18 نوفمبر، 2024 3:16 ص
Search
Close this search box.

شيعة العراق…والاسئلة المكبوتة !

شيعة العراق…والاسئلة المكبوتة !

حالة من الضجر والاستياء تجدها جلية لدى الكثير من اهل بغداد في اسبوع ” الزيارة” غطّت على اوضاع الامن المضطرب وتخطّت اخبار المعارك في بيجي والكرمة والرمادي، لدرجة اضحى معها سكان العاصمة ، ومن مختلف الطبقات الثقافية والمستويات الاجتماعية، يتحدثون، احيانا، في مجالسهم الواقعية والرقمية عما حدث هذا العام في ذكرى استشهاد الامام موسى بن جعفر عليه السلام من ارباك وفوضى وتعطيل للدوام الرسمي وتجاوز على الممتلكات العامة وقطع للطرق وتعطيل مصالح الناس، بالاضافة الى ما يُصرف من اموال يمكن، من وجهة نظري،ان تذهب لاحتياجات المقاتلين من ابناء الحشد الشعبي والعشائر من طعام ورواتب واسلحة لمواجهة داعش الارهابي.

المحزن في الامر ان معاناة هذه السنة، خصوصا مع الطبقة الفقيرة من اصحاب الدخل المحدود والاجر اليومي  قد ازدادت وارتفعت وتيرتها ، فالطرق اغلقت ! والشوارع قطعت ! وسرادق العزاء نصبت في العديد من الاماكن قبل اسبوع  من موعد الزيارة وعلى نحو غير مسبوق منذ عدة سنوات، ما اثر على العديد من الاعمال ومصادر الرزق التي يعتمد عليها هؤلاء في قوتهم اليومي.

كما  لاحظنا ان الشيعة قد جاءوا لضريح الامام مشيا على الاقدام ولم يأتوا اليه عبر وسائل النقل المعروفة، في حين لم ينص المأثور الشيعي في هذه الزيارة على طقس المشي ولم يتحدث عن المشي في اي زيارة سوى في زيارة الاربعين المعروفة التي تضمنت في حينها نوعا من التحدي، وبذلك يقوم الشيعة في مشيهم في هذه الزيارة بعمل ” مستحدث ” وسلوك “شعائري” غير منصوص عليه عقائديا، وهو في نفس الوقت يسبب العديد من الاضرار ويؤدي الى آثار سلبية ونتائج غير محمودة معروفة لاي شخص يراقب بدقة الوضع في العراق على الصعيد السوسيولوجي والسياسي والامني على حد سواء.

ونحن ندرك جيدا انه من الصعوبة بمكان ان يتم طرح هذا الموضوع للجدل والنقاش امام الرأي العام في العراق، اذ يكشف التوجس من طرحه والابتعاد عن الخوض به عن حساسية كبيرة تلف طبيعة الموضوع في حد ذاته من جهة وامكانية استغلاله من قبل اطراف سياسية او دينية ما ضد اخرى من جهة ثانية.

لدينا من وجهة نظري اربع طبقات وفئات شيعية في العراق يمكن ان نقرأ وجهات نظرهم حول هذا الموضوع:

الاولى :الطبقة البسيطة التي يمثلها المواطن البسيط .

الثانية:الطبقة المثقفة من كتاب واعلاميين واكاديمين وشعراء وغيرهم .

الثالثة : الطبقة السياسية ممن لديهم سلطة ومناصب سياسية.

الرابعة: الطبقة الدينية ويمثلها علماء ومراجع وخطباء المنابر.

ويتفاوت راي الفئات الشيعية الاربع اعلاه مما يحدث في هذه الزيارة ، لكن عموما تلاحظ انه عندما  تناقش الامر ومايتعلق به مع الكثير من الفئات الشيعية من كل الطبقات اعلاه، تجد انها غير راضية عموما عن كل مايجري في هذه الزيارة من امور تطرقنا لها اعلاه ، لكنهم يسكتون ويلتزمون الصمت ازاءه خوفا من تعرضهم للاتهامات الجاهزة التي يتوق الطرف الاخر لاطلاقها على كل من يشكك او يستنكر مايجري من امور خاطئة.

