23 ديسمبر، 2024 11:16 ص

شيطلع هالبعير من هالوحلة

شيطلع هالبعير من هالوحلة

عذرا ً لعنوان ٍغير مألوف في ما إعتدت أن أكتبه سابقا ً ، ولو أنه يختلف في التعبير من منطقة إلى أخرى في بلدنا وذلك لا يغيّر من القصد ، ولكن ما دفعني إلى الإستعانة به كمدخل للحديث هو قضية مهمة وتهم شريحة كبيرة من أبناء الجيش السابق  لابد من الإشارة إليها …
 ذات مرة دار حديث بيني وبين أحد رفاق السلاح من المحاربين القدماء وكان حقا ًحديثا ذا شجون فقد راحت بنا الذكرى إلى أعوام ٍ مضت فيها الكثير من الأحداث والمفارقات خلال خدمتنا في الجيش … كنا نعمل سوية في تشكيل ٍ واحد على الجبهة السورية أيام الحرب العربية الإسرائيلية التي نشبت في تشرين عام 1973 وكانت دمشق على وشك السقوط  بيد القوات المعادية لولا وصول طلائع القوات العراقية المدرعة إليها بوقت مناسب والتي إنطلقت دباباتها على السرف لضيق الوقت وعدم تيسر ناقلات دبابات كافية آنئذٍ ولتكون لها مصدّا ًمنيعا ً حينها   … كنا نتهيأ لشن هجوم مقابل في منطقة ( تل عنتر ) قرب الصنمين إلى الجنوب من دمشق وكنت مع صاحبي هذا في ناقلة القيادة – وهي ناقلة أشخاص مدرعة بأجهزة وتجهيزات خاصة بقيادة التشكيل وإدارة المعركة – كان معنا وضمن هيئة الركن ضابط بدين جدا ًلم يستطع السيطرة على التقليل من وزنه رغم التنبيهات المستمرة ، وعندما كنا نتحدث عن إحتمالات الإصابة أو الإستشهاد أو الأسر كان يؤكد على إنه وعند  أسره سوف لن يبوح بأي من الأسرار الحربية مهما إتبعوا معه من أساليب العنف إلا في حالة واحدة وهي أن يقطعوا عنه الطعام لوجبتين لا أكثر وعند ذاك فإنه ( سيكُتّ ) كل ما  في جعبته بلا تردد … كانت فتحات البوابات العليا للناقلة لا تساعده على الخروج منها بيسر   إلا بصعوبة بالغة بسبب حجمه ووزنه المفرط …
 نظر صاحبي إليه وقال له ضاحكا ً …
–   والله  يا صديقي لا أدري كيف سيتم إخلاؤك من هذه الفتحات عند إصابتك أو أسرك ؟؟؟!!
علقت ردا ًعلى سؤاله :
– طريقة واحدة تساعدنا في ذلك .. وهي أن نغطيه بزيت المحرك أو أن ( نشحّمه ) حتى يسهل علينا إخراجه من الناقله دون أي جهد …
 كانت هذه واحدة من قفشات أحد إخواننا  آمري الوحدات الذي كان يمتاز بسرعة الخاطر والفرفشة ولم تفارق شفتيه إبتسامته في كل حين … كان يستمع إلى آمره في واحد من مؤتمرات الأوامر كان  قد عقد قبيل واحدة من معارك الدبابات وقد تطرق الأخير إلى ضرورة الإنتباه من مناورات العدو غير المتوقعة و( التملص ) منه قدر الإمكان وبرد فعل مناسب لحين الإستعداد الكامل لصده ….
وقد لفتت إنتباهه كلمة ( التملص ) فإلتفت  لمن كان يجلس إلى جانبه  معلقا ً بهمس :
– يعني شنو نتملص .. نملغط الدبابات بالدهن حتى تملص من أيد العدو … 
وأخيرا ً توفي هذا المبتسم دائما لإصابته بداء الكآبة !!! فتصور ما لم يكن بالحسبان .ً

