23 ديسمبر، 2024 3:43 م

شِعارات و إشعارات !

شِعارات و إشعارات !

في الوقت الذي تعجُّ و تضجُّ العاصمة والمحافظات الأخرى باليافطات والشعارات والمقولات و ” البوسترات ”  الدينية , ومعزّزة بأعدادٍ غفيرةٍ من صورِ رجالِ دين من الأحياءِ والموتى , وعلى الرغمِ منْ أنَّ تلكنَّ الكتابات والمقولات قد جرى وضعها ونصبها وتوزيعها بشكلٍ غير هندسيٍّ ولا فنيٍّ وعشوائيّ ” حيثُ لا توجد في العراق أمكنة مخصصة لعرض مثل ذلك , فبالمقابل يلمس المجتمع ارتفاع معدّلات الجريمة الجنائيه والعنف السياسي .! بالإضافةِ الى التطوّر التقني لأساليبِ العصابات والميليشيات في عمليات الإغتيال والتفجيرات المتنوّعة التي تعصفُ عصفاً بالمواطنين بنحوٍ شبهِ يوميّ , وذلك يدفع اوّلَ ما يدفع الى القولِ والتساؤلِ بأنْ ما فائدة عرض وملء الشوارعِ والساحاتِ  بهذهنَّ المقولاتِ والصورِ والشعاراتِ .!؟ ولماذا صرف هذه الأموال عليها – ودونما سؤالٍ من اين أتت هذه  الأموال .!؟ – , والتساؤلُ هذا يجرُّ الى الإمعانِ في التفكّرِ بأنه طالما لا توجدُ في العراق مراكزُ أبحاثٍ ورصدٍ واستطلاعٍ , للتعرّفِ من خلالها على تأثيراتِ هذه الشعارات والمقولات المنصوبة على ” المتلقي ” , فإنَّ هذه اليافطات ومشتقاتها تكونَ نوعا من العبث , كما انه من العبث الآخر أن يراود تفكير الأحزاب  المُمسِكة بالسلطة في إنشاء وتأسيس وفتح مثل هذه المراكز البحثية … وتجدرُ الإشارةُ هنا الى أنَّ الغالبية العظمى من دول العالم تخلو من هذه الظاهرة في شوارعها وساحاتها , بل انَّ البديل عنها هو الأعمال والنُصُب والرسوم الفنية التي تندرجُ ضمن خانة تجميل وتزيين المدينة وما لها من تأثيراتٍ نفسيةٍ ايجابية على الجمهور , أمّا التشبّث والتمادي في كتابةِ وعرض مثل تلكم اليافطات المنصوبةِ على قواعدٍ معدنيةٍ او سواها , فأنه ليسَ سوى نوع من انواع التخلّف ومن ترسّبات منتصف القرن الماضي الذي كانت تمارسهُ بعض انظمة الحُكم من بلدان العالم الثالث , للترويجِ الى بضاعتها السياسية , او لتسويغِ صعودها الى السلطة عبر ثوراتٍ او انقلاباتٍ عسكرية , وبغية ضمان ديمومتها في السلطة من خلال إقناع وتخدير الجماهير ودغدغةِ مشاعرها الوطنية والقومية من نواحٍ نفسيةٍ وغيرها , وقد عفا الزمنُ عن كلِّ ذلك , وامسى ذلك منتهِ المفعول والصلاحية وذو تأريخٍ قديم . . وفي الواقع : فأنَّ التأمُّلَ بعُمقٍ في مضامينِ وفحوى تلك المقولات واليافطات والشعارات الدينية , يوصِلُ المرء الى نتيجةٍ واحدةٍ مفادها : انّها تزرع الحزنَ في النفوس , ولا سيّما اذا ما لاحظنا التفنّن – سلباً – في كيفيةِ وضعها ونَصبها وعَرضها في أمكنةٍ لابدّ على المواطنِ أن ” يصطدمَ ” بها منذَ الصباح اثناءَ توجّههِ الى مكانَ عملهِ , فهل يُرادُ للصباحِ المشرقِ أنْ يغدو بدايةَ حُزنٍ يفتتحُ بها يومه .!؟ . إنّهُ من غيرِ المعروفِ ” بالكاملِ والمطلق ” اذا ما ظَنَّ الذين كتبوا ووزّعوا واشرفوا على عرضِ ونَصبِ تلكنَّ الشعارات والمقولات والصور وما الى ذلك ,  بأنّها سوف تأسر وتُسيطر على فِكرِ وقلوبِ ورؤى ومشاعر الجمهور ..!!؟ , ومع الإشارةِ الى أنَّ الكُثرةَ المُتضخّمه من هذه اليافطاتِ المعروضةِ على شكلِ لوحات.! , ستؤدّي وتقودُ – سايكولوجياً – بالذينَ يمرّونَ من أمامها الى العزوفِ عن التأمّلِ والتفكّرِ بها , انطلاقاً – على الأقلّ – من مقولةِ ” الزائدِ كالناقصِ ” , والى ذلك : فأنَّ ” الدعاية والأعلان ” لها شروط خاصة في علم الإعلام , وتتطلّب الإحاطة حتى بتفاصيلها الجزئية , وتصل فيما تصل  اليه حتى الى الأخذ بنظر الأعتبار ” سرعة المركبات والعجلات في الشوارع التي توضع فيها يافطات وصور الدعاية السياسية , والزاوية التي توضع فيها , وحجمها وارتفاعها والألوان المستخدمة فيها , ونوع الخط الذي تُكتب به وهذه ليست سوى امثلة مختارة ضمن تفاصيلٍ كثيرة بهذا الشأن . والى ذلك ايضا : ألا يفكّر القائمون على إعداد ونصب وعرض اليافطات والصور وما الى ذلك بأنها ستلقى تجاوباً نفسيا من من فئاتٍ وطوائفٍ وقومياتٍ اخرى في المجتمع ؟ او عَدَمِه في الأتجاه المعاكس .! لاسيما اذا ما اخذنا بالأعتبار أنّ الأحزاب الدينية التي تتولى السلطة في العراق هي احوج ما تكون الى كسب قطاعات الجماهير بمختلف الوانها الزاهية . ويقيناً أنَّ ايّةَ جهةٍ سياسيةٍ او دينية في مختلفِ دول العالم , تمتلكُ برنامجاً سياسياً واقتصادياً فعّالاً لتطرحه على شعوبها , فهي ليست بحاجة الى تعليقِ يافطاتٍ تحملُ شعاراتٍ او مقولاتٍ او صورٍ لأشخاصٍ غادروا الحياة منذ ازمنةٍ بعيدةٍ او قريبه , فالشعوب اخذت كفايتها من ذلك واصابها الملل , فهل يُرادُ للمواطن او المجتمع بالعودةِ الى الماضي والتأريخ أمْ بالأخذ بيده نحو مواكبة ما تزدهرُ به الشعوب والمجتمعات الأخرى … !!

[email protected]