23 ديسمبر، 2024 2:11 م

شيخ فلاسفة العراق المعاصرين وعميدهم حسام الآلوسي

شيخ فلاسفة العراق المعاصرين وعميدهم حسام الآلوسي

ما عساي أن أقول بهذا المصاب الجلل بفقد شيخنا وأستاذنا الفيلسوف وشيخ الفلسفة في العراق المعاصر، الأستاذ الدكتور حسام محي الدين الآلوسي، سوى أن أذكره بكلمات وأسطر في مقالتي هذه، ربما لا توفيه حقه ولكنها من نتاج توجيهه وأفكاره لنا وهو يبني في نفوسنا وعقولنا محبة التفلسف والعلم والاستزادة منه.
ذلك أن صحبتي وتجربتي الفلسفية معه والتي قاربت على الثلاثين عاماً بدون انقطاع وكانت تزداد رسوخاً يوماً بعد يوم وتتعمق روحياً ووجدانياً وفكرياً، ولم تنقطع عنه إلا بعد أن غادرنا إلى الرفيق الأعلى ليلة الإثنين السابع من شهر تشرين الأول (أكتوبر).
إذ كان أول اتصال علمي وفلسفي مع الفيلسوف الآلوسي في خريف عام 1978، عندما تقدمت برغبتي للدراسة في قسم الفلسفة بجامعة بغداد، وكانت المواد الدراسية في القسم تقوم على نظام الكورسات الفصلية وليس النظام السنوي كما هو المعمول به الآن بالجامعات العراقية، وكانت أول محاضرة دخلت فيها للقسم هي محاضرة الفلسفة والمجتمع للدكتور الآلوسي. وعندما أطل علينا بهيئته وهيبته ووقاره المعهودين، كنا نحن الطلبة في الصف لا يتجاوز عددنا العشرين من العراقيين والعرب، فوجئنا بالرجل وعلمه وسعة معرفته الفلسفية العميقة وقدرته على توصيل هذه المادة غير المحببة للنفوس عند من يسمعها لأول مرة، بأيسر وأبلغ عبارة وهذا لعمري هو التفلسف الحقيقي الذي يعيش التجربة بعمق وشفافية صوفية عالية، وقديماً قال الفارابي أن على ألفيلسوف أن يكون بليغاً يوصل عبارته بأيسر بيان، وهذه هي سمة فيلسوفنا الآلوسي.
في هذه المحاضرة  وهي الأولى طلب منا أن نجد المصادر والمراجع التي تَعقّد الصلة بين الفلسفة كفكر تأملي عقلي عميق وبين المجتمع بكل مكوناته الفكرية والعقيدية والثقافية، وكأنه كان يحس بغربتها في الواقع المعاش وابتعادها عنه لا بسبب وضعها بل بسبب وضع النخب منها.
قال: عليكم أن تجدوا الكتب الآتية: كتاب ليفي بريل عن فلسفة أوكست كونت، بترجمة المرحوم الدكتور محمود قاسم، وقد صدر في القاهرة في مطلع الخمسينيات من القرن العشرين، وكتاب كيله وكوفالزون عن المادية التاريخية والمادية الجدلية، والصادران عن دار دمشق، في سورية، وكتاب رسل عن مشاكل الفلسفة، وكتاب ديوي عن تجديد في الفلسفة، بترجمة أمين مرسي قنديل، والصادر في القاهرة، وهذه النصوص كلها مترجمة إلى العربية بإحكام.
وفي أثناء ذلك، ومن خلال محاضراته الشيقة، قرب إلينا الدكتور الآلوسي هذه المادة على وفق منهجه المعروف بالمنهج التكاملي الذي يأخذ ببنية الموضوع ككل وليس تجزيئياً كما يفعل بعض أصحاب المناهج الفلسفية، وهذه سمة منهجية كبيرة في الفلسفة تعمقت في كتب الآلوسي الأخرى والتي سنأتي على ذكرها الآن. وقد فعل هذا المنهج فعله في تكويني الفكري والمعرفي وممارساتي العلمية مع طلبتي فيما بعد وفي كتبي ومواقفي الفلسفية من المشكلات الحياتية والسياسية التي أواجها كل يوم.
وفي السنة التالية، أي في عام 1979تعمقت هذه العلاقة مع الفيلسوف الآلوسي، إذ أخذ بيدي أخذ أب حنون، عندما وجد في نفسه أني من القرب إليه، لأمر كنت أجهله في نفسي وأَضمره عليّ في حينه ولم يبحه لي إلا بعد مدة طويلة.
 في تلك المرحلة أي الثانية من حياتي الجامعية، قام الفيلسوف الآلوسي بتدريسنا مادة الفلسفة الطبيعية، وهي من المواد الفلسفية العويصة، ومع ذلك ونتيجة لقدرة الآلوسي الفلسفية في تفكيك مفرداتها وتقريبها لأذهاننا تخصصت أنا فيما بعد بهذه الفلسفة بأطروحتين، الأولى نظرية المكان في فلسفة ابن سينا، حصلت بها على درجة الماجستير بامتياز من جامعة بغداد عام 1985، وكانت تحت إشراف الأستاذ الدكتور عبد الأمير الأعسم، وأما الثانية فهي أطروحة دكتوراه، وكانت تحت عنوان: المادة والصورة والعدم. وأنجزت تحت إشراف فيلسوفنا الآلوسي، عام 1993.
