10 أبريل، 2024 4:40 ص
Search
Close this search box.

شيعة العراق … ماذا ينقصهم ؟

Facebook
Twitter
LinkedIn

أكتب عن شيعة العراق بوصفهم الاكثرية العددية, والاغلبية السياسية تلك الاكثرية التي اذا ما صلح امرها صلح امر العراق, واذا ما فسد امرها فسد العراق, فنحن نتحدث عن ما يقرب من 73 بالمائة من سكان العراق تمتد رقعة تواجدهم الجغرافية من كركوك وحتى الفاو, وفي اراضيهم تكاد تتركز كل ثروات العراق, وبالتالي فإن استقرارهم يعني استقرار العراق على جميع الصعد. ومن هنا تأتي اهمية الكتابة عنهم.

لم تتح لشيعة العراق عبر التاريخ فرصة التعبير عن انفسهم سياسياً واجتماعياً مثلما اتيحت لهم بعد التاسع من نيسان 2003, حيث ولأول مرة بتاريخهم الطويل يصبح الشيعة في العراق حكاماً, فعلى مدى الدهور عاش شيعة العراق كمحكومين الحيف والظلم والتمييز من قبل الانظمة السنية التي تعاقبت على حكمهم, حتى إذن الله وزال حكم الظالمين, فتنفس الشيعة الصعداء. ومنذ ما يزيد على عقد من الزمن والشيعة في الحكم الا ان القوى السياسية التي تصدت لتمثيلهم فشلت في تقديم نموذج ناجحً للحكم, وبالتأكيد فإن اسباب الفشل منها ما يعود لعوامل داخلية تتعلق بشيعة العراق انفسهم ووضع شركائهم في العملية السياسية من سنة واكراد, ومنها ما يتعلق بعوامل اقليمية ودولية ساهمت بشكل او بآخر بمحاولة عرقلة العملية السياسية الجارية في العراق.

ما يهمنا هنا هو مناقشة الوضع الداخلي لشيعة العراق وما الذي ينقصهم.

امران اساسيان يفتقر اليهما شيعة العراق. الاول هو المشروع السياسي, والثاني هي القيادة الرشيدة. فالبنسة للمشروع السياسي نجد ان شيعة العراق لايمتلكون مشروعاً سياسياً يعملون على تحقيقه على غرار الاكراد او السنة. فأكراد العراق لديهم مشروعهم السياسي الذي يسعون لتحقيقه وهو مشروع الدولة الكردية,

فنجدهم يسعون لتحقيق هذا المشروع وفقاً لنظرية الـ(خطوة – خطوة) اي ( step by step ), التي تقوم على اساس تقسيم الهدف الاسيتراتيجي الى مراحل تكتيكية تصاعدية على غرار درجات السلالم بحيث لايمكن الصعود الى الدرجة الاعلى الا بالاعتماد على الدرجة التي قبلها, ومن هنا نجدهم قد قسموا مشروع الدولة الكردية الى مراحل بدأت الاولى بالحكم الذاتي ثم تلتها مرحلة الفيديرالية وستليها مرحلة الكونفدرالية حيث بدأنا نسمع حديثا عنها من الاكراد الى ان يصلوا الى مرحلة اعلان الدولة الكردية. وما ينطبق على الاكراد ينطبق على الطبقة السياسية للسنة فهم الاخرون لديهم ايضا مشروعهم السياسي والذي يتمثل بإفشال حكم الشيعة واعادة عقارب الساعة الى الوراء, ولأجل تحقيق ذلك اتبعوا اساليب تكتيكية مختلفة هدفها الرئيسي هو اشغال الشيعة من خلال اثارة الازمات وافتعالها والتهديد بالاقليم السني والاستعانة بقوى الارهاب واحتضانها للضغط على الشيعة لأجل القبول بمبدأ المثالثة بالحكم اي ثلث للشيعة وثلث للسنة وثلث للأكراد والاخرين ضاربين بعرض الحائط نتائج الانتخابات ومعطيات الواقع حتى يصلوا لما يعرف بالثلث المعطل على غرار ما معمول به في لبنان, فلا يعد اي تأثير للأكثرية العددية.

