أولاً : في حال قيام دولة علمانية في العراق فأنها ستسعى جاهدة إلى فصل الدين عن الدولة الأمر الذي سيتمخض عنه إنكماش وإنحسار الدور الإيراني في العراق وإنهيار المنظومة الفكرية التي تم ترسيخها في العقول من أن وطن الشيعي طائفته ثانياً : سيتمخض عن الدولة العلمانية عودة المياه إلى سابق عهدها مع بقية مكونات الشعب العراقي وأطيافه ليعود العراق سالماً معافى من كل الأورام التي تراكمت عليه لسنين طوال .ثالثاً : إنهيار الحلم االقديم الجديد بعودة الإمبراطورية الفارسية وعاصمتها بغداد كما صرح بذلك كبار المسؤولين الإيرانيين مثل (السيد علي يونسي مستشار الرئيس الإيراني السيد حسن روحاني فضلاً عن تصريح كبار قادة الحرس الثوري الإيراني) بـــــ” إيران أصبحت إمبراطورية كما كانت عبر التاريخ وعاصمتها بغداد حالياً، وهى مركز حضارتنا وثقافتنا وهويتنا اليوم كما فى الماضى” وبذلك ستتلاشى الآمال بإعادة أمجاد الأكاسرة .رابعاً : سينعكس انحسار الدور الإيراني في الدول العربية بعد العراق على سوريا ولبنان واليمن والبحرين والكويت والسعودية …. كون العراق اليوم يمثل الركيزة الأساسية التي تستند عليها الأذرع الإيرانية في العالم العربي ، وواهم من ينظر إلى الأحداث التي تعصف بالعراق بمعزل عن التأريخ والجغرافية …. فمتى ضعف العراق إستولت عليه واحتلته إيران ومتى ما تعافى إنتفض من كبوته علماً أن بعض الإحتلالات الإيرانية للعراق استمرت أكثر من 600 سنة ، لذا ستعمد إيران بكل ما أوتيت من تخطيط ودهاء إلى
(1) : تكريس التشرذم بين العرب في العراق وتغذية الصراع المذهبي لضمان عودة الاقتتال العربي بين السُنّة والشيعة حتى وإن تطلب الأمر دعم كل أطراف الصراع رغم الإختلاف العقائدي .
(2) : ستحول إيران دول قيام دولة شيعية في العراق تؤمن بتعدد المراجع وهذا ما دأب عليه الشيعة لذا ستحاول جاهدة إلى إنصهار الجميع في بوتقة واحدة ومحاولة سحب البساط وحصر الإمر بإتجاه الولي الفقيه . التجربة الشيعية في الحكم ومن خلال الفترة الماضية والممارسات والأفعال التي تاهت بها بعض التيارات الشيعية خلفت استياءً وتذمراً داخل الواقع العراقي من هذه التصرفات ومن أبناء الطائفة الشيعية بالذات حيث أحست هذه المجموعات وخاصة طبقة النخبة بأن تطبيق هذه النموذج هو من شأنه أن يقيد الحريات ويلجم الحقوق ويحدد دور المرأة كما انه سيهمش دور مؤسسات المجتمع المدني.
(3) : طبيعة المجتمع العراقي الديمغرافية وتكويناته البشرية المتعددة تحول دون تطبيق النموذج الإيراني في العراق وإستنساخ تجربته ، فأحد السمات الأساسية للواقع العراقي هي التعدد والتنوع التي تجعل من الصعوبة تأسيس هذا النموذج على أن الفيدرالية تمثل خطورة نحو تحقق هذه الفكرة وهذا ما ترفضه إيران وبشدة وخير شاهد التظاهرات التي إستمرت قرابة عامين مطالبة بفدرلة العراق على أسس جغرافية أنتهى الأمر بدخول داعش وإستيلائه على ثلثي العراق إلا قليلا ولو لا المعارك والدماء التي تراق يوميا لما انحسر نفوذ داعش الى ما هو عليه اليوم .
