4 نوفمبر، 2024 9:24 م
Search
Close this search box.

شيعة العراق المفترى عليهم

شيعة العراق المفترى عليهم

كثيرة هي الاقلام الماجورة التي تزيف حقائق الامور وتعرضها مقلوبة شوهاء على الراي العام خصوصا ما يتعلق بالعراق واغلبيته الشيعية , ومن هذا التزييف الذي درجت على ترويجه تلك الاقلام ووسائل الاعلام وبعضها محلي وبعضها الاخر اجنبي هي فرية ان الامريكان اسقطوا نظام صدام لمصلحة الشيعة , وان الشيعة هم اكثر من استفاد من سقوط الدكتاتورية في العراق ! .
     ان المتتبع بحياد لمسار الاحداث في العراق سوف تصدمه حقيقة ان الشيعة في العراق هم اقل من غيرهم استفادة من التغيير في العراق وان كل الذي حصلوا عليه هو انهم يؤدون شعائرهم الدينية بحرية دون ان تعتقلهم اجهزة صدام الامنية واما سائر المظاهر الاخرى فهم بمستوى الاقلية فيها اذ هم غير قادرين على تشريع قانون في البرلمان الا بكسب الاخر الى جانبهم لتشريعه وكذلك الحال في مجلس الوزراء وهذا ما جعل الطيف السياسي الشيعي مشلولا لا يقوى على الحركة الفاعلة الا بمساعدة الاخر الذي اجاد لعبة الابتزاز . ان من تحصيل الحاصل لسقوط نظام صدام واعتماد الانتخابات وسيلة للتصدي لقيادة البلد هو وصول الشيعة الى الحكم – اذا كانوا فعلا يحكمون – فصناديق الانتخابات وليس امريكا هي التي حسمت النتائج لصالح الشيعة , وهذا مااغفله عمدا المفترون والمزيفون للحقائق , فمعلوم ان الشيعة في اقل التقديرات نسبتهم 65% من الشعب العراقي وان اية انتخابات سوف تجعل لهم الاغلبية في مراكز القرار في الدولة العراقية , والنسبة تلك كشف عنها الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك في برنامج ” بالعربي ” على قناة العربية .
     وكيفما كانت النسبة فالشيعة هم اغلبية سكان العراق , وتمتد مساحة الارض التي يقطنونها من شمال بغداد الى البصرة وهي التي عرفت منذ عصر البابليين او ابعد من ذلك باسم العراق (1) فيما كان يطلق على المناطق الاخرى منطقة الجزيرة وبلاد الاشوريين , وقد حاول صدام احداث تغيير سكاني وجغرافي على واقع الشيعة في بغداد وشمالها وجنوبها بمنع أي من سكان المحافظات الجنوبية بالتملك في بغداد وصاحبت ذلك حملة تهجير واسعة وقاسية لسكان بغداد ممن ولد في المحافظات الجنوبية رافقه فتح الاسكان لابناء المحافظات الغربية في بغداد ذات الانتماء السني .
     ان امريكا لا تستطيع ان تمنع قيام نظام سياسي في العراق يعتمد الانتخابات والتعددية السياسية لانها بشرت بهكذا نظام بديلا عن نظام صدام , لذا فان الانتخابات وما ينتج عنها من نفوذ شيعي سياسي في الدولة العراقية كانت خيارا مرا بالنسبة لواشنطن فعمدت الى تسميم العملية السياسية والنظام الانتخابي والدستور الدائم بفرض التوازن والمحاصصة منذ تشكيل مجلس الحكم الذي كان يديره في الواقع الحاكم المدني الامريكي (بول بريمر) وهذه البدعة لامثيل لها في اية ديمقراطية في العالم , ان المتابع لبعض الكتابات المتحاملة وغير المنصفة في الصحافة الصفراء او على المواقع الالكترونية يجدها تحمل مغالطات وتشويها للحقائق , مثل ان امريكا اوصلت شيعة العراق الى الحكم , بل يتمادى بعضهم ليقول ان امريكا  قدمت العراق للشيعة على طبق من ذهب وكأن الشيعة دولة اخرى ليقدم لها العراق وليسوا هم سكانه الاصليون تمتد جذورهم الى حضارة سومر قبل اسلامهم وتشيعهم , وباعتراف كل المؤرخين ان حضارة سومر وبابل قامت وسط وجنوب العراق . لقد اعترف السفير الامريكي في بغداد مؤخرا في تصريح له تعليقا على مواقف دكتاتور اقليم كردستان مسعود بارزاني بان الكرد هم اكثر المستفيدين من التغيير في العراق بعد عام 2003 , والحقيقة ان السفير الامريكي لم يكشف عن مستور بل هو الواقع كما نراه ونلمسه , فالكرد اليوم ليسوا اقليما وانما دولة داخل دوله على الصعيد السياسي والامني والاقتصادي والديبلوماسي , والقادة الكرد جميعا دون استثناء بانتظار نضج الظروف الاقليمية لاعلان دولتهم المستقلة .
     ومن الحقائق التاريخية ان امريكا لم تسلح اي فصيل شيعي معارض لصدام بل عملت العكس اذ ساعدت صدام بالتعاون مع دول الخليج في قمع انتفاضة الشيعة عام 91 بعد غزو الكويت والتي كانت اول ربيع عربي في المنطقة , والشيعة لو كان لهم ادنى تعاون مع امريكا على حساب بلدهم لقبلوا بقاءها او بقاء مدربيها بحصانة قضائية في العراق بعد عام 2011 , فالطيف السياسي الشيعي هو الوحيد الذي اصر على خروج قوات الاحتلال نهاية عام 2011 ورفض اعطاء حصانة للمدربين الامريكيين بينما قبلت احزاب القائمة العراقية التي تمثل الطيف السني بكل الشروط الامريكية من اجل بقاء قوات الاحتلال في العراق كمعادل موضوعي على الارض ووسيلة ضغط على الاغلبية الشيعية خصوصا طيفها السياسي .
    ان مراجعة التاريخ السياسي الشيعي في كل بلدان الاغلبية الشيعية من العراق الى ايران , فالبحرين , فلبنان تظهر للباحث عن الحقيقة ان الشيعة بقياداتهم الدينية وقواعدهم الشعبية لم يتعاونوا مع الاجنبي لاحتلال بلدانهم بعكس ما اظهرته القيادات السياسية السنية منذ ثورة الشريف ابن علي ضد العثمانيين واندفاعه لمساعدة بريطانيا في احتلال البلاد الاسلامية مرورا بدور عبد الرحمن النقيب في توطيد الاحتلال البريطاني في العراق مطلع القرن الماضي حتى اليوم حيث رسالة قيادة القائمة العراقية التي نشرتها الواشنطن بوست والتي توسلت فيها تلك القيادة وتمنت على واشنطن اعادة احتلال العراق ثانية .
———————————
(1) د . حسين امين , تاريخ العراق في العصر السلجوقي .

أحدث المقالات