23 ديسمبر، 2024 4:51 ص

ما أقذر الحرب التي نعيشها اليوم، حرب بلا أسرى ولا جرحى، لا خاسر فيها ولامنتصر. حرب ليس فيها الموت ذي معنى، فهو تحصيل حاصل، لكن المعنى يكمن في كيف سيكون الموت نفسه وماهو الأسلوب المتبع الأكثر إيلاما ً في النفس يمكن إستخدامه من أجل خلق حالة من الرعب، إنها حرب نفسية قبل أي شييء. كل يوم لانرى قتلى بقدر مانرى تنكيل قبل القتل أو أساليب مبتكرة للقتل ولايشفى الغليل إلا بعدما يتم التمثيل بالجثة. كم هائل متراكم