كنت ولا زلت مقتنعا أنّ ما يجري في العراق هي حرب طائفية غير معلنة بين الشيعة والسنّة , وليس كما يصوّرها الإعلام العراقي الرسمي على أنّها حرب بين عصابات تكفيرية إرهابية خارجة عن القانون وبين النظام القائم في العراق , والحقيقة أنّ هذه الحرب الطائفية هي امتداد للحرب الطائفية التي تجري رحاها في سوريا , وواضح تماما أنّ دولا إقليمية ذات إمكانات اقتصادية وعسكرية هائلة تمدّ هذه الحرب بالمال والسلاح والرجال وسخرّت لها كل إمكاناتها الإعلامية , وقد نجحت إلى حد كبير بسبب هذا الإعلام المعادي وما يجري من صراع سياسي داخلي بين الكتل السياسية التي تشكّل النظام القائم , من تحشيد وإقناع الغالبية العظمى من أبناء سنّة العراق في رفع السلاح بوجه الحكومة الشرعية ومحاربة الجيش العراقي من أجل إسقاط النظام القائم وتقسيم البلد إلى ثلاث دويلات كردية وسنيّة وشيعية , وهذا السيناريو الذي كان بعيدا أصبح اليوم بعد أحداث الموصل وصلاح الدين والرمادي قريبا جدا , وفي حالة استمرار الوضع على ما هو عليه فإن هذا الاحتمال سيصبح واقع حال , وسيكون العراق الموّحد جزء من الماضي وستزول خارطة سايكس بيكو .
وسيناريو تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات والمعروف بمشروع بايدن , قد هيّأت له الولايات المتحدّة الأمريكية الأسباب والمسببات , فعدم تزويد الجيش العراقي بالسلاح اللازم الذي يمكّنه من الدفاع والحفاظ على وحدة الوطن وترابه , هو أحد أهم الأسباب التي أغرت الطرف الكردي للمطالبة بحق تقرير المصير والخروج على القانون والدستور وجعل إقليم كردستان دولة داخل الدولة العراقية , وبدوره أغرى هذا الواقع سنّة العراق هم أيضا للمطالبة بإقليم سنّي يتمتّع هو الآخر بذات الصلاحيات التي يتمتّع بها إقليم كردستان , والقول بأنّ سياسات التهميش والإقصاء التي يمارسها رئيس الوزراء نوري المالكي تجاه المكوّن السنّي , هي السبب في وصول البلد إلى هذا الحال هو محض كذب وافتراء وتزوير للحقائق الدامغة على الأرض , فأين هو هذا التهميش والإقصاء الذي يدّعونه ويطّبل له الإعلام السعودي والقطري ؟ فهل تحكم المحافظات السنية إدارات شيعية كما كانت المحافظات الشيعية تحكم من قبل السنّة في كل مراحل الدولة العراقية ؟ أم أنّ نسبة تمثيل السنّة في البرلمان والحكومة أقل من نسبتهم بالنسبة لمجموع السكان كما كان تمثيل الشيعة في كل مراحل الدولة العراقية والذي لا يتعدّى العشرين في المئة ؟ أم أنّ استحقاقهم من الموازنة العامة للبلد أقل من استحقاق المحافظات الشيعية ؟ , فإذا كان سنّة العراق قد عقدوا العزم على الانفصال عن الدولة العراقية على غرار أكراد العراق , فليكن هذا بعيدا عن الحرب وإراقة الدماء , وليقولوها صراحة لا نريد شراكة في وطن يشاركنا الشيعة في حكمه , وليأتوا إلى بغداد ويتّفقوا مع الشيعة والأكراد على حدود إقليمهم أو دولتهم الجديدة , ولا داع للاختباء وراء البعث القذر وداعش المجرمة للوصول إلى هذا الهدف .
إنّ ما يجري في مدن ومناطق الغرب العراقي السنّي يؤكد أنّ الغالبية العظمى من سنّة العراق قد تخلّوا عن العراق الموّحد , وإذا كان هنالك البعض من السنّة الذين لا زالوا يدافعون عن العراق الموّحد , فهم وللأسف الشديد قد أصبحوا أقلية , وقد آن الأوان لشيعة العراق أن يرسموا حدود إقليمهم الشيعي قبل أن يرسمه لهم أعدائهم , فالأحداث تتسارع باتجاه التقسيم , وهذا الكلام ليس دعوة للتخلي عن الدفاع عن وحدة الوطن العراقي , ولكنّه في المقابل ضروري ليعرف الجميع حدود الإقليم الشيعي فيما لو أصرّ الآخرون على تقسيم الوطن , فليس من المعقول أن يرسم الآخرون حدودهم ويحتّلوا المناطق عسكريا لتصبح أمرا واقعا والشيعة غارقون في صراعاتهم السياسية على منصب رئيس الوزراء , وقد آن الأوان أن يعرف الجميع أنّ مقدّسات الشيعة في كل المدن العراقية , هي جزء لا يتجزأ من حدود الإقليم الشيعي , وإنّ شيعة العراق مستعدّون للتضحية بآخر قطرة من دمائهم دفاعا عن هذه المقدّسات , وإن كان هنالك ثمة خلاف على حدود إقليم كردستان , فهذا الخلاف يجب أن يسوّى بين الأكراد والسنّة تحديدا , ولا علاقة لشيعة العراق به من قريب أو بعيد , فكفى بعد الآن أن يلعب الشيعة وحدهم دور أم الولد .