23 ديسمبر، 2024 12:27 م

-1-
حين وليَ العرشَ الأمويّ (عمر بن عبد العزيز) سار في الناس سيرته الموصوفة بالعدل والاعتدال ، واجتناب المظالم والمآثم، وانقاذ بيت المال من النهب الصريح وعزل ولاة الجور المزروعين في مختلف أرجاء الدولة المترامية الأطراف ….

كما انه رفع السبّ عن امير المؤمنين – علي بن ابي طالب – عليه السلام ورّد فدكاً لاهل البيت (ع) .

انه باختصار :

رجل الاصلاح الذي لايقاس به من آل أميّة أحد …

-2-

وحين ولي (يزيد بن عبد الملك ) ت 105 هجرية العرش الاموي بعده ، أراد ان يسير بسيرته ، وان ينسج على منواله، فشقّ ذلك على الأمويين ، الذين يريدونها ان تكون كسروية وقيصرية ، بعيدة عن رحاب الالتزام بحدود الشريعة وضوابطها، ففكرّوا في حيلة يلجأون اليها من أجل الوصول الى غاياتهم الدنيئة .

وهنا جاؤوا بأربعين شيخاً من شيوخ السوء ، شهدوا عند (يزيد بن عبد الملك) :

ان الخلفاء ليس عليهم حساب عند الله ولا عقاب عليهم ،

فوافق كلامهم هواه، فانهمك في الملذات والشهوات ، وانغمس الى الأذقان في ألوانٍ من الانفلات والتبذل …

ولم يقتصر الأمر على سلوكه الخاص فحسب، بل كَتَبَ الى الولاة والعمّال يقول :

( أما بعد :

فان عمر بن عبد العزيز كان مغروراً ، فدعُوا ما كنتم تعرفون من عهد ، وأعيدوا الناس الى طبقتهم الأولى ،

أخصبوا أم أجدبوا ،

أحبوا أم كرِهوا ،

حيوا أم ماتوا “

والملاحظ هنا :

1 – وجود زمرةٍ شريرة من شيوخ السوء ، على أهبة الاستعداد لتزيين كل قبيح ، واصدار الفتاوى المسمومة التي تنخر كيان الأمة ، وتفتري على الله والرسول دون خجل أو حياء .

وبكل أسف نقول :

إنَّ ورثة هذه الزمرة موجودون في كل زمان ومكان .

والاّ فما معنى الفتوى التي أصدرها (القرضاوي) مؤخراً في تحريم الاشتراك في انتخابات الرئاسة المصرية ؟!!

انها انتصار لَعِينٌ (لمرسي) المعزول، ومعارضةٌ لئيمة، رخيصةٌ ، لانتخاب رئيس مصري يقود البلاد الى مرافئ السلامة والكرامة …

ان شيوخ السوء لايرتبطون الاّ بمصالحهم الذاتية ، والمهم عندهم الحظوة عند السلطان ، ونيل رضاه ، وامتصاص ما يمكن امتصاصه من المكتسبات الماديّة في ظلّه ، وليكن بعد ذلك ما يكون …!!!

حيث لادين لهم ، ولا ضمير ، ولا رادع عن مسارتهم الدنيئة المخالفة لصريح القرآن .

انهم يحلّلون الحرام ، ويحرّمون الحلال ، ولا يتورعون عن أفظع ألوان الزور والبهتان خدمة لذوي التسلط والطغيان .

2 – ان المتربع على دست السلطة يُلغي عقله ، ويُلقي الحبل على الغارب ، ويعمد الى تصديق الكذابين المرجفين الذي يُبيحون له المظالم والمعاصي وكأنهم الأبرار الذين لايأتيهم الباطل من أيديهم ولا من خلفهم ..!!

ليس صعباً عليهم إدراك الحقائق والاحكام، فهي واضحة صريحة، ولكنهم لايريدون الوقوف عندها ، لأنها تصدّهم عما يتنهدون اليه من تبذل وانفلات وتحكيمٍ مُطلقٍ للهوى والشهوات، ولهاثٍ وراء تحقيق المنى والرغبات

وقديماً قيل :

(حدّث العاقل بما لا يليق ، فان صدّق فلا عقل له )

وهؤلاء حين يصدّقون مزاعم شيوخ السوء، يحكمون على أنفسهم بالتخلف ، قبل ان يحكم عليهم التاريخ ..!!

3 – وأخيراً فان (المواطن) لايحظى عند حكّام الجور والطغيان بأيّ لون من الاحترام .

انهم يعتبرونه شيئاً من أشيائهم، وما عليه الاّ السمع والطاعة ، فان أبى فالسوط والسجون ، والتعذيب والتنكيل والقتل بانتظاره .

والاّ فما معنى قول (ابن عبد الملك) عن المواطنين

أخصبوا أم أجدبوا ؟

أحبوا أم كرهوا ؟

حيوا أم ماتوا …

انه غيرُ معنيٍّ بهم، سواء كانوا في راحةٍ أم شقاء ، وسواء تجاوبوا معه أو لم يتجاوبوا ، فلا بد ان يمتثلوا ما يريد حتى اذا كلّفهم ذلك حياتهم ..!!

وهذه هي الدكتاتورية المقيتة بعينها، وهذه هي الأنانية الرهيبة ، التي عبّر عنها الشاعر بقوله :

انما دنياي نفسي فاذا

سلمتْ نفسي فلا عاش أحدْ

وليست هذه السطور حكايا عن التاريخ البعيد فقط ، بل هي تعبير صريح عما يجري في العديد من البلدان …

ان (الربيع العربي) ما هو الاّ انتفاضة عارمة من الشعوب العربية المضطهدة ، المنكوبة ضد الظلم السياسي والاجتماعي ، وزُمر الحكم الفاسدة ، وممارساتها التي لا تُطاق .

ان لعنة التاريخ لن يُفلت منها أيُّ حاكم مستبد يروق له ان يسعد بشقاء مواطنيه ….

*[email protected] www.almnbair.com