23 ديسمبر، 2024 3:31 ص

(شي-نة) السلطة مرة ثالثة

(شي-نة) السلطة مرة ثالثة

في كل مرة اقول فيها اني لن استخدم هذا المصطلح الذي نحتّهُ قبل ثلاث سنوات من الحرفين الاولين لكلمة شيعة، والاخيرين لكلمة سنة، أجد نفسي مضطرا للعودة اليه بسبب مستجدات الموقف السياسي عندنا. أعاود زيارة (شينة) السلطة اليوم بعد أغتيال الأخ هشام الهاشمي على يد شينة السلطة،أو على الأقل المتحكمين منهم بالمشهد السياسي اليوم.وأذا كان سنة السلطة يستحقون النقد والتقريع على ما وصلت له مناطقهم وعلى أسهامهم(غير القليل) في ما آلت أليه أمور العراق لأسباب سأفصلها في مقال آخر، فأن شيعة السلطة هم المعنيين اكثر في مقالي هذا.

لطالما تحجج شيعة السلطة بان فشلهم في قيادة العراق سببه الدور التعطيلي الذي لعبه شركائهم السنة والكرد. لذا كانوا بأستمرار يسوقون ويبررون فشلهم -بخاصة أمام جمهورهم- بعدم تعاون شركاؤهم بل بتخريبهم للعملية السياسية. وقد كانت هذه الحجة تلقى قبول كلي أو جزئي من الكثيرين(وأنا منهم) في كثير من الأحيان لأسباب موضوعية،على الرغم من أنها كانت تبدو تبريرية وفاقدة للمصداقية في أحيان أخرى.لكن ما حصل خلال السنتين الأخيرتين جعل هذه الحجة(تعطيل سنة السلطة وكردها لأرادة شيعة السلطة) تبدو مثل بيت العنكبوت.

فمنذ أنتصار العراق على عصابات داعش دانت السيطرة شبه التامة لشيعة السلطة الذين صاروا يمتلكون(أو على الأقل هذا ما صاروا يسوقونه) شرعية الحراسة بعد أن كانوا يمتلكون شرعية السياسة. وصاروا يتحدثون عن شرعية الأرض والدماء بعد ان كانوا يتحدثون عن شرعية الأحصاء والسماء! ثم أشتقوا شرعيةً للسلاح من شرعية القتال والكفاح. ولست بصدد مناقشة هذه الشرعيات ومبرراتها،ولا حتى التقليل من أهمية وعظمة الدماء والتضحيات التي قدمها العراقيون جميعاً ودونما أستثناء لدحر أرهاب داعش،غير أني بصدد تقييم ما نجم عن ذلك على صعيد موازين القوى السياسية. لقد أستثمرت القوى السياسية المسلحة هذه التضحيات لا لتعزو الدور الرئيس في الانتصار لها فحسب بل لتقوم بأسباغ صيغة الثورة وشرعيتها على ذاك النصر.لذلك شهدت أنتخابات 2018 تشكيل الجناح السياسي المسلح داخل برلمان العراق وليصبح السلاح(لا الناخب) هو الذي صوت وخول الشرعية لممثلي الشرعية الثورية. وصار بعض النواب،من الناحية الفعلية لا الرسمية، صوتا لمجموعاتهم المسلحة ومصالحها بدلا من أن يكونوا صوتاً لشعبهم وناخبيهم.

هذا التحول في موازين القوة وفي بوصلة الشرعية في اللعبة السياسية فرض واقعا جديداً جرى استثماره وفق النموذجين اللبناني والأيراني(الى حد ما) بحيث وعت كتلة (سنة) السلطة أن لا مغنم لها ما لم تصبح ليس شريكاً ثانوياً كما أعتادت أن تكون، بل مجرد أصوات أفتراضية لجمهور وهمي يضفي شيء من المتعة والأثارة على لعبة السلطة التي أصابتها جائحة السلاح فما عادت قادرة حتى على تحمل حتى صراخ الجمهور من على المدرجات! بذلك أستقرت الأمور وبشكل شبه مطلق لشيعة السلطة.

لكن هذه السلطة المسلحة المطلقة والتي لم تعد تنافس الدولة فقط،بل سيطرت عليها وأبتلعتها،صارت تواجه تحدياً جديداً بخاصة بعد تراجع خطر داعش من جهة وانتفاضة تشرين2019 من جهة ثانية،والوضعين الصحي والأقتصادي المتدهور من جهة ثالثة. هذه الظروف جعلت شرعية السلاح والقهر تتراجع أمام استحقاق الواقع والفقر، وباتت البطالة لا البطولة هي ما يشغل شباب العراق،وشيعتهم بالذات.وعلى الرغم من بعض المحاولات التي بذلتها المجاميع المسلحة لأثبات أدوارها اللاحربية أو السلمية، كتعفير الاماكن من فايروس كورونا أو التوعية بمخاطر الفيروس، الا ان أنهماك هذه الفصائل في أثبات شرعيتها الثورية وأنها الحامي الوحيد لاستقلال وسيادة العراق(من خلال سياسة الكاتيوشا من جهة وشيطنة وتقويض سلطة الدولة من جهة أخرى) أعاد ظروف أنطلاقة أنتفاضة تشرين مرة أخرى ووضع هذه الفصائل من جديد في مواجهة شباب العراق الذين يبحثون عن الأنجاز بعد أن سأموا وعود الأعجاز. لكن المختلف هذه المرة أن مبررات اللا أنجازبسبب تهديدات العدو الخارجي باتت ضعيفة،أما مبررات الفشل بسبب الشريك السني أو حتى الكردي باتت غير مقبولة بعد ان تحول سنة السلطة الى واقع أفتراضي وأنكفى كرد السلطة على الداخل لمعالجة أزماتهم ألكثيرة. لذا باتت الأزمة داخل بيت شيعة السلطة أكبر من أي وقت مضى. وبعد ان حلت شرعية السلاح والحماسة محل شرعية الانتخاب والسياسة داخل ذلك البيت،صار اللجوء لقمع الحريات وتكميم الأفواه ضرورة ثورية تفوق في أهميتها أهمية أي حرية فكرية وتبرر قتل المعارضين كهشام الهاشمي بأعتبار ذلك أضرار جانبية لضرورة شرعية!