وكان خاتمة هذه المرحلة التي أسميها أنا مرحلة الطلب والتلمذة مع فيلسوفنا الآلوسي في السنة الرابعة من دراستي الجامعية الأولية (البكالوريوس) في مادة ابن رشد، هذا الفيلسوف الذي أُعجب به فيلسوفنا الآلوسي وأعتبره أكبر معول لهدم الفكر التقليدي اللاهوتي في المجتمع ومن المنورين للفكر الإنساني جملة وتفصيلاً. إذ قام الدكتور الآلوسي بإلقاء دروسه علينا في هذا التخصص بالرجوع إلى كتاب المرحوم ماجد فخري عن ابن رشد فيلسوف قرطبة، ولكن فيلسوفنا الآلوسي لم يقف عنده، بل تجاوزه بالشرح والتحليل والنقد والمقارنة، وكانت حصيلة هذه المحاضرات أنها مخطوطة لديّ استعارها مني شيخي الآلوسي واحتفظ بها لتصدر فيما بعد كتاباً تحت عنوان: أزلية العالم عند ابن رشد.
وعندما تخرجت في قسم الفلسفة وكنت الأول على دفعتي فيه وذلك عام 1982، تقدمت في ذات السنة لنيل درجة الماجستير في الفلسفة، وكانت اللجنة التي قابلتني تتألف من فيلسوفنا الآلوسي ومن المرحومين الفيلسوف الدكتور ياسين خليل (ت1986 م) والدكتور عرفان عبد الحميد فتاح (ت 2007)، ومما أذكره ما قاله ليّ الآلوسي: (حسن) أنت طالب واعد، وتنتظر منك الفلسفة أن تعمل شيئاً فيها، أنت مقبول لديّ لدراسة الماجستير، ومثل ذلك فعل المرحومان ياسين خليل وعرفان عبد الحميد فتاح، رحمة الله عليهم أجمعين.
تعمقت بشكل لافت للنظر بعد هذه المرحلة علاقتي بالآلوسي عندما قدمت رسالتي للمناقشة العلنية، إذ كان هو حينها رئيساً للجنة المناقشة، ومعه الأستاذ الدكتور ناجي عباس التكريتي، فقال لي: أن هذه الرسالة تستحق أن تمنح دكتوراه لكن التعليمات عندنا تمنع ذلك. ولو كان بيدي لأعطيتك إياها. أنظروا لعلم الآلوسي وأخلاقه ومتانة علمه ورصانته الأكاديمية.
وجدت بعد ذلك مجالاً للعمل تدريسياً بالجامعة، وبقيت هذه الصلة الروحية والوجدانية والفكرية مع الآلوسي وأخذت تتعمق كثيراً وكثيراً فكنت أسأله على كل ما أجده من صعوبة في التدريس وأنا في أول عهدي بالجامعة وكان دائم الاتصال بي يسأل عن أحوالي ومشاريعي العلمية الموعودة لأنه كثيراً ما كان يقرأ لطلبته ويؤشر لهم مواطن القوة والضعف في أبحاثهم العلمية وكنت أنا من الذين نالوا هذا النصيب من ملاحظاته العلمية حتى استقر الأمر أخيراً على أن كان هو أحد ثلاثة من الذين تكونت منهم لجنة الترقية العلمية لمنحي درجة الأستاذية في الفلسفة فأصبحت بفضله وبفضل المرحوم الدكتور كامل مصطفى الشيبي (ت2006م) أستاذا في هذا التخصص ولأكمل ما بدآه من مسيرة علمية راسخة وعميقة.
وبين هذه وتلك أي بين مرحلة الماجستير والدكتوراه حدث ما حدث بيني وبينه من حوارات فكرية وعلمية تكللت أن طلب مني أن أعيد كتابة كتابه عن فلسفة الكندي وآراء القدامى والمحدثين فيه، والذي كان مخطوطاً لديه وبقلمه الشريف ولكن لصعوبة واعتذار أهل الطباعة عن طبعه بسبب خطه وتداخل ملاحظاته فقد تحول الأمر لي لفصل المشكل فأعدت كتابته مرة أخرى، ولكن هذه المرة ليذهب الكتاب إلى دار الطليعة ببيروت فيصدر عنها طبعة أولى عام 1985م، لم تتكرر إلى يوم وفاته بثانية، على الرغم من أهمية الكتاب وموضوعه واختفائه من الأسواق، ولا سيما هو يتحدث عن أول مؤسس للفلسفة العربية الإسلامية عراقي المنبت والثقافة والفلسفة والرؤية ألا وهو أبو اسحق يعقوب بن يوسف الكندي، الكوفي البصري البغدادي.
وبهذا استطيع القول أن صلتي بفيلسوفنا الآلوسي فيها شبه من صلة أبي عبيد الجوزجاني بشيخه الشيخ الرئيس أبو علي ابن سينا، الذي حفظ لنا سيرة أستاذه وأكملها وحفظ بعض من تعليقاته ونوادره.
كل هذا وغيره، لم يزل لا يغطي من سيرة وشيم وأخلاق وعلم ونباهة وشفافية ورحمة هذا الإنسان الفيلسوف الكبير، بكل ما تعنيه الكلمة من معاني لربما يعجز اللسان عن قولها، أو كما قال الصوفية من قبل: إذا اتسعت الرؤية ضاقت العبارة.
الإنجاز الفلسفي للدكتور حسام محي الدين الآلوسي
إن كتب وأبحاث الفيلسوف الآلوسي على كثرتها وتعدد موضوعاتها تشكل مكتبة فلسفية عراقية عربية إسلامية معاصرة، ذلك أنها عالجت موضوعات حيوية جداً في الفكر الإسلامي بشقيه الفلسفي والكلامي، فضلاً عن مطارحاته الفلسفية مع الفلاسفة العرب المعاصرين من أمثال الدكتور حسن حنفي في كتابه تجديد علم الكلام، والدكتور محمد عابد الجابري في كتابه بنية العقل العربي وغيرها من الكتب، والدكتور صادق جلال العظم في كتابه نقد الفكر الديني، والدكتور حسين مروة صاحب كتاب النزعات المادية في الفلسفة العربية، والدكتور طيب تيزيني صاحب كتاب مشروع رؤية للفكر العربي في العصر الوسيط، وغيرهم من الكتاب العرب الذين يشغلون الساحة الفلسفية والفكرية العربية بنتاجاتهم وكتبهم القيمة.
 ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل أن الآلوسي ليس فيلسوفاً بالفعل فقط على وفق لغة أرسطو، بل وشاعراً بالفعل، إذ كتب ديواناً في الشعر من خلال حبه لوطنه وأسباطه، تتجلى فيه الروح الفلسفية والصوفية والموقف الإنساني العميق من مشكلاته التي يريد لها حلاً أبدياً، في الحياة والموت والحرية الإنسانية والخلود والعلم والخرافة وغيرها من المواقف الفلسفية، إلى جانب القصائد الوجدانية عن الغربة وفراقه لأسباطه ولُحمته وهو خارج الوطن لمدة طويلة، إذ صدرت هذه القصائد بديون تحت عنوان: زمن البوح، بغداد 2009.
وتتجلى فلسفة الآلوسي في كتبه التي بدأ مشروعه أول مرة فيها بكتاب مشكلة الخلق في الفكر الإسلامي، (The Problem Of Creation In Islamic Thought)، والذي هو بالأصل أطروحة دكتوراه في الفلسفة من جامعة كيمبردج 1965. وكان عمر فيلسوفنا الآلوسي لم يتجاور الثلاثين. وقد طبعت هذه الأطروحة في أصلها الإنجليزي، بغداد عام 1968، وظهرت لها أخيراً ترجمة عربية قامت بها باسمة جاسم خنجر تحت إشرافه في بيت الحكمة ببغداد.
هذه الأطروحة المتميزة في موضوعاتها التي تناولتها في الفكر الإسلامي والتي تشكل الأساس العقيدي لهذا الفكر، إذ درس فيها الفيلسوف الآلوسي موضوعات ذات أهمية قصوى مبيناً رأيه الفلسفي الناقد، ولاسيما موضوع الخلق والقدم والوجود، وهل صرحت الكتب المقدسة من توراة وإنجيل وقرآن، فضلاً عن الأحاديث النبوية المروية بهذا الصدد، أن الخلق للعالم تم من عدم أم من مادة أولى محايثة للإله. إذ صرح الفيلسوف الآلوسي في أطروحته هذه أن الكتب المقدسة والأحاديث النبوية المروية بهذا الصدد لم تشر من قريب أو بعيد إلى فكرة الخلق من عدم، بل أن المفهوم هو من نتاج المدارس الكلامية اللاهوتية، وهي التي أسبغت هذه المقولات على النصوص الدينية المقدسة. وذلك من خلال منهج يربط النص بلغته آنذاك، وبالفكر السائد في حينه وقبله، وبرؤية شاملة للنص وليس تجزئته.
كما أشار الآلوسي في هذه الأطروحة لقصة آدم عليه السلام ومعصيته الشيطان التي أثارها صادق جلال  العظم، وكذلك حول الخطاب الديني والتأويل والتلوين التي أثارها نصر حامد أبو زيد وفؤاد زكريا وآخرون، فهو بذلك يكون قد سبقهم جميعاً في ذلك وله الريادة فيها. وذلك بالتحديد في محاضرة له في مؤتمر الخريجين بلندن 1961، وكان حينذاك طالباً للدكتوراه في جامعة كيمبردج، وشارك نيابة عن الطلبة العراقيين والعرب، وواجهت المحاضرة اللعنات من قبل بعض الحاضرين، وهي قراءة للقرآن الكريم والإسلام مع الحداثة اليوم من خلال قراءة جديدة للنص الديني تقوم على لغة النص آنذاك، فضلاً عن التراكم المعرفي والوضع الاجتماعي والفكري، وكُلية أو مجموع النصوص، وربط النص بالزمان والمكان الذي أنتج النص، وما تزال المحاضرة إلى الآن مخطوطة من (60) صفحة مع مراجعها القديمة المباشرة، وقد دخل قسم منها في بحث الفيلسوف الآلوسي (حرية اللاحرية) الذي شارك به في المؤتمر الفلسفي الخامس، الذي عقدته الجمعية الفلسفية الأردنية بعمان 1998.
أما كتابه حوار بين الفلاسفة والمتكلمين الذي صدرت لها طبعات عدة في العراق وخارجه، يعدُّ أول بداية فلسفية محكمة في اللغة العربية للفيلسوف الآلوسي، الذي صدر في نهاية الستينيات من القرن العشرين. إذ عالج فيه موضوعات الفلسفة الإلهية والميتافيزيقية في واحدة من أعوص المشكلات الفلسفية في تاريخ الفلسفة إلى اليوم، فعرض فيه لآراء الفلاسفة واللاهوتيين ولاسيما آراء أرسطو والمدرسة الفيضية الإسلامية وموقف المتكلمين من مشكلة الوجود ونقد الغزالي للفلاسفة وردود ابن رشد، إذ يقف القارئ أمام كتاب كأنه حديقة غناء فيها كل شيء من الفكر الفلسفي القديم والوسيط مع طرح موقف وآراء الفيلسوف الآلوسي منها بشكل طريف وجاد، يظهر لك مقدرته الفلسفية من هذه المشكلة الفلسفية العويصة.
