17 نوفمبر، 2024 12:34 م
Search
Close this search box.

شيرين في صقيع موسكو

شيرين في صقيع موسكو

مع انها كانت وما تزال منذ رحيلها المفجع؛ خبرا رئيسا؛ فان وسائل الإعلام الروسية؛ اكتفت في يوم مقتلها؛ ببث خبر موجز يُبرز الرواية الإسرائيلية؛فيما نشرت المستعربة ماريانا بيلينكايا؛ المعروفة بمواقفها العادلة من حقوق الفلسطينيين، تقريرين وافيين في يومية
“كوميرسانت”واسعة الانتشار.

ثلة من الصحفيين والكتاب الروس، شاركوا في الوقفة التابينية؛ بعد ساعة من غرس جسد شيرين أبو عاقلة في تراب القدس؛واقيم التجمع بمبادرة من سفارة فلسطين في موسكو، بحضور لفيف من الصحفيين، مع أبناء الجالية العربية في العاصمة الروسية.
شارك في التأبين نائب رئيس مجلس المفتيين في روسيا الاتحادية الشيخ روشان عباسوف ؛ والقى كلمة تضامن مع الشعب الفلسطيني؛ بمصابه في اغتيال شيرين.مترحما على الفقيدة، وشجب الشيخ إعتداءات نظام الفصل العنصري.

وغاب عن اللقاء؛ ممثل الكنيسة الروسية؛ آلتي أهدتها السلطة الفلسطينية؛ مبنين من أقدم كنائس فلسطين التاريخية، كانت سلطات الاحتلال؛ حولتها الى معتقل؛ وحظيرة للحيوانات.
وتملك روسيا مع فلسطين؛ علاقات دينية؛ تمتد لقرنين واكثر؛ حين اسس القيصر الكسندر الثالث عام 1882 ، الجمعية الامبراطورية الارثوذكسية الفلسطينية ؛ومن مدارسها تخرج علماء وأدباء عرب منهم كلثوم عودة؛ وميخائيل نعيمة؛ وبندلي جوزي؛والثلاثة ينتمون الى جيل المنورين الرواد.
فلسطين حاضرة في ذاكرة ووجدان الروس الارثوذكس؛ حتى في الحقبة السوفيتية، حين كانت الدولة؛ تفرض قيودا على العبادات؛ اخذت تخف؛ مع تفكك القبضة القوية للنظام السوفيتي؛ حتى انهياره.
بل ان ستالين؛ وكان في صباه؛ تعلم القراءة والكتابة في مدرسة كنسية بقرية جورجية؛ انصت لنصيحة قس لبناني؛ بعث عام 1943و الحرب مع المانيا النازية؛تحرق اراضي الدولة السوفيتية، رسالة يلتمس فيها ، إعادة الحياة للكنائس الموصدة في روسيا.
وكتب المتروبوليت ايليا كرام للزعيم السوفيتي ، دع المؤمنين يبتهلون الى الرب؛متضرعين كي تنتصر البلاد على الجحافل النازية.
وينقسم مدونو التأريخ المعاصر للكنيسة الروسية؛بين مناصر ومنتقد؛ لدور القس اللبناني؛ ففيما يرى فيه المؤيدون بشارة قلبت موقف ستالين راسا على عقب؛ يقول منتقدو الاب اللبناني؛ انه تربح على حساب الكنيسة الروسية؛ ونقل وباع مئات الايقونات والمقتنيات الكنسية الثمينة؛ بهبات من ستالين الذي خفف من الحملة على الكنيسة،اثر رسالة القس كرام، بعد ان كان عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفيتي، وزير التخطيط في الحكومة السوفيتية؛ لازر موسيفيتش كاهانوفيتش؛ أمر بتحويل الكنائس الى منشآت حكومية؛ بذريعة انها مراكز لخلايا الثورة المضادة النائمة.
وارتكب الوزير؛ جريمة نسف؛ أحد أكبر وأجمل الكنائس في العالم، ( كاتدرائية المسيح المخلص).
وكان فقراء روسيا تبرعوا بأموالهم الشحيحة، على مدى عقدين واكثر، لبناء الدير تعبيرا عن الشكر والعرفان على خلاص روسيا من احتلال قوات نابليون التي وصلت عام 1812 الى موسكو.
استبدل كاهانوفيتش؛ الكاتدرائية المنسوفة ، بمسبح ومركز رياضي ؛على مرمى حجر من الكرملين؛ بكنائسه الشهيرة.