فالطبقة الفقيرة موزعة بين من يؤيد مايجري وبين من يرفضها ويجد انها تؤثر على اعماله وموارد رزقه خصوصا ممن يعمل بأجر يومي، اما الطبقة المثقفة فغير راضية في عمومها عن كل ما يحدث وتطالب الحكومة باتخاذ اجراءات تؤدي الى انسيابية الزيارة وضمان عدم حدوث مشكلات من اي نوع  وان لايتم اي تجاوز على المصالح العامة.

وشخصيا اعذر السياسيين في العراق عن الخوض والتحدث عن هذا الموضوع او محاولة اصلاحه وتهذيب هذه الشعائر لان البيئة السياسية في العراق والفضاء الذي تعمل فيه اغلب الاحزاب والكتل مشحون بالتوترات وغاطس حتى اذنيه في صراعات ومصالح وابتزازات سياسية يمكن ان تفسر او تستغل اي حديث او محاولة اصلاح لهذه الشعائر لصالحها وتستخدمها كتبرير ضد اصحاب السلطة باعتبارها اعداء اهل البيت ويحاربون الشيعة ومقدساتهم وشعائرهم وغيرها من الاتهامات الجاهزة والمعلبة!.

المسؤولية الكبرى تقع ، من وجهة نظري، على المرجعية الدينية العليا التي اجدها في بعض الاحيان غير قادرة ومسيطرة تماما عن كل مايقوم به عوام الشيعة لحسابات واسباب لامحل للحديث عنها الان، فالمرجعية الدينية قادرة نظريا من توجيه الزائرين وتقديم النصائح الخاصة بهم في كل زيارة وتوجيههم الى دعم الحشد والمقاتيلن بدلا من صرف اموالهم على الولائم والطبخ والموائد.

اكاد اجزم شخصيا انه من الافضل للاموال التي يبذلها الناس والمتبرعون في هذه الزيارات ان تذهب لدعم الحشد وعوائل الشهداء وايتامهم ونسائهم بدلا من ان تصرف هكذا على هذا ” النوع من الزيارات” وليست الزيارة في حد ذاته،  حيث تنصب مئات سرادق العزاء وتكلف اموالا كثيرة في بعض الاحيان ، ولو ركب  الزائرون وسائل النقل لما حدث هذا الارباك او صُرفت هذه الاموال على هذا النحو.

الحشد الشعبي يدخل الان معركة وجودية ضد قوى ارهابية شريرة تمتلك، لكل اسف، المال والسلاح  والنص الديني الممسوخ لصالحهم، واستخدمت اخطاءنا واستفادنا من تفككنا ولذا فمجابهتها تحتاج الى تهيئة وقوة وبرنامج وعقل وخطط يجب ان تكون مدعمة بالمال وبكل مايمكن ان يديم زخم هذه المعارك.

  من حقي في النهاية ان اطرح الاسئلة التالية :

– من هو المسؤول فعلا عن تهذيب وتشذيب هذه الشعائر ؟

 – ماهي مديات المساحة التي يستطيع ان يتحرك بها في توجيهاته ؟

– كيف تستطيع الحكومة ان تؤثر في هذه الزيارة من غير ان يستغلها الاخرون للتسقيط السياسي ؟

– كم نحتاج من السنوات لكي يتم هذا التغير من داخل الذات الشيعية التي تقوم بهذه الاخطاء ؟

– ايهما اكثر احتياجا للمال ؟ هذه الزيارة والمواكب ؟ ام الحشد الشعبي الذي يعاني الكثير منه نقصا في المال والغذاء ؟

– متى ترتقي النظرة لهذه الزيارات والشعائر لمستوى المسؤولية بحيث ينظر المشرفون عليها الى اولويات اخرى اكثر اهمية منها، ومنها دعم الحشد ورجالاته الابطال ؟

من غير قدرة على مراجعة الذات ونقد متبنياته العقائدية وموروثاتهه المذهبية التي اصبحت تصطدم بحقائق الارض ومقتضيات الواقع ومصالحنا المستقبلية، فلن يكون باستطاعتنا ان نتطور وان ننهض ونقف على عتبة العصر الجديد، ناهيك عن التحديات الوجودية الجسمية التي تواجهنا والتي تحتاج منا التركيز بصورة كلية على اولوية القضاء عليها ومنا تنظيم داعش الارهابي من اجل البدء بمرحلة جديدة في بناء الدولة والدخول للعصر الحديث.

[email protected]

أحدث المقالات