وكان بالإمكان أن يكون للكتاب سلسلة متواصلة في هذا الموضوع وغيره إلا أن الشواغل العلمية الأخرى للآلوسي أبعدته عن إنجاز وإتمام هذا المشروع الفلسفي المهم.
الأمر لم يقف عند هذا الحد، فقد نظر الفيلسوف الآلوسي إلى مشكلة فلسفية تتعلق بالوجود والمعرفة والعلم، ألا وهي مشكلة الصفات وعلاقتها بالمعدوم في الفكر الكلامي الإسلامي، ولاسيما ما طرحه المتكلمون المعتزلة في هذا الصدد، فخرج بأحكام فلسفية غيرت الكثير من التفسيرات بهذا الصدد، فتوصل إلى أن أصل مشكلة المعدوم الفلسفي هو مشكل يتعلق بالعلم الإلهي وليس متعلقاً بمشكلة الوجود. فهو بذلك قد نقل الجدل فيها من الميتافيزيقا إلى المعرفة. وعليه فإن تناول الآلوسي للمسألة حول المعدوم وأن المعتزلة لا يضمرون قدم مادة العالم أو الهيولى، وهو بذلك أسبق باحث عربي وعراقي قد تناول المسألة مع كل النتائج التي ترتبت علها، على وفق حكم المرحوم الدكتور أحمد محمود صبحي (ت2012).
ثم بيَّن أن قيمة البحث في فلسفة الغزالي (أبو حامد محمد بن محمد)، وإبراز دوره الفلسفي إنما يكون بدراسة الغزالي كمشكل فلسفي خالص، وقد نظر إليه من زاوية المنهج التكاملي الذي يأخذ بالظاهرة الفلسفية من كل جوانبها ويدرس بنيتها بشكل جدلي تأريخي، مستعيناً بأدوات علمية عدة، فتوصل إلى أن الغزالي هو الفيلسوف الذي أجرى إنعطافة في علم الكلام الإسلامي وذلك بتبنيه مصطلحات فلسفية في علم الكلام، وقد نحى من بعده المتكلمون هذا المنحى. والمهم أن البحث قد قدم منهجاً يقوم على تعددية الخطاب لدى الغزالي، وأنه كفر الفلاسفة باعتباره أشعرياً ليس إلا. بينما في كتبه الأخرى يقول بكل ما كفر به ابن سينا والفارابي.
إن هذه الدراسات وغيرها إنما قامت على فهم منهجي كبير ومتكامل يأخذ بالظاهرة الفكرية في زمانها ويربطها بالوضع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والمعرفي والعلمي، وهو بذلك قد سبق الكثير من الباحثين العرب في هذا المضمار ولا سيما الباحث الدكتور نصر حامد أبو زيد المعروف بدراساته المعمقة في علم الكلام والتصوف وغيرها من الموضوعات المهمة.
وعلى الرغم من أن الفيلسوف الآلوسي قد كتب في الفكر الفلسفي العربي الإسلامي الوسيط، إلا أنه نظر إلى هذا الفكر من خلال معطيات العلم والفلسفة في عصر النهضة الأوربية وما تلاها من تطورات علمية في مجالات عدة في الفيزياء والكيمياء والرياضيات والبيولوجيا (علم الأحياء) ونظرية الكوانتم لهايزنبرج، ونظرية التطور لدارون، والمادية الجدلية والتاريخية الماركسيتين، وغيرها من الآراء الفلسفية والعلمية. فكانت حصيلة هذه العلوم المتنوعة أن أنتجت مواقف فلسفية محكمة للآلوسي، منها موقفه من الفلسفة اليونانية وادعاء البعض أنها معجزة كما يقول الفيلسوف برتراند رسل (ت1970)، وغيره من الفلاسفة ومؤرخي الفلسفة الغربيين، فكانت ردود الآلوسي عليهم أن هذه الفلسفة ليست إبداعاً يونانياً خالصاً وأنها ليست بمعجزة، بل هي جملة تراكمات معرفية وحضارية سبقت الفلسفة اليونانية ظهرت في الشرق عند العراقيين القدامى، والمصريين والهنود والصينيين وغيرهم، وأن ذلك تحول كمي وكيفي وليس قفزة نوعية بلا جذور، وأن  الفلسفة عند أفلاطون ومدرسته هي تأمل عقلي خالص يمتد بجذوره وأسسه من  الميثولوجيا، كما ان جزءاً من هذا القول بالمعجزة اليونانية يبنى على نظرية المركزية الغربية الأوربية، وأن اليونان في عصر أفلاطون ومن سبقه ومن تلاه إنما هم أقرب إلى روح الشرق من الغرب، أي ثقافة البحر الأبيض المتوسط، كما أوضح ذلك فيما بعد الباحث جورج طرابيشي في كتابه نقد العقل العربي، الجزء الأول. وكذلك اتفق مع الفيلسوف الآلوسي الباحث المصري الدكتور مصطفى النشار في كتابه تاريخ الفلسفة اليونانية من منظور شرقي. وقد ظهرت آراؤه تلك في كتابه القيم والعميق، الموسوم: بواكير الفلسفة قبل طاليس، أو من الميثولوجيا إلى الفلسفة عند اليونان، والذي طبع بأكثر من طبعة في الكويت وبغداد  وبيروت. 