القصد مما أسلفت وربما أسهبت في السرد هو ما يمكن أن تتعرض له حكومتنا وهي تتخبط بقرارات وفي إصدار قوانين لا تلبث أن تتنكر لها وتتنصل عن تنفيذها  أو تنفيذ بعض فقراتها ويصعب عليها أحيانا ًأن تتخلص وتتملص من تبعات  ذلك حتى لو تم تشحيمها وإكسائها بزيوت كل المحركات ، ولو أني أتصورها قادرة على ذلك حتى وإن لم يكن هناك ما يشحمها ..
لقد صدر التعديل الأول لقانون الخدمة والتقاعد العسكري رقم 3 لسنة 2010 بعد مصادقة رئاسة الجمهورية عليه وتم نشره في الجريدة الرسمية وتقرر تنفيذه من تاريخ نشره  في 21  تشرين أول الماضي ، ونص في مادته الرابعة على أن يشمل به كافة منتسبي الجيش السابق بحساب رواتبهم التقاعدية ومكافآت نهاية خدمتهم كما يستحقها أقرانهم في الجيش الحالي … وعندما كان الجميع  بإنتظار أن يبدأ العام الجديد وأن يروا ويلمسوا ما أوعدتهم به حكومتهم وأن ( يلهموا السمسم ) كي يقولوا سمسما ً، وإذا بها وبهيئة التقاعد فيها وببادرة ملؤها اللؤم والتنكر لخدمة شريحة واسعة من الرجال وعوائلهم تقرر إيقاف التنفيذ … وعندما تساءل الكثير منا عن الجديد في الأمر  تبين لنا إن ما نستحقه قانونا ً سيرهق كاهل ميزانية الدولة !!! هكذا قالت لهم وأوصت به هيئة التقاعد الوطنية العتيدة والتي ( كسرت خاطرها ) ميزانية الدولة ، وما ( كسرت خاطرها ) المليارات التي سرقت من قوت هذا الشعب ودمرت الميزانية وليس أثقلت كاهلها … شعب تعوم أرضه على الثروة وكل الخيرات وهو يستجدي كساء أهله ولقمة أطفاله  … وهناك من يجزم بأن هذا القرار جاء ضد مصلحة معوقي الحرب منا بالذات وبشكل مقصود ومتعمد ونحن الذين وجدنا في التعديل إنصافا ً لنا  بعد معاناة طويلة إمتدت لعشر سنوات  ….
 وأنا هنا ( وبسبب إرهاق الميزانية الغالية على الجماعة ) أقترح أن يتم منحنا رواتب تقاعدية من الفائض( نعم من الفائض ) من رواتب النواب والدرجات الخاصة والرئاسات الثلاث وذلك – وكما يراه كل العقلاء – ما يكفينا و ( زياده ) بكل تأكيد لسنوات أخرى  قادمة  ، وأن ( تتكرم ) علينا الحكومة وهيئة تقاعدها بهذه الفتات !!!!!!!…
  تبا ً لهذه الرؤى القاصرة في التعامل مع رجال يستحقون حقوقهم رغم الأنوف لقاء ما ضحوا من أجل بلدهم  طيلة سنوات عصيبة من خدمتهم في جيش العراق … وتبا ً لمن يريد الفصل بينهم وبين أقرانهم في الجيش الحالي ، وتبا ً لمن يريد أن يسرق الفرحة من الصدور ولمن يريد أن يسلب حقوق معوقي الحرب ، هؤلاء الذين إستكثروا عليهم  فلسانا ً قليلة هي أقل مما يستحقون ..
لقد تورطت الحكومة – إن كان ذلك ما يحدث الآن فعلا ً من مناورة لإيذائنا – تورطت وأعتقد أنها لن تستطيع الخروج من هذه الأزمة إلا بإعادة الأمور إلى نصابها أو أن تستخدم كميات مضافة من الدهون ليسهل عليها الخلاص … فلماذا وضعت أقدامها في  وحل التخبط في  قرار ٍغير مدروس وقبل أن يرى النور تعديلهم الذي ندموا عليه وعلى إقراره كما يبدو .
ولأن كل من يعنيهم وقع في مطب ( الوحلة ) فلا أحد منهم ظهر عبر أي وسيلة إعلامية لإيضاح ما يبيّت لنا وقد غلفوا الأمر بضبابية عمياء وصمت رهيب قاتل … ولست أدري وقد أصابهم الخرس لماذا لم يبادر في بيان ما تم القرار عليه وراء الكواليس …
 
يا سادتي الكرام ….
أود أن أبيّن لكم بأن البعير أو غيره ( سيطلع ) من هذه ( الوحلة ) بكل تأكيد  ولكن المشكله الأساس هي أن( الوحلة ) باقية  ….