23 ديسمبر، 2024 10:53 ص

لما كان التقليد عند الشيعة الشائعة واجباً على من بلغ الحلم ذكراً كان ام انثى، ويقصد بالتقليد هو العمل اعتماداً على فتوى المجتهد بعد العلم بها.
ويستند الشيعة في وجوب التقليد الى عدة أدلة أهمها:
القران الكريم : وذلك في قوله تعالى ((وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ))، وقوله تعالى (( أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ))، وقوله تعالى (( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ )).
الروايات: ومنها ما دل على جواز التقليد ومنها ما دل على وجوبه:
الأول: ما دل على جواز التقليد: هي روايات عديدة منها قول الامام الصادق (ع) لأبان بن تغلب (( اجلس في مجلس المدينة وافت الناس فإني أحب ان أرى في شيعتي مثلك )).
وقول الامام الرضا (ع) لعبد العزيز المهتدي عندما سأله: إني لا ألقاك في كل وقت، فممن آخذ معالم ديني ؟ فقال (ع) خذ عن يونس بن عبد الرحمن.
الثاني: ما دل على وجوبه: قول الامام المهدي (ع) في رسالته الى محمد بن عثمان العمري (( وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وانا حجة الله عليهم )).
العقل : حيث يوجب العقل بإتباع الجاهل الى العالم.
وقبل الحديث في هذه الأدلة لابد من التمييز بين الفقيه والمجتهد، فالفقه لغة هو فهم الشيء والعلم به اما اصطلاحاً هو ضبط الرواية والنقل والبيان. اما الاجتهاد لغة فهو بذل الجهد او العمل الشاق واصطلاحاً هو بذل الجهد في التعرف على الحكم الشرعي او استخراج الاحكام من أدلتها الشرعية، والاجتهاد مذموم من قبل أهل البيت (ع) وانه كان يتبناه المخالفين حيث أطلقوا عليهم أهل الرأي لأن المجتهد يصنع حكماً من الدليل الشرعي بناء على قواعد أصولية يلبسها للواقعة بحسب رأيه سابقاً لحكمه – بقولهم المشهور- (( على الأحوط ))، وهذا ما أورد الاختلاف بين الشيعة حتى في أبسط الأمور كتحديد رؤية هلال شوال وما تبعه من نظرية وحدة وتعدد الأفق اذ بسبب أهل الرأي واختلافهم جعلوا من الشيعة من صام عيده ومن افطر في شهر الصيام.
اذاً ما ورد من التقليد في الأدلة السابقة هو رجوع الجاهل الى العالم الفقيه وليس الى العالم المجتهد (صاحب الرأي) وما يدل على ذلك قول الامام الحسن العسكري (ع): (( من كان من الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدينه، مخالفاً على هواه، مطيعاً لأمر مولاه، فللعوام أن يقلدوه ))، وقول الامام الصادق (ع): (( ولا يكون الرجل منكم فقيها حتى يعرف معاريض كلامنا )) وقوله (ع): اعرفوا منازل شيعتنا بقدر ما يحسنون من رواياتهم عنا، فإنا لا نعد الفقيه منهم فقيها حتى يكون محدثا، فقيل له: أو يكون المؤمن محدثا؟ قال: يكون مفهما، والمفهم محدث.

شروط الفقيه:
يشترط في الفقيه ليصح تقليده عدة أمور:
صائناً لنفسه: أي ان يصون نفسه من كل ما يخل بها ويحرفها عن جادة الطريق.
حافظاً لدينه: وحفظه يكون على وجهين كلاهما مطلوب، الأول ان يحفظ دينه من الشبهات والنفس الامارة بالسوء ووسوسة الشيطان، الثاني ان يكون حافظاً وملماً بمصادر دينه كالقرآن الكريم وروايات المعصوم.
مخالفاً هواه: أي ان لا يميل بنفسه الى ملذات الدنيا وشهواتها والمعاصي والهوى الوارد هنا الهوى المذموم لأنه الغالب، يخالفه الهوى الممدوح وهو الميل الى الله تعالى.
مطيعاً لأمر مولاه: أي يخضع بالقول والفعل لأوامر المعصوم (ع) ونواهيه بحسب ما ورد عنهم من الروايات.
أما ما دون ذلك من البديهيات وهي (( العقل – والذكورة – العدالة – طهارة المولد – والحياة )) فلا داع لذكرها او التركيز عليها في الرسائل العملية لقلة مواردها فلا يمكن تصور تقليد المجنون مثلاُ.

