإهمال لها وإزورارٍ عنها , ولا تخلو الخطب والكتابات من العثرات والأخطاء ونزرة المفردات , حتى لتحسب المتكلمين بلا قدرة على قول ما يريدونه , مما يتسبب في إنهيارات تواصلية ذات تداعيات وخيمة.

ويتعرض العرب لهجمة شرسة على عروبتهم , تتمثل في تجهيلهم بلغتهم , ودفعهم إلى إستخدام لغات أخرى , تساهم في إضعاف قدراتهم التعبيرية باللغة العربية.

وأصبحنا نتواصل مع بعض الزملاء والأصدقاء , ونستغرب من قولهم بأنهم يفضلون التحاور بغير العربية , لأن قدرتهم على التعبير بها ضعيفة , وبعضهم يحسب ذلك نوع من التحضر والمعاصرة , وعندما تكاتبهم بالعربية يجيبونك بلغة أخرى , وإن كررت ذلك توقفوا , لأنهم يحسبونه إعتداءً عليهم , فالعربية ما عادت لغتهم الأم!

وفي بعض دولنا لا تحتاج للعربية في التعامل مع الناس , وإنما اللغات الأجنبية هي السائدة , وأنت تتجول في شوارعها وأسواقها , تتوارد إلى مسامعك محادثات بلغات أخرى , ذلك أن هذه الدول لا تفرض على العاملين فيها تعلم اللغة العربية , بل تتباهى بأنها تتعلم لغتهم.

فالعاملة الأجنبية في البيت لا تتعلم لغة أهل البيت , وإنما يتفاخرون بأنهم قد تعلموا لغتها , وصاروا يخاطبونها بها , بل أنها تعلم الأطفال لغتها , فيفقدون إرتباطهم الأساسي باللغة العربية.

ومن المحزن أن تكون في دولة عربية , وتجد أنك تستخدم لغة أجنبية للتخاطب والتفاهم مع الناس , من سائق التاكسي إلى العاملين في الفنادق وغيرها من مرافق الحياة.

وفي معظم الدول العربية , لا تحظى لغة الضاد بالإهتمام الذي تحظى به لغات الدنيا الأخرى في دولها , كالفرنسية والإيطالية والألمانية والصينية واليابانية والكورية والتركية والفارسية , وهذا خلل حضاري مروّع وإنهيار فكري وكياني , يستهدف الهوية , ويسعى لقتل العروبة والقضاء على أسس ومعاني الوجود العربي.

ولو حصلت مقارنة بالمخزون اللغوي (مفردات اللغة) ما بيننا وبين أبناء اللغات الأخرى , لتبين أننا نتفوق عليهم بالإفتقار للمفردات , فالمجتمعات تسعى لرفد أدمغة أبنائها , ومنذ ما قبل الروضة والإبتدائية , بأقصى عدد من المفردات اللغوية , لتعينهم على إمتلاك أدوات التعبير عن أفكارهم , والتواصل مع عصرهم , بأعلى درجات الإبداع والتفاعل الإبتكاري الأصيل.
ذلك أن إثراء العقول بالمفردات يساهم في زيادة قدرات التفكير السليم , وينمي آليات التخاطب والتحاور بالعقول لا بالأيادي والعواطف والإنفعالات.

ومن الواضح أن الطفل في المجتمعات المتقدمة يمتلك القدرة على التعبير عن نفسه بلغته , أفضل من الطفل في مجتمعاتنا , لأننا نهمل تعليم المفردات , وهم يستثمرون فيها , ومنذ بداية العام الثالث للطفل.

فصاحبة الجلالة هي  لغة الفرقان ويتكلم بها الملايين ويرتلون القرآن , و تعاني في مَواطنها , وبإرادة أبنائها الذين وكأنهم يريدون التخلي عنها.

وبمناسبة اليوم العالمي لصاحبة الجلالة الموقرة , فأنها تناشدكم  وتنادي بالتواصل معها وتحقيق غاياتها.
فالعالم يريد أن يتعلمها , وهي من الحصص الدراسية الأساسية في العديد من جامعات الدنيا ,  وكل مسلم يريد من العرب الغيارى على لغتهم أن يساهموا في زيادة معرفته بها.

فالعربية لغتنا وهويتنا وتنادينا , وعلينا أن نلبّي نداءها ونكون بها ومعها.

فاللغات لسان حال الأمم , فإن ضعفت الأمم تضعف لغاتها , وإن إرتقت ترتقي لغاتها!

وتتجسد رسالتنا الحضارية في نشر العربية وتعليمها ,  فلنخرج إلى فضاءات العطاء والمساهمة الإنسانية المعاصرة.

إن العربية تخاطبنا , أن هيا أطلقوا مفرداتي , وارفعوا رايتي ما دمتم في أرجاء الدنيا تنتشرون.
 
وهذه الراية يحملها المثقفون المهاجرون , فهم مشاعل مضيئة تساهم بتعليم اللغة العربية في المدارس والجامعات  والمتديات والجمعيات .
وعليهم تقع مسؤولية تاريخية كبيرة للتعبير عن حضارتهم وثقافتهم وإنسانيتهم , بتعليم لغة الضاد والمشاركة الفعالة في بناء الثقافة العربية أينما حلوا.

عاشت لغتنا التي تكمن الدرر في أعماقها , وسيبقى الضاد تاجها الوهاج الساطع المنير في آفاق الإبداع الحضاري المطلق.

فضعوا تاج الضاد على رؤوسكم لكي تزهو بكم الأيام!!

أحدث المقالات

أحدث المقالات