19 ديسمبر، 2024 3:16 ص

شيرزاد برميل العقل..

شيرزاد برميل العقل..

(النفط يجعل العراقي اتكالياً.. يتوهّم نفسه غنيّا وهو الفقير)

يحرص الكثير من العراقيين على الترديد والتكرار، بان بلدهم غنيّ وميسور، ومتخم بالأموال، في إشارة الى برميل النفط.

وفي حين أنّ لا أحد يلْهى عن ذلك، الا انّ هذه المنطق لم يعد سليما اليوم، تدحضه الأرقام، فضلاً عن تجارب الشعوب التي ارتقت أعلى مستويات التطور الاقتصادي والاجتماعي، رغم افتقارها الى الذهب الأسود، بل لن يكون الحديث مُغالا فيه، حين تبصر الشعوب المتخمة بآبار النفط على درجة أدنى من الازدهار والمدنية والحضارة.

لنقُل بوضوح، انّ العقل اليوم هو الثروة، والابتكار والخلق هو الذهب الأسود، وانّ شركة موبايل كورية او أمريكية تربح في قطعة التلفون الواحدة نحو الثلاثمائة دولار، منتجةً الآلاف في اليوم الواحد، فيما لا تربح دولة نفطية من البرميل، سوى عشرين او ثلاثين دولارا، وقِس على ذلك.

يقول عالم جيولوجي عراقي، انّ قطعة موبايل، -على سبيل المثال لا الحصر-، لا تكلّف سوى بضعة غرامات من المعدن والبلاستك والزجاج، فضلا عن الأيدي العاملة، لكنها تدرّ مئات الدولارات من الارباح يعادل أضعاف واردات برميل النفط، فضلا عن انّ العقول التي صنعته، والأذهان التي ابتكرته، لا تنضب، وتتطور في استمرار، في محصلة متجدّدة من المشاريع العظيمة، والسلع الباهظة الثمن.

لقد انتهى عصر الثراء الذي تضخّه آبار النفط، حيث أرباح البرميل تتقاسمها رسوم التنقيب والاستثمار والأمن،

وباتت شركات الاختراع الكبرى في الالكترونيات والمعلوماتية والبرمجة، ووسائل الميديا، متفوقةً في مكاسبها على الشركات المستثمرة في النفط، تنقيباً واستخراجاً.

بل قٌل انّ شركات النفط لن تستطيع المضي في مشاريعها من دون الآلات والبرمجيات والمكائن والحواسيب التي تنتجها الألباب.

الدول التي تنتج النفط باتت تعمل للدول الخلاقة والمبدعة، مشترية بأموال نفطها، عصارات الأفكار.

وأكثر من ذلك، إن بئر النفط في حقيقته هو صنيعة الذهن المبدع، وقدرات الخلق والاختراع، وهي التي تحصد اكثر من نصف أرباحه، ويمكن الوقوف قليلا على أرباح شركات النفطية الأجنبية من النفط العراقي، لتتأكدوا من دقة الأرقام.

هل تعلم ان القيمة السوقية لشركة آبل للحواسيب تبلغ 672 مليار دولار، فيما كسبت شركات التقنية الخمس الكبرى في مؤشر “ناسداك” الذي يقيس أداء شركات التقنية حوالي 200 مليار دولار في يوم واحد. وهذه الشركات الكبرى هي كل من فيسبوك وأمازون وآبل ومايكروسوفت وغوغل.

انّ صافي أرباح شركة Johnson & Johnson من تصنيع شفرات الحلاقة والمعدات الطبية نحو 17 مليار دولار في العام. فيما أرباح شركة China Mobile نحو 18 مليار دولار في السنة من تصنيع الموبايل، وصافي أرباح شركة تويوتا اليابانية 19 مليار دولار، فيما قطفت شركة سامسونج نحو ٢١ مليار دولار خلال عام واحد فقط.

هذه الشركات لا تبيع لك ثروة مادية مستخرجة من باطن الأرض، ولا تقطف لك المنتجات من الأشجار، بل تبيع لك عصارة العقول من إبداعات خلاقة غيّرت ملامح العالم، واختزلت الزمن والمسافات، وغيّرت الى الابد نظرتنا الى الثروة كقيمة، وطرق كسبها الابتكارية.

هذه الأرقام، تدعوك الى اليقظة من مخدّر النفط، والتفكير مليّا في هجر الكذبة الكبرى التي تعيشها شعوب النفط،

حيث يتباهى الفرد فيها بانه الأغنى في العالم، فيما واقع الحال، انّ نحو سبعين بالمائة من سعر النفط الذي نفرح لارتفاعه يذهب الى أصحاب العقول الأجنبية التي تنقّب وتصنّع.

دعونا نستثمر في العقل، لا في البرميل، وفي الفكرة، لا حقل النفط، وفي الابتكار، لا النمطية، ذلك انّ الشعوب المُخدّرة بالثروات الجاهزة، هي شعوب كسولة، متثاقلة، خاملة، وهي مهما امتلكت من الثروات، فإنّ مآل أرباحها الى الأمم المبتكرة، التي تحوّل الحجر الى ماء، والتراب الى ذهب.

أحدث المقالات

أحدث المقالات