كثيرا مانسمع ان الحكومة العراقية بصدد تنفيذ عملية كبيرة لنزع السلاح ومصادرة الاسلحة غير
المرخصة ، حيث ان هناك اخبار مقلقة عن كثرة السلاح خارج سلطة الدولة وانتشاره بما ينذر بانهيار امني شامل وخصوصا في المناطق الجنوبية . وقد حشدت الحكومة المركزية بعض القطعات العسكرية لهذا الغرض وتوجهت الى محافظة البصرة بعملية فرض القانون ، الا ان هذه العملية قد تلكأت في التنفيذ ، ثم تغيرت طبيعة عملها من فرض القانون الى التفتيش عن مطلوبين . وربما كان هذا التحول نتيجة الضغوطات الكثيرة على الحكومة المركزية من قبل بعض العشائر والاحزاب المتنفذة في هذه المحافظة
ان سيطرة الاحزاب والميليشيات المسلحة
التابعة لها على الشارع يعتبر من اول الاسباب التي ادت الى انتشار السلاح خارج نطاق الدولة . . في البداية كانت الحجة حماية الاحزاب ثم تحولت الى محاربة الارهاب . فادى ذلك الى انتشار الميليشيات الوقحة وغير الوقحة . وبعضها تحول الى مافيات للابتزاز والسطو والسرقة . او للدفاع عن مسؤول فاسد . كما ان الاحزاب وميليشياتها قد اصبحت سلطة داخل الدولة ثم اتسعت وكبرت ككرة الثلج حتى تغولت بطريقة يصعب معالجتها لكونها متغلغلة في كل مفاصل الدولة ويعزز سلطتها الفساد المستشري كالوباء . ونتيجة لذلك ضعفت سلطة الدولة وقلت ثقة المواطن بامكانية الدولة في حمايته ، فلجأ الى العشيرة لتوفر له المظلة اللازمة من الامن والاستقرار النفسي
ولهذه الاسباب نرى النزاعات العشائرية تنتشر يوما بعد يوم لانعدام السلطة المركزية ، خصوصا وانها مسلحة بمختلف انواع الاسلحة وربما تفوق احيانا على مابحوزة القوى الامنية المحلية
اننا اذ نشهد الان ازديادا ملحوظا في دور العشيرة في المجتمع العراقي
فاننا لسنا ضد العشيرة والعشائر في العراق . فثورة العشرين ضد الانكليز قامت بها العشائر العراقية الوطنية . كما كان للعشيرة دورا هاما في نشر العادات والتقاليد الحميدة من اكرام الضيف ، ونصرة المظلوم وتخفيف الازمات عن طريق الصلح . ولكننا عندما نشهد تطاول بعض العشائر على عشائر اخرى او استغلال مفهوم الفصل العشائري بقصد الاسترباح وابتزاز المواطنين او تهديدهم بحجة انهم مطلوبين عشائريا . اضافة الى قيام بعض المواطنين بتهديد الموظفين العموميين والاطباء بالقتل او دفع الدية في حالة عدم الاستجابة لمطالبهم او وفاة المريض وهم يحتمون بالعشيرة . كما نرى شيوع استخدام المرأة الفصلية في التسويات العشائرية واشتداد المعارك الدامية بين العشائر . ان هذه الاعمال وغيرها تمثل ظلما للمواطن المسالم وللعشائر المنضبطة على حد سواء . وتؤدي الى فقدان الامن والنظام العام وبالتالي فشل الدولة في اداء مهامها وضياع الوطن والمواطن
ان فرض القانون واعادة هيبة الدولة لاتتم بالامنيات ولا بالوعود بل تتم عبر فرض القانون بالقوة لكل من يخرج عليه . . اين شعار دولة القانون . . لقد تحول الى مجرد كتلة حزبية للمزايدات . ان دولة القانون الفعلية تقوم على اساس القضاء العادل ومحاسبة المواطن العادي والمسؤول بنفس المستوى ولديها جهاز تنفيذي لاستقدام المتهم وايداعه السجن . لقد كان الشرطي في العهد الملكي يرسل سدارته الى الشخص المعني لاستقدامه ولم يكن بحاجة الى ان يذهب اليه لالقاء القبض عليه . لان وراءه دولة قوية ، اما الان فان الشرطي يحتمي بعشيرته ليتخلص من التهديدات ، وبالتالي سيطرت العشيرة والعقلية العشائرية على كل فئات المجتمع . . وبدلا من ان نمدن الريف والعشيرة تم تطبيق المفاهيم العشائرية والريفية على المدن . ومما يؤسف له ان نرى بعض العشائر قد تحولت من اداة للتهدئة ونشر القيم الفاضلة الى كتلة مسلحة داخل المجتمع
ان عملية نزع سلاح العشائر مهمة ليست باليسيرة خصوصا اذا ماعلمنا بان العشائر المسلحة ترتبط بروابط قوية مع الاحزاب المتنفذة والتي تملك المال والسلاح ولديها ميليشيات مسلحة تسليحا ثقيلا
ان العمل يجب ان يجري على فرض سلطة القانون في العاصمة بغداد اولا ثم قطع دابر الفساد السياسي والاداري ثانيا . وتحقيق استقلال القضاء عن السلطة التنفيذية قبل القيام بمهمة نزع السلاح لكون هذه المهمة معقدة لان من يحمل السلاح تدعمه احزبا وميليشيات واموال الفساد السياسي . واننا يجب ان نوفر عناصر النجاح لها ابتداء” حيث ان فشلها سيضعف موقف الدولة اكثر مما هو عليه الان . . او ربما نحن بحاجة الى رجل مثل شي جين بنغ رئيس جمهورية الصين الشعبية الذي حقق من خلال فرضه سلطة القانون طفرة نوعية عظيمة للصين