23 ديسمبر، 2024 2:32 م

شيعة العراق .. إرسموا حدود إقليمكم قبل أن يرسمه لكم أعدائكم

شيعة العراق .. إرسموا حدود إقليمكم قبل أن يرسمه لكم أعدائكم

كنت ولا زلت مقتنعا أنّ ما يجري في العراق هي حرب طائفية غير معلنة بين الشيعة والسنّة , وليس كما يصوّرها الإعلام العراقي الرسمي على أنّها حرب بين عصابات تكفيرية إرهابية خارجة عن القانون وبين النظام القائم في العراق , والحقيقة أنّ هذه الحرب الطائفية هي امتداد للحرب الطائفية التي تجري رحاها في سوريا , وواضح تماما أنّ دولا إقليمية ذات إمكانات اقتصادية وعسكرية هائلة تمدّ هذه الحرب بالمال والسلاح والرجال وسخرّت لها كل إمكاناتها الإعلامية , وقد نجحت إلى حد كبير بسبب هذا الإعلام المعادي وما يجري من صراع سياسي داخلي بين الكتل السياسية التي تشكّل النظام القائم , من تحشيد وإقناع الغالبية العظمى من أبناء سنّة العراق في رفع السلاح بوجه الحكومة الشرعية ومحاربة الجيش العراقي من أجل إسقاط النظام القائم وتقسيم البلد إلى ثلاث دويلات كردية وسنيّة وشيعية , وهذا السيناريو الذي كان بعيدا أصبح اليوم بعد أحداث الموصل وصلاح الدين والرمادي قريبا جدا , وفي حالة استمرار الوضع على ما هو عليه فإن هذا الاحتمال سيصبح واقع حال , وسيكون العراق الموّحد جزء من الماضي وستزول خارطة سايكس بيكو .
وسيناريو تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات والمعروف بمشروع بايدن , قد هيّأت له الولايات المتحدّة الأمريكية الأسباب والمسببات , فعدم تزويد الجيش العراقي بالسلاح اللازم الذي يمكّنه من الدفاع والحفاظ على وحدة الوطن وترابه , هو أحد أهم الأسباب التي أغرت الطرف الكردي للمطالبة بحق تقرير المصير والخروج على القانون والدستور وجعل إقليم كردستان دولة داخل الدولة العراقية , وبدوره أغرى هذا الواقع سنّة العراق هم أيضا للمطالبة بإقليم سنّي يتمتّع هو الآخر بذات الصلاحيات التي يتمتّع بها إقليم كردستان , والقول بأنّ سياسات التهميش والإقصاء التي يمارسها رئيس الوزراء نوري المالكي تجاه المكوّن السنّي , هي السبب في وصول البلد إلى هذا الحال هو محض كذب وافتراء وتزوير للحقائق الدامغة على الأرض , فأين هو هذا التهميش والإقصاء الذي يدّعونه ويطّبل له الإعلام السعودي والقطري ؟ فهل تحكم المحافظات السنية إدارات شيعية كما كانت المحافظات الشيعية تحكم من قبل السنّة في كل مراحل الدولة العراقية ؟ أم أنّ نسبة تمثيل السنّة في البرلمان والحكومة أقل من نسبتهم بالنسبة لمجموع السكان كما كان تمثيل الشيعة في كل مراحل الدولة العراقية والذي لا يتعدّى العشرين في المئة ؟ أم أنّ استحقاقهم من الموازنة العامة للبلد أقل من استحقاق المحافظات الشيعية ؟ , فإذا كان سنّة العراق قد عقدوا العزم على الانفصال عن الدولة العراقية على غرار أكراد العراق , فليكن هذا بعيدا عن الحرب وإراقة الدماء , وليقولوها صراحة لا نريد شراكة في وطن يشاركنا الشيعة في حكمه , وليأتوا إلى بغداد ويتّفقوا مع الشيعة والأكراد على حدود إقليمهم أو دولتهم الجديدة , ولا داع للاختباء وراء البعث القذر وداعش المجرمة للوصول إلى هذا الهدف .
إنّ ما يجري في مدن ومناطق الغرب العراقي السنّي يؤكد أنّ الغالبية العظمى من سنّة العراق قد تخلّوا عن العراق الموّحد , وإذا كان هنالك البعض من السنّة الذين لا زالوا يدافعون عن العراق الموّحد , فهم وللأسف الشديد قد أصبحوا أقلية , وقد آن الأوان لشيعة العراق أن يرسموا حدود إقليمهم الشيعي قبل أن يرسمه لهم أعدائهم , فالأحداث تتسارع باتجاه التقسيم , وهذا الكلام ليس دعوة للتخلي عن الدفاع عن وحدة الوطن العراقي , ولكنّه في المقابل ضروري ليعرف الجميع حدود الإقليم الشيعي فيما لو أصرّ الآخرون على تقسيم الوطن , فليس من المعقول أن يرسم الآخرون حدودهم ويحتّلوا المناطق عسكريا لتصبح أمرا واقعا والشيعة غارقون في صراعاتهم السياسية على منصب رئيس الوزراء , وقد آن الأوان أن يعرف الجميع أنّ مقدّسات الشيعة في كل المدن العراقية , هي جزء لا يتجزأ من حدود الإقليم الشيعي , وإنّ شيعة العراق مستعدّون للتضحية بآخر قطرة من دمائهم دفاعا عن هذه المقدّسات , وإن كان هنالك ثمة خلاف على حدود إقليم كردستان , فهذا الخلاف يجب أن يسوّى بين الأكراد والسنّة تحديدا , ولا علاقة لشيعة العراق به من قريب أو بعيد , فكفى بعد الآن أن يلعب الشيعة وحدهم دور أم الولد .