إن هذه النتيجة التي توصل إليها الفيلسوف الآلوسي إنما بنيت على معطيات العلم في وقتنا هذا، ولا سيما على آراء العالم بافلوف وأبحاثه في مجال علم نفس التعلم أو ما يسمى بالاقتران الشرطي، إذ أفاد منها الفيلسوف الآلوسي وطورها لصالح واحدة من أهم المشكلات التي تواجه الإنسان العربي في عصرنا وموقف الغرب وفلاسفته من الفلسفة والعلم العربيين وأن الفلسفة، وأن العقل الشرقي لا ينتج أي مقولات فلسفية وهو عقل أقرب إلى الخرافة والأسطورة منه إلى الفلسفة والعلم. إنه دفاع منظم من قبل الفيلسوف الآلوسي وهجوم علمي على منكري حق التفلسف على أهل الشرق من الغربيين الذين يعيشون في عقل المركزية الغربية وينكرون على الآخرين حق التفلسف والعلم والفن والأدب، وخير مثال أورده هو ما أنتجه العقل العراقي من ملاحم وأساطير وأشهرها في الأدب الإنساني ملحمة كلكامش، وأسطورة إينما إيلش التي تتحدث عن كيفية الخلق، وكيف أفادت منها الديانات السابقة على الإسلام ولا سيما الديانة اليهودية في كتاب التوراة وفي سفر التكوين بخاصة.
وطبق أيضاً الفيلسوف الآلوسي قراءاته هذه على مشكلة الزمان في الفكر الفلسفي والديني القديم وفي فلسفة العلم، فقد وقف طويلاً أما مشكلة الزمان كما طرحتها الأديان والفلسفات القديمة والوسيطة الإسلامية، فعرض لمشكلة الخلق وعلاقتها بالزمان من وجهة نظر المتكلمين والمفسرين والمحدثين، ثم عرض لآراء الفلاسفة من أفلاطون وأرسطو وأفلوطين اليونانيين، والفلاسفة المسلمين من أمثال الكندي والفارابي والرازي (أبو بكر) وابن سينا ومسكويه وأخوان الصفا والغزالي وابن رشد، ووقف أمام آراء المتكلمين الفلاسفة من أمثال فخر الدين الرازي ونصير الدين الطوسي وصدر الدين الشيرازي وأضرابهم، فكان الكتاب فاتحة لبحوث معمقة صدرت فيما بعد لباحثين آخرين من العراق أو غيره. ولاسيما من طلبة الدراسات العليا في قسم الفلسفة بجامعة بغداد، فضلاً عن أقسام الفلسفة بالجامعات العراقية الأخرى.
إن كتب الفيلسوف الآلوسي من التي أشرنا إليها وهي: حوار بين الفلاسفة والمتكلمين، ودراسات في الفكر الفلسفي الإسلامي، ومن الميثولوجيا إلى الفلسفة، والزمان في الفكر الديني والفلسفي القديم، إنما تريد أن تؤسس لموقف فلسفي علمي أساسه هو: أن الفلسفة العربية الإسلامية هي ليست نسخة مكررة للفلسفة اليونانية، وليست بشارحة لها ومحافظة عليها من الضياع، بل هي فلسفة حقيقية تعبر عن موقف الفلسفة العربية الإسلامية من المشكلات العقلية التي تواجهها، وأنها تتضمن الجدة والأصالة في طرحها وحلها لهذه المشكلات من أمثال الوجود والنفس والعقل والعالم والله والحرية والسياسة والمجتمع والأخلاق وغير ذلك.
ولم تقف معالجات الفيلسوف الآلوسي أمام مشكلات الفلسفة بأبعادها الميتافيزيقية والفيزيقية، بل انتقلت هذه المعالجات إلى الأخلاق، فصدر لفيلسوفنا كتاب التطور والنسبية في الأخلاق، إذ أسس فيه الآلوسي تصوراً جديداً في دراسة الأخلاق والقيم من منظور مختلف، ألا وهو منظور المطلق والنسبي، فوقف أمام فكرة المطلق وحلل أصولها وأسباب ظهورها والنظريات الفلسفية التي فسرتها ووقفت منها موقفاً إيجابياً، ولا سيما الفلسفات المثالية متمثلة بأفلاطون وشيعته، كذلك فسر موضوع النسبية وأن المواقف الإنسانية من القيم والأخلاق إنما تأخذ بعداً نسبياً عند التطبيق وبعداً مطلقياً عند التنظير.
 فمثلاً، الحق مطلوب لذاته في كل مكان وزمان وعند كل الأمم والشعوب والفلسفات والأيدلوجيات والأديان، وهذه صفة المطلق في الحق، لكن عند التطبيق يأخذ أبعاداً نسبية تختلف باختلاف الثقافات والقيم والأفكار السائدة في كل مجتمع ودولة وزمان ومكان وظرف اقتصادي واجتماعي، وهذه هي النسبية في الحق. فكانت المعالجات مستمدة من المدارس الفكرية والفلسفية والاجتماعية التي طرحت موضوع الأخلاق وعالجته كل حسب تصوره وحكمه.
واستمر العطاء الفلسفي للآلوسي ولكن هذه المرة من خلال معالجة موضوعة الفلسفة والإنسان نفسه المنتج للتفلسف، إذ عد بعد التفلسف أحد الأبعاد التي يهتم بها الإنسان إلى جانب العلم والفن والدين، وكانت حصيلة ذلك كله أن ألف كتاب الفلسفة والإنسان، الذي صدر عن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي العراقية، إذ يقوم هذا الكتاب على نوع من التقويم للفكر الفلسفي من خلال محاور سبعة تصب كلها في جدول واحد هو ربطها بالإنسان صانعاً، دفعاً لكل إدعاء بعدم جدواها، وباستعلائها وبرجيتها، ومن جهة أخرى يلقي الكتاب الضوء الكافي على طبيعة مشكلاتها والحلول التي قدمت لها عبر تاريخ الفلسفة بما في ذلك الفكر الفلسفي غير المنظم، ويعتبر الآلوسي أن الفلسفة أحد أهم مظاهر الحضارة البشرية، فضلاً عن أن الكتاب يرسم الحدود الفاصلة بينها وبين العلم والخبرة البشريية في المناحي الأخرى، كما يضع تصوراً لتأسيس فلسفة في الفكر العربي المعاصر راصداً عوائق ظهورها الآن.
