23 ديسمبر، 2024 5:14 م

شيوخ صدام.. صور لن تنسى

شيوخ صدام.. صور لن تنسى

بعد القضاء على الانتفاضة الشعبانية بكل قوة وهمجية في 16 آذار 1991.. بدأ صدام صفحته الثانية بتصفية آثار الانتفاضة.. بالانتقام من المحافظاتالمنتفضة.. فكان التجويع.. وإيقاف ابسط الخدمات والمشاريع عنها.

أسجل هنا ما عشته في هذه المحافظات:

ـ لم تحصل هذه المحافظات حتى على ساعة واحدة من الكهرباء الوطنية فيأشد أشهر الصيف سخونةً (تموز وآب).. بل وصل الأمر الى ساعة واحدة تزودبها محافظات النجف وكربلاء والديوانية كل ثلاثة أيام.. وقليلاً أو مثلهاالمحافظات الجنوبية الأخرى.. في حين كانت بغداد تزود ب 14 ـ 18 ساعةيومياً.

ـ موتى الشيعة لم تسلم من يد صدام.. فدمر قبورهم.. وهشم جثثهم.. بذريعةفتح شوارع بمقبرة السلام في النجف.

ـ وصل التعامل مع أبناء هذه المناطق كمواطنين من الدرجة الثانية.. وكان ذلكالسلوك شاملاً.. حتى شمل المدراء العامين والوزراء من أبناء هذه المناطق.. فكانوا يعاملون بالاستعلاء عليهم.. والنظر إليهم نظرة دونية.. أما الضباطالشيعة فأعلى رتبة يصل إليها عميد ويحال الى التقاعد.. أما في الدوائرالمهمة فتم إزاحة أكثرهم تحت صيغة الفائضين.. وتم إحالتهم أما الى التقاعدأو نقلهم الى دوائر غير مهمة.. والبعثيون الشيعة مشكوك بإخلاصهم مهمافعلوا للحزب والثورة!!

ـ رافق ذلك مجموعة مقالات وحلقات نشرتها جريدة الحزب (الثورة).. بعنوان: (ماذا حصل في أواخر عام 1990 ـ وهذه الأشهر من عام 1991 ـ ولماذا حصلالذي حصل).. هاجمت في هذه المقالات الأغلبية العربية الشيعية في العراق:

ـ بأقسى العبارات المباشرة.. وبالاسم الصريح.. واعتبرتهم أشراراً ومنحطينبالسليقة.

ـ وليسوا عراقيين أو عرباً.. وإنما هم من سلالة العبيد الوافدين من الهند.

ـ ويطيعون ديانة وضيعة لا تحتوي أي مبدأ أخلاقي.. وغيرها من العباراتالطائفية والعنصرية المنحطة.. عن أبناء الجنوب وعشائرهم.. بشكل مهين.. بعيداً عن كل الحقائق.

ـ وبإسلوب لم يكتب مثله أسفل السفهاء.. خرجت هذه المقالات بدون اسملكاتبها.. مرتبكة وغير منطقية.

ـ اعترف صدام إن هذه المقالات كتبها ـ بخط يده ـ في تقرير سري بعنوان: (خطة المعركة).. وهو عبارة عن مذكرة داخلية سرية مؤرخة في 20 كانونالثاني 1992.. وزعت على المقرات الحزبية وضباط الارتباط في كركوك.

ـ يقول فيها: (إننا في القيادة والحزب نعتبر الفصائل التي رفعت السلاحبوجهنا خلال هيجان الغوغاء على إنها لا تتحلى بالمسؤولية.. وقد عجزت عنإدراك مبادئ الحزب القائد.. ومقالاتنا في جريدة الثورة في أعقاب ما يسمونهبالانتفاضة كافية لهؤلاء حتى لو جرحت وخدشت البعض منهم).

ـ بدأت الصفحة الثانية.. عندما قام محفظو الجنوب كل على حدة .. بإقامة حفلات الوفاء للقائد.. بالأمر كل رئيس عشيرة يخرج عشيرته بمسيرات تمر من أمام منصة المحافظ تهتف للقائد.. والويل لمن لا يخرج.. والويل الويل للشيخ الذي لا يكون في مقدمة تظاهرة عشيرته يهتف.. وهكذا شاهدت  بعض المسيرات.. فكانت المسيرات في كل المحافظات وجمع من كل عشيرة مع لافتاتها.. تهتف لصدام.. لكن الذكي يشعر إن الغالبية خارجه غصبن عليها.. وهم لا يهتفون إلا عند منصة المحافظ.. ولكل حالة استثناء.. كان ذلك تمرين لما هو أكبر .