منحت الدولة السوفيتية عام 1947 القس اللبناني ايليا كرام ، وسام ستالين بامر منه ؛ تقديرا لجهوده في دعم معركة الشعوب السوفيتية سنوات الحرب الوطنية العظمى؛ التوصيف الروسي للحرب العالمية الثانية.

مع ان مندوبا عن الجمعية الامبراطورية الارثوذكسية الفلسطينية ، شارك في تأبين سفارة فلسطين للراحلة شيرين ابو عاقلة؛ الا انه وخلافا لمندوب مجلس المفتيين، لم يلق كلمة؛ ربما لانه لم يتلق تعليمات من رئيس الجمعية؛ سيرغي ستيباشين؛ الذي شغل مناصب حكومية رفيعة بعد انفراط عقد الاتحاد السوفيتي، بينها وزارة الداخلية؛ ورئيس هيئة الرقابة المالية؛ ومناصب اخرى.
يذكر ان ستيباشين كان من بين أوفر المرشحين حظا لخلافة بوريس يلتسين؛ حين قررت مراكز القوى في الكرملين؛ أواخر تسعينات القرن الماضي؛ ان يسلم أول رئيس لروسيا ما بعد الحقبة السوفيتية؛ قيادة الدولة؛لجيل الشباب من بين ورثة الحقبة السوفيتية؛ لكن الرياح جرت باتجاه سفينة فلاديمير بوتين؛ المرشح البديل.
وتقديرا لدور سيرغي ستيباشين؛ في تعزيز العلاقات الروسية الفلسطينية، منحه الرئيس محمود عباس الجنسية الفلسطينية؛ ووساما.

لم تحظ فاجعة زهرة القدس، شيرين أبو عاقلة؛ بتغطية مناسبة في وسائل الإعلام الروسية؛ ليس لان عددا من رؤوساء التحرير يحملون جنسيات مزدوجة، وليس بفعل نفوذ المراكز المالية؛القريبة من تل ابيب؛ بل ولان ملفات الشرق الاوسط؛ خلا سوريا وإيران، لا تثير اهتمام الإعلام الروسي بكل اشكاله؛ وسط غياب شبكة مراسلين في معظم البلدان العربية؛ فيما يوفر مكتب تل ابيب،تقارير متواترة للشاشات الرسمية.
واذا كان لازر كاهانوفيتش؛ نسف كاتدرائية ( المسيح المخلص) وحوله الى بركة سباحة فان ورثته؛بذلوا قصارى جهودهم، عشية وغداة، انفراط عقد الاتحاد السوفيتي؛ لنسف الجسور مع العالم العربي، واعتبار دعم القضية الفلسطينية، وحركات التحرر الوطني؛ من الموروث الثقيل للنظام السوفيتي البائد ؛ يجب التخلص منه.
لم ينتظر احد، تعاطفا مع فاجعة فلسطين في شيرين؛ لكن الخبر لف العالم من أقصاه الى اقصاه. وطافت صورة المراسلة القتيلة، كل الشاشات ومواقع التواصل؛ وصارت عنوانا رئيسا في نشرات الاخبار، وخرجت حشود في مختلف دول العالم تندد بالجريمة.
اخرجت الفاجعة اوروبا الباردة من صمتها المزري؛ وشجب كبار المسؤولين في القارة العجوز وفي الامريكيتين؛ الإعدام الميداني، لمراسلة؛ لم يرتجف صوتها الهادي؛رغم رصاص الاحتلال؛ والقنابل المسيلة للدموع، ومياه العوادم؛ وهي تغطي بثبات على مدى ربع قرن؛ مقاومة أهلها في فلسطين لنظام الفصل العنصري.
نزفت شيرين؛ برصاصة في الراس، وسالت دماء زهرة القدس؛ووصل نزف الجريمة الى مدن العالم.
ولعل الدوائر الروسية الضاجة بهدير العملية العسكرية في أوكرانيا؛ لم يتناهى الى سمعها؛ الوقع المدوي للجريمة الخارقة للصوت!

أحدث المقالات