فضلاً عن ذلك فإن للفيلسوف الآلوسي عدة كتب وأبحاث أخرى في موضوع الإنسان، ولكن بعضها ما يزال مخطوطاً، وسنعمل ملحقاً بها في آخر هذا البحث.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فقد شارك الآلوسي في تأليف كتاب في الفلسفة لطلبة المدارس الثانوية في العراق، بعد أن أدخلت هذه المادة الحيوية مع علم الاجتماع، إذ ألفه الآلوسي ونشر من قبل وزارة التربية العراقية مع قسم عن علم الاجتماع وذلك عام 1990، ثم اشترك آخرون وصدر عن وزارة التربية في ثلاث طبعات، وهو من الكتب المدرسية الجادة والمهمة في تعلم الفلسفة وتعليمها، إذ أخذ بتيسير مفاهيمها وتبسيطها للطالب في هذه المرحلة، على الرغم من المواقف السلبية الرسمية وغير الرسمية في العراق من الفلسفة ومن المشتغلين بها، رغم محبة الجمهور من المثقفين بعامة لها، باعتبار أن العراق هو بلد الفلسفة الأول عبر التاريخ بشهادة الفيلسوف أبي نصر الفارابي في كتابه تحصيل السعادة. كما أضاف إلى سجله المدرسي في التأليف كتاباً إلى طلبة الجامعات العراقية عن الفلسفة اليونانية قبل أرسطو. إذ عالج فيه موضوع الفلسفة اليونانية معالجة تختلف في تفصيلاتها عن ما طرحه يوسف كرم في الفلسفة اليونانية وزكي نجيب محمود وأحمد أمين في قصة الفلسفة وغيرهم من الباحثين في هذا التاريخ للفلسفة، كون أن دراسة الفلسفة اليونانية في الجامعات العراقية تأخذ حيزاً كبيراً عند طلبة أقسام الفلسفة. وبذات المستوى صدر له المدخل إلى الفلسفة وهو مخصص لطلبة الجامعة.
بعدها توجهت أبحاث ومؤلفات الدكتور الفيلسوف الآلوسي إلى مناقشة نتاج الفكر الفلسفي العربي المعاصر، فتوجه بالدرس إلى ما كتبه الدكتور حسن حنفي حول تجديد علم الكلام في موسوعته المعروفة بذلك والمؤلفة من عدة أجزاء، فأعتبر الفيلسوف الآلوسي إنما قام به الدكتور حسن حنفي لا يعدو إلا تقويل للماضي ما لم يقله بصورة الحاضر وانه خلط للأوراق. وجعل الحاضر ماضياً والماضي حاضراً، يتجاوز أصول قراءة النص قراءة علمية مقبولة، على حد تعبير الدكتور نصر حامد أبو زيد. والبحث كما أشار الفيلسوف الآلوسي لشخصنا قبل وفاته، أنه طويل وما زال يكتمل، وقد ألقى الآلوسي موجزاً له في مؤتمر الإسكندرية، كانون أول 2005، وقد انزعج الدكتور حسن حنفي  من نقد الآلوسي له، وقال نصر حامد أبو زيد لحسن حنفي يجب أن لا تغضب بل تفرح للنقد، وسَبَبَ ذلك سوء فهم وبرود في العلاقة بين الآلوسي وحنفي، مع أنهما صديقان منذ مدة طويلة، ومع ذلك يقول الآلوسي أنه يحترم صديقه حسن حنفي، وأنه لم يُرد به سوءاً، وهذا ما فعله كما حدثني فيلسوفنا الآلوسي في حياته مع الدكتور طيب تيزيني، الذي كلما التقى به يتمازحان وبينهما تفاهم كامل، وكان الدكتور أحمد ماضي قد شهد آخر لقاء بينهما، في سنوية مكتبة الإسكندرية، وحاول بلطف ضاحكاً أن يذكر تيزيني بقسوة الآلوسي عليه، فكان تيزيني يبتسم ويبدي خالص المودة مع الآلوسي.
أما هل يوجد إبداع في الفكر الفلسفي العربي اليوم، مأخوذاً من نتاجات كتابها؟، وهل السبب سلبي أم إيجابي؟. كل ذلك عالجه الآلوسي في كتابه العقل والعقلانية العربية، طبيعة ومستقبلاً وتناولاً، إذ عالج مفهوم العقل والعقلانية في تراثنا الكلاسيكي خصوصاً، ثم ظهر له كتاب العقل العربي والإبداع، وهو غير كتابه السابق، ويتضمن ثلاثة موضوعات، الأول: عن إنجازات العقل العربي في الحقبة المزدهرة الكلاسيكية وقد أُلقي  قبل ذلك في مؤسسة شومان، حوار الشهر، 1/11/2001، أما الثاني، فكان عن تقييم الإنجاز الفلسفي العربي المعاصر، وقد ألقي من قبل في الندوة الفلسفية الثانية عشرة من 18/21 شباط، 2000. والثالث كان عن مناقشة مشروع الجابري بتفصيل، وهذا القسم نشره المجمع العلمي العراقي، بعنوان النهضة ومفهوم التراث، بغداد 1999.
فضلاً عن ذلك كله فقد نشر الفيلسوف الآلوسي جملة أبحاث ودراسات ظهرت في المجلات العلمية العراقية وشارك في العديد من المؤتمرات الفلسفية والعلمية في العراق وغيره، نشير إلى بعض منها:
(1). البنية والعلاقة، المجلة الفلسفية العربية، عمان، الأردن، المجلد 1، العدد1ـ2، شتاء 1990.
(2). الفلسفة والعلوم الأخرى، ضمن كتاب سلسلة المائدة المستديرة، بيت الحكمة، عدد18، آذار 1998.
(3). الدرس الفلسفي من خلال د. حسام الآلوسي. ضمن كتاب ملامح من المشهد الفلسفي في العراق المعاصر، بيت الحكمة، بغداد 1998.
(4). نقد المذاهب الأخرى من خلال المذهب التكاملي، ضمن كتاب الفكر الفلسفي العربي المعاصر، اتجاهات ومذاهب ومناهج وشخصيات، بيت الحكمة، بغداد 1999.
(5). نشأة الحياة، وقائع الحلقة النقاشية للمجمع العلمي العراقي، دائرة العلوم الإنسانية، منشورات المجمع العلمي العراقي 2000.
(6). الأنسنة عند ابن رشد، مجلة مقابسات البغدادية، العدد الأول 2005. ومجلة كلية الآداب، جامعة صنعاء، العدد 23، 2003.
(7). إمكان الحرية، مجلة مقابسات البغدادية، العدد الثالث 2007. وقد كلف أحد الزملاء ببحث هذا الموضوع المعمق والذي يطرح فيه الآلوسي تصوراته لإمكان الحرية الإنسانية، وهو من الموضوعات التي تشغل حيزاً كبيراً في فكر وعقل وفلسفة الفيلسوف الآلوسي. كما أكمل الآلوسي بحثاً عن الحرية وعنونه إمكان الحرية الاجتماعية والسياسية تناول فيه الديمقراطية وأشكالها الليبرالية والاجتماعية والماركسية، مع فصل عن قيمة المعرفة والمناقشة من توسيع إمكان هذه الحرية، معتمداً بالأساس على مؤلفات من أمثال حرية الفكر لجوين بيوري، والفكرة الديمقراطية لمنذر الشاوي، وكتاب الحرية لجون ستيورات مل، وهارولد لاسكي، وسينشر البحثان مع بحث حرية اللاحرية وبحث عن أصول الحوار وبحث عن ديمقراطية تقوم على ناخب متنور وواع، كل ذلك في كتاب عنوانه في الحرية، مقاربات نظرية وتطبيقية، صدر عن بيت الحكمة ببغداد.
(8). هناك العديد من الأبحاث العلمية الأخرى، وقد نشرها الدكتور الآلوسي في كتبه الأخرى ولا سيما موضوعات وأبحاث تخص محمد عابد الجابري وحسين مروة وتيزيني وناصيف نصار، وآخرون.
ولأن حياة الآلوسي الفيلسوف والإنسان مليئة بالأسرار والحكايات منذ نشأته الأولى في مدينته وحتى مجيئه للدراسة بجامعة بغداد وحصوله على البكالوريوس في الفلسفة، ثم انتقاله إلى انكلترا لدراسة الدكتوراه، وما تخلل ذلك من بحوث ومقالات ونصوص شعرية وقصائد تحكي تصورات الآلوسي عن الحياة والموت والخلود والحرية والكون، فقد تكلف الباحث الأديب القدير حميد المطبعي بعمل لقاءات عدة مع فيلسوفنا الآلوسي في كلية الآداب ببغداد وفي منزله، وقد تكلل ذلك بصدور كتاب عنوانه حسام محي الدين الآلوسي، ضمن موسوعة المفكرين والأدباء العراقيين، بغداد 1993. فضلاً عن كتاب مخطوط كبير الحجم بعنوان (حوار في الفلسفة والتقانة، أجراه مع الأديب اللامع حميد المطبعي وما زال ينتظر الطبع يوماً ما.
ولكن يبقى لهذا الفيلسوف حسه الفني المتميز بشعرٍ جمع في ديوان كبير تحت عنوان زمن البوح كما أشرنا لذلك من قبل،  ففي هذا الديوان تظهر شخصية الآلوسي البعيدة عن البحوث الفلسفية ذات الطابع المنهجي المحكم في المتن والحواشي والتعليقات، لتظهر شخصية فلسفية أخرى مخبوءة تحت عباءة النص الشعري، إذ كثيراً ما ضمن شعره تأملات فلسفية وصوفية من الحياة وتجاربها وكان رائده في ذلك الشاعرين العربيين الكبيرين أبي الطيب المتنبي وأبي العلاء المعري، اللذين أعجب بهما كثيراً في شبابه وتأثر وكتب فيهما أبحاث ومقالات قبل أن يدخل إلى الجو الجامعي الأكاديمي. وكذلك له رباعيات عددها 123 رباعية متأثرة بعمر الخيام. كما ألف الفيلسوف الشاعر الآلوسي كتاباً عن المتنبي وهو ما يزال طالباً في مرحلة الإعدادية، وبعد حصوله على الدكتوراه طور منه فصلاً ونشر في مجلة كلية الآداب، جامعة بغداد، العدد 3، 1967، بعنوان أضواء جديدة حول نبوة المتنبي وفلسفته. وعندما ظهر هذا البحث عن المتنبي، خاطبه الناقد العراقي الكبير الدكتور داود سلوم، الأستاذ بكلية الآداب، جامعة بغداد، قائلاً: كيف تسنى لك كتابة بحث بهذا العمق والشمولية، عن مسألة كبرى عن المتنبي.