ـ بعد ثلاث سنوات من الانتقام والتجويع والإهمال.. للمحافظات الجنوبيةومناطق الفرات الأوسط.. افتتح صدام الصفحة الثالثة من مسيرة الانتقام منهذه المحافظات.. فكانت صفحة إذلال وجوه القوم وشخصياته.

ـ فأمر صدام بإحضار رؤساء عشائر هذه المحافظات ووجوهها.. لمقابلته فيالقصر الجمهوري.

ـ ومورست بحقهم أحقر أساليب البطش والإرهاب والحرب النفسية.. لميستخدمها أي دكتاتور سابق في العالم ضد شعبه.

ـ كان إحضارهم بشكل لا يليق بعلية القوم ووجوهه.. حيث يبقونً مهملينساعات طويلة.. ثم يؤخذ غالبيتهم لاستبدال ملابسهم.. بملابس مهيأة فيالقصر.. وهذه إساءة نفسية.. واعتداء على كرامتهم.. وإشعارهم إنهم قذرون.. والقائد ينعم عليهم!!.

ـ حتى إذا بدأ الليل يُدخلون قاعة الاستقبال.. وهي مطفأة الأنوار.. ويبقونجالسين في ظلام دامس بلا كلام.. ولا حركة حوالي ثلاث ساعات لسحقإنسانيتهم تماماً.

ـ ثم يدخل فجأةً عليهم صدام.. وبدخوله تفتح الأنوار والإضاءة.. فيقفونوتبدأ هتافاتهم وأشعارهم.. والبعض يدبكون وآخرون يرقصون مثل(الكاولية).. حيث يؤمرون بالقيام بذلك منذ وصولهم.. وإلا ……. الى أن يشبعصدام غروره بإذلالهم تماماً.. فيؤشر عليهم ليجلسوا.

ـ ليبدأ صدام بالكلام الذي يقطع عن التسجيل والتصوير.. ويبدأ بكلام وقحوبالإساءة إليهم.. وحتى شتمهم بالأسماء.. وشتم أهالي مناطقهم الذين ثارواعليه.. وعندما يشبع غروره ويرتاح.

ـ يعود التلفزيون للنقل.. لنسمع ونشاهد شيوخ العشائر يؤدون (قسم الوفاء) عن أنفسهم ونيابة عن أبناء محافظاتهم.. (للسيد الرئيس القائد المجاهدحفظه الله ورعاه).. وبعد عاصفة من التصفيق.

ـ يبدأ صدام حديثه الذي كان يبث علينا.. وهتافات الحضور ودبكاتهم.. وفدوهأنروح إحنا وعشائرنا للقائد.. وغير ذلك من الدجل الرخيص.

ـ أما القلة التي لم تهين نفسها وتبقى جالسة في القاعة صامتة.. فمصيرهايكون فيما بعد مجهولاً بين السجن أو الاختفاء أو التغييب.. أو الإهمالوالرقابة بأسلوب همجي.

ـ ففي الوقت كان فيه شعبنا يموت جوعاً.. وبعض من نخب مثقفي العراقوعلمائه يسحقون سحقاً.. وأنا احدهم حتى إنني منعتُ من بيع الكتب علىالأرض في شارع المتنبي.. وأنا بدرجة دكتوراه ومحال للتقاعد العام 1983.. ومنعت من السفر الى خارج العراق.. واعتقل ابني وهو يؤدي الاختبارالنهائي الماجستير.. ومئات بل الالاف من مثلي.. في حين نجد هؤلاء الذينيسمون غالبية أنفسهم شيوخ ووجهاء عشائر شتمهم صدام.. ينكسونرؤوسهم.. وهم يرقصون له.. ويرمون عٌكلهم تحت حذاء صدام.

ـ تحية إجلال وإكبار لشيوخ العشائر الكرام الأصلاء.. الذين ظلوا صامدين.. ولم يريقوا ماء وجوههم لصدام.. وأفٍ.. أفٍ لكل من دنس شرف عشائر العراق.

ـ شيوخنا الأصلاء.. إن شيوخ صدام أصبحوا حواسم بامتياز بعد 2003.. وفرخوا بالآلاف.. فأساءوا لعشائرنا.. اطردوا شيوخ صدام وفروخهم من بينصفوفكم.