وجوب التقليد:
لا يوجد في مصادر الشيعة ما يوجب التقليد وانما ورد على سبيل التخيير في لام التخيير كقوله (ع): (( فللعوام ان يقلدوه ))، اما قول الامام المهدي (ع): (( أما الحوادث الواقعة فأرجعوا فيها الى رواة حديثنا )) وهنا حصر وجوب الرجوع – بالحوادث الواقعة – الى رواة الحديث (الفقيه دون المجتهد).

نظرية تقليد الأعلم:
ان ما يهم حقاً هو اتفاق المراجع في رسائلهم العملية (بوجوب تقليد الأعلم)، وفي بعض الأحوال (اذا اختلف المجتهدون في الفتوى وجب الرجوع الى الأعلم) فما هي الاعلمية عند الشيعة ؟
الاعلمية هي ملكة علمية تدل على كون الفقيه هو الأقدر على استنباط الاحكام الشرعية. وهذا يعني ان الأعلمية تثبت بالأعلم بالأصول وليس بفقه الرواية وهذا قول باطل فوق بطلان نظرية تقليد الأعلم، وحديث (( من كان من الفقهاء صائناً …. )) واضح وصريح على من يقلد الشيعة من الفقهاء ولم يذكر اعلمهم، كما ان حديث ((اعرفوا منازل شيعتنا بقدر ما يحسنون من رواياتهم عنا)) لا توجب بالضرورة تقليد الأعلم، نعم للأعلم منزلة بين الشيعة لكن لا يعني بطلان فقاهة ما دونه يتبعها بطلان تقليد الآلاف ممن يقلدون غير الأعلم فإثبات الشيء (الاعلمية) لا ينفي ما عداه ( أي لا ينفي فقاهة الغير وعدم صلاحيته للتقليد).
كما ان الطامة الكبرى هي ان يذكر في الرسائل العملية التي ألفت لتخاطب العوام بأن يقوم الجاهل بالعلم (المقلد) والذي أوجبتم عليه التقليد لجهله بالأحكام الشرعية بوجوب تقليد الأعلم او تقليده حين الاختلاف في الفتوى، فهل المخاطب قادر على تحديد الأعلم ؟؟ فلو استطاع المقلد تحديد الاعلم سيكون بحسب تعبيركم (مجتهد) او على الأقل (محتاط) لا يحتاج الى تقليد.
كما لا يصح اثبات – الاعلمية – بالشياع المفيد للاطمئنان لأن الشياع غالباً يكون مذموماً ممكن ان يتولد عن الاعلام او الأموال او عن كثرة العصبة، ولو اعتمدنا مبدأ الشياع لكان من خذلوا الحسين (ع) على صحة لأن الشياع آنذاك كان ليزيد بن معاوية وعبيد الله بن زياد. اما ثبوتها بالبينة وبخبر الثقة فكلاهما ملازم للآخر فالبينة لا يقيمها الا اهل الخبرة من منافسي الأعلم كأن يفحمهم ببحث او استنباط معين بعدها يعلنوا أعلميته ويتوقفوا عن ادعائهم المرجعية والاكتفاء باتباع الأعلم لإرشاد الناس اليه.
وعليه لطالما كانت قاعدة وجوب تقليد الاعلم والرجوع الى الاعلم عند الاختلاف قائمة، ووضع (العدالة) كشرط من شروط مرجع التقليد في رسائلهم، صار لزاماً على المراجع المعاصرين تحديد الاعلم واتباعه، فوجوب تقليد الأعلم يوجب شرعاً تحديده واتباعه لا تحديده فقط او ادعائه، كما ان ادعاء المرجعية سيضل العديد من مقلديه عن تقليد الأعلم، وهنا تبطل مرجعيتهم بالإجماع حتى أعلمهم لأنه لم تثبت أعلميته، فوجودها دون إثبات كعدمها، وعندها سنكون – بحسب قوانينهم – شيعة بلا مرجع.

انتهى