(4) المغازلة القائمة اليوم بين الأحزاب الشيعية والإدارة الأميركية لن تستمر طويلاً خاصة في ظل الضغط الإيراني المهيمن على المشهد السياسي وإنعكاساته على جميع مفاصل إدارة الدولة العراقية وهذا من شأنه أن يوقع الحكومة العراقية في مشاكل عديدة أزاء تعدد مصادر القرار وتعدد الولاءات المتزامن مع إمتلاك أصحاب كل توجه لفصائل وحشود مسلحة يكاد أن يكون لها القول الفصل خاصةً مع ترنح وتقهقر الدولة العراقية وإنشغالها بحروب على شتى الجبهات سيما تنظيم داعش الإرهابي مما ينذر بإنتهاء ربيع العلاقة بين الأحزاب الشيعية والأمريكان خاصة إذا ما تغيرت نتائج الإنتخابات في أمريكا .
(5) : إيران وأميركا تتبادلان الهيمنة والنفوذ في العراق والذي يدفع ثمن هذا العراق أرضاً وشعباً ويشهد الظرف الراهن تقاطع مصالح الشعب العراقي برُمته سيما الشيعة مع كلا طرفي النفوذ الشرقي والغربي الأمر الذي شهد ولادة الشارع لتظاهرات عارمة اجتاحت الخضراء مرتين في غضون أقل من شهر لذا ستعمد أمريكا إلى تغيير سياستها بما يمكنها من إستيعاب الطوفان الجارف لضمان ديمومة بقائها ووجودها في العراق لذا فقد تسعى إلى إسقاط نظام ولاية الفقيه وإقامة نظام علماني في إيران الأمر الذي سيُفقد الأحزاب الشيعة المرتبطة بإيران مصدر دعمها وزخمها الرئيس ، وربما سيسعى الأمريكان إلى تحويل بوصلة تحالفاتها الجديدة إلى الأحزاب العلمانية التي تواكب هوى الإدارة الأميركية .
(6) : وفق هذه الرؤى والتصورات يبدو لنا أن الأمر ستلامس أنعكاساته دور المرجعية الدينية إذ ربما سيقتصر دورها في المرحلة المقبلة على الإشراف على العملية السياسية دون التدخل المباشر فيها وتحمل نتأئج تداعياتها وهو الخيار الذي يبدو على الأمد القريب والذي ترغب فيه واشنطن باعتبار أن المرجعية ستمثل الإطار الذي يحتوي كافة التنظيمات والتيارات السياسية ويلجمها عن الخروج عن مسار المداهنة والتعاطي مع قوات الاحتلال ورفض أسلوب المقاومة المسلحة كخيار للتعامل.
(7) : قد يكون هذا الدور المزدوج غير الملحوظ في العملية السياسية وغير المبتعد عنها هو ما يميز النموذج الشيعي القادم ولعله الأقرب إلى تصور المرجعية الذي يتعامل بحذر كبير، ففي الوقت الذي دانت فيه الاحتلال إلاّ أنها لم تُصدر قط أي فتوى بالجهاد ضده …على أنه يجب أن لا نغفل بأن تحقق الدولة الشيعية سيبقى هدفاً وأملاً منشوداً سيسعى الشيعة إلى تحقيقه ، وإذا ما تم تمهيد الوضع في العراق لقيام دولة دينية فلن تجد المرجعية عندئذٍ أمامها سوى التدخل وتأسيس نموذجها الديني في العراق … وفي هذا السياق فإن الدعوة إلى الفيدرالية ستندرج ضمن الإحتمالات التي تفرضها تداعيات الأحداث الأمر الذي يستلزم الإعداد والتهيؤ لتحقيق الحلم الشيعي وبناء الدولة الشيعية في الفرات الأوسط والجنوب والتي ستنسلخ من رحم العراق ….