يتعرض المجتمع العراقي، لموجات من الهجمات الفكرية والإلحادية والدينية المنحرفة، من مجموعة تيارات مختلفة فيما بينها، لكنها تشترك في أهدافها، تنتشر هذه الهجمات ويستقبلها بعض من المجتمع مباشرةً، فهي في ظاهرها منمقة، لكن أهدافها خبيثة.يتلقى المجتمع العراقي، وخاصة طبقة الشباب تلك الأفكار، من دون معرفة من يقف خلفها أو أهدافها، فمثلاً عندما يحصل تفجير ما في البلد، نرى أن الاتهامات والمشاحنات تكون على أوجها، فيما بين الفئة المستهدفة من التفجير، ويترك المجرم الحقيقي، الذي فجر وقتل واعترف بأنه الفاعل لهذه الجريمة، لكن يتم التغافل عنه وعن عقيدته، ويوجه الاتهام نحو مركز القيادة والتأثير، في المجتمع العراقي.
هذه الصورة تبدو أكثر وضوحا،ً في تفجير الكرادة الإجرامي، حيث أن المدينة المستهدفة، معروفة بانتمائها المذهبي لجهة معينة، وإن أغلب الضحايا هم من نفس هذه الجهة، والمجرم اعترف بفعلته علناً ومفتخراً، عندما تبنت عصابات “داعش” ذلك التفجير، لكن الغريب بدأت حملة ممنهجة، على وسائط التواصل الاجتماعي، كانت تستهدف المرجعية الدينية في النجف.
عملت ماكنات إعلامية عدة، في مواقع التواصل على جعل المرجعية الدينية في النجف، هدفا لكل مخدوع أو مُضَلل أو موهوم، بحيث انتشرت فقرات مكتوبة متعددة، كان محتواها التبرؤ من الطائفة، أو القيادة المتمثلة بالمرجعية، ولم يتم التطرق في هذه الفقرات المكتوبة، للمجرم الحقيقي الذي تبنى العمل، وهو يفتخر بأنه استهدف هذه الفئة أو الطائفة، وتوعد بأعمال أخرى تستهدف الجميع.
أتفهم وضع المواطن العراقي، خلال هذه اللحظات الحرجة، وهو ينظر لشباب بعمر الورود، تتحول أجسامهم خلال دقائق إلى أجساد متفحمة، ليس لهم ذنب سوى تواجدهم في هذا المكان والزمان، الذي حدثت فيه الكارثة، لكن يجب ألا تطغى العواطف على العقل والمنطق، ويبدأ التهجم على أهم مرتكز للشعب العراقي، وعلى المواطن أن يراجع الأحداث قليلاً، ليرى دور المرجعية الدينية، التي بحكمتها أفشلت مخططات تبنتها دول كبرى، كالفتنة الطائفية، وتقسيم العراق إلى دويلات مذهبية.
كانت الخيارات المطروحة أمام الشاب العراقي، هي ترك عقيدته ودينه بمعنى أن يصبح ملحداً، وهنا لابد من أن نبين الحقائق للمواطن، الذي تبدو الرؤية غير واضحة لديه ونقول: ما دور الملحدين والعلمانيين وأمثالهم في حماية العراق؟ ما ثقلهم السياسي، ولماذا لا يسلكوا طرقهم الديمقراطية، التي يدعونها في الوصول للسلطة؟ إذا كانوا هم دعاة للديمقراطية والحرية؛ فلماذا يعارضون ويقفون بالضد من أرادة الشعب، الذي يختار قيادته؟ ولماذا يعتبرون الشعب الذي يختارهم شعب ذكي، ومن يختار غيرهم شعب فاشل وغبي؟!
عندما دخلت عصابات “داعش” للعراق؛ بدأت هجرة العلمانيين والملحدين، وتركوا بلدهم في محنته، أما المرجعية فأمرت المواطنين بالدفاع عن أرضهم، فهل من المنطق والعقل، أن نساوي بين رجال تركوا أهلهم وديارهم وأطفالهم، وراحوا يدافعون عن بلادهم، وبين آخرين هاجروا وتركوا وطنهم؟ فكم عمامة لرجال دين خضبت بالدماء؛ لتطهر الأرض؟ وفي الجانب الآخر، لا نعلم عدد العلمانيين والملحدين الذين استشهدوا، في معركة أمام عصابات “داعش” فهل من مجيب؟
هناك مجموعات أخرى أيضاً، تمازجت مع هذه الضجة، التي كانت بالضد من مرجعية النجف، كان من بينها أتباع الصرخي، وهذا لا يحتاج لرد فهو معروف بعمالته، وكونه أداة بيد غيره ليس إلا، أيضاً هناك من استغلوا هذه الفرصة للنيل من المرجعية؛ بسبب فشلهم في النجاح في أيّ عمل يقومون به، فهم لا يتبعون المرجعية ولا يسمعون أمرها، وعند كل خيبة تصيبهم، هاجموا المرجعية ونسوا أنفسهم!
هذه الانتقادات والهجمات، لمقام مرجعية النجف، أتت من قبل مجموعة أطراف مختلفة فيما بينها، ومتفقة في هدفها، الذي هو إبعاد القاعدة الشعبية عن قيادتها الحقيقية، وإيهامها بقيادات أخرى مصطنعة، أو تابعة أو منحرفة، وجعل المواطن العراقي ناقماً على قيادته، أياً كانت تلك القيادة، سواء الدينية أو السياسية، وبالتالي قطع العلاقة فيما بينهما، مما يؤدي لشعب فاقد للقيادة والهوية؛ وبهذا يكون الشعب، صيداً سهلاً لكل من هب ودب.