فضلاً عن ذلك، فإن للفيلسوف الآلوسي كتبا أخرى وهو ما زال في الإعدادية، عن الأدب والمرأة. ما زالت مخطوطة، وهي: رسالة في الأدب، وعقلية المرأة وأشياء أخرى. وقصص قصيرة وطويلة، ومنها قصة طويلة جريئة متأثرة بكوميديا دانتي اليجيري، ورسالة الغفران لأبي العلاء المعري، وقد وصفها الأديب اللامع والصحفي المرموق حميد المطبعي في كتابه عن الآلوسي، وهذه القصة وغيرها من القصص ما تزال مخطوطة تنتظر النشر.
ولم يقف الأمر عند التأليف الفلسفي المنظم، أو الجانب الشعري في إنجازات الآلوسي، بل تعدى ذلك إلى تحقيق النصوص الفلسفية، فأنجز بالتشارك مع المرحوم الدكتور صالح مهدي الهاشم (ت2007)، تحقيق كتاب الأسرار الخفية في العلوم العقلية، للعلامة ابن المطهر الحلي، وصدر في بيروت 2006.
وقد أحصى الفيلسوف الآلوسي هذه الكتب في رسالته لشخصنا قبل وفاته وهذه الكتب هي:
 (1). كتاب في فلسفة التطور، باسم عالم يتغير (ملاحظات في فلسفة التطور). مخطوط
(2). الفكر الفلسفي العربي، شخصيات ومذاهب، في جزأين كبيرين، مخطوط
(3). مواجهات فلسفية في الوجود والمجتمع والأدب، مخطوط
(4). نقد مذاهب دراسات الفلسفة في الفكر العربي المعاصر. مخطوط
 (5). منهج في الفلسفة نظرية وتطبيق، سيظهر لاحقاً عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت.
 (6). طبيعة الفن ومكانته بين العلم والفلسفة، عن بيت الحكمة، بغداد 2008. وقد تم تصحيحه بشكل أولي. وفي هذا الكتاب جملة أبحاث عميقة للفيلسوف الآلوسي، منها مكانة الشعر والفن في ضوء سيطرة العلم، فضلاً عن أبحاث في  أن الفن بعد ثالث لمعرفة الإنسان إلى جانب الفلسفة والعلم، وأنه معرفة، مع تطوير لآراء هربرت ريد وجون ديوي وكولنجوود، وسوزان لانجر وآخرين، مع بيان الفروق والتماثلات بين الفن والفلسفة والعلم، وبحث في إيضاح أن العمل الفني موهبة قصدية وخطة وصناعة، وبحث في نظريات نشأة الفن، وأخيراً بحث في أهمية الفن التربوية من خلال آراء عدد كبير من الفلاسفة.
(7). بحوث نقدية في ضوء المنهج التكاملي، مخطوط
كما أن الباحثين من عراقيين وعرب قد كتبوا عن الآلوسي الفيلسوف والمفكر في حياته، عدة أبحاث مميزة، نشرت في مجلات علمية وشارك قسم منها في مؤتمرات جامعية، أذكر منها:
(1). د. علي حسين الجابري، أصالة الآلوسي الفلسفية في الفلسفة والإنسان، منشور، في مجلة الجمعية الفلسفية العربية، مجلد3، عدد3، كانون الأول 1994. وأعيد نشره مطوراً في مجلة أوراق فلسفية التي يصدرها قسم الفلسفة، بإشراف الدكتور عبد الحليم عطية،  كما أخبرني الدكتور علي الجابري أن لديه مشروع كتاب عن الآلوسي الفيلسوف ينتظر النشر.
(2). د. حسن مجيد العبيدي، بحث مناهج المحدثين العرب في قراءة التراث الفلسفي العربي الإسلامي، منشور في مجلة دراسات عربية البيروتية، عدد11/12، 1999.
(3). د. فوزي حامد الهيتي، إشكالية المنهج في الفكر العربي المعاصر، الآلوسي أنموذجا، بحث ألقي في المؤتمر القطري الأول للفلسفة في العراق، بغداد 2001. ويعد الهيتي كما أنا من طلبة الفيلسوف الآلوسي ومن الذين شربنا من معين نهره الصافي الرقراق.
(4). خصصت له مجلة أوراق فلسفية العدد التاسع، ثلاث بحوث عنه.
(5). وقد قام أكثر من عشرين باحثاً من تلاميذ الآلوسي وأصدقائه بالكتابة عنه، لربما تغطي نتاج الآلوسي الفلسفي والأدبي. صدر عن بيت الحكمة.
(6). كما كتبت أطروحتا دكتوراه عن فلسفته، في قسم الفلسفة، جامعة بغداد، وتحت إشرافه، الأولى: تحت عنوان: التجربة الفلسفية لحسام محي الدين الآلوسي، للسيد حسين عبد الزهرة. والثانية: عن نظرية المعرفة في الفكر العربي المعاصر (مصر والعراق)، للدكتور صباح حمودي نصيف،  والذي خصص فيها فصلاً عن نظرية المعرفة عند الفيلسوف الآلوسي. وقد طبعت كلتا الأطروحتين وصدرتا عن بيت الحكمة ببغداد.
وختاماً، أقول: تخرج على يدي الفيلسوف الآلوسي عدد غفير وكبير من طلبة الدكتوراه والماجستير، عراقيين وعرب، يشغلون الآن مناصب علمية مرموقة بالجامعات العراقية والعربية، وما كاتب هذه السطور إلا أحدهم. فرحم الله الآلوسي يوم ولد ويوم تفلسف وأبدع ونظر في الفلسفة نصاً عراقياً بامتياز، وكتب شعراً ينبض بالحياة والخلود. وجعل الله مثواه الجنة، والصبر والسلوان لمحبيه وزملائه وطلبته وقرائه.