هذا بالنسبة للمشروعان الكردي والسني, اما بالنسبة لشيعة العراق فلا مشروع لهم الامر الذي اضعف ويضعف موقفهم امام الاخرين. ان اهمية المشروع السياسي لفئة او مجموعة ما تتمثل بتوحدهم وتوحيدهم عليه, ولنأخذ لذلك اكراد العراق مثلا.فالاكراد وبالرغم من الاختلافات الحزبية (حزب الطالباني وحزب البارزاني والجماعات الاسلامية) والاختلافات المناطقية بينهم (سورانيين وبهدنانيين) الا ان امتلاكهم لمشروع سياسي واضح المعالم كان سبباً مهمهاً في توحيدهم رغم سنوات القتال بينهم والدماء الكثيرة التي سالت بسبب اختلافاتهم.

وبكلمة صريحة من دون وجود مشروع سياسي لايمكن لاي مجموعة او جماعة ان تحقق ذاتها وتحمي حقوقها وتؤمن مستقبل اجيالها, وهذا ما فعله شيعة لبنان حينما تبنوا المقاومة كمشروع سياسي وطني استطاعوا من خلاله فرض انفسهم على الساحة السياسية اللبنانية. هذا المشروع كان سبباً في توحيد القوى السياسية الرئيسية لشيعة لبنان ممثلة بحزب الله وحركة امل. اليوم الكل يحترم شيعة لبنان ويهابهم.

اذن على شيعة العراق التفكير بمشروع سياسي يلتفوا حوله ويعملوا لأجله, لكي ينجحوا في الحكم وبالتالي يفرضوا انفسهم على الاخرين.

اما الامر الاساسي الثاني الذي ينقص شيعة العراق هو القيادة الرشيدة التي تأخذهم الى بر الامان. في ايران حصل الشعب هناك على قيادة تاريخية ممثلة بالامام الخميني (قدس سره) الذي كان يحمل مشروعاً سياسياً كبيراً هو اطروحة (ولاية الفقيه) التي على اساسها اقام النظام الاسلامي في ايران, واليوم يوجد خليفته اية الله الخامنائي كقائد اعلى للايرانيين. في لبنان قيادة الشيعة هناك تتمثل بالعلامة المجاهد السيد حسن نصرالله, الذي يطيعه شيعة لبنان كقائد أعلى رغم وجود قيادات وزعامات سياسية اخرى كالسيد نبيه بري رئيس مجلس النواب, الا ان هؤلاء جميعاً يدينون للسيد نصرالله بالطاعة والولاء والاحترام.ِ

اما في العراق ورغم وجود المرجعية الدينية العليا وهي قيادة روحية, فإنه لا وجود لقيادة سياسية عليا للشيعة, والقيادات الموجودة_ وهي محل احترامنا_ هي قيادات حزبية ونطاق ولايتها وتأثيرها لايتعدى اتباعها الحزبيين او المتحزبين. نخلص الى إن وجود القيادة الرشيدة والحكيمة لاي جماعة او مجموعة أمرُ في غاية الأهمية, اذ ان القيادة في احيان كثيرة هي التي توجد المشروع السياسي الجامع للأمة فتكون سبباً في رفعتها وعزتها, ان شيعة العراق ورغم كونهم الاكثرية العددية والاغلبية السياسية الا انهم يفتقرون اليوم الى قيادة تاريخية تستطيع جمع شملهم وتوحيد كلمتهم, وتحويل ثقلهم العددي الى فعل سياسي يرضخ له الاخرون طواعية وبالتأكيد من دون ظلم لشركاء الوطن. والى ان يتوفر لشيعة العراق المشروع السياسي والقيادة الرشيدة فإن نزيف الدم الشيعي سيستمر الى ان يشاء الله امراً كان مفعولا.

*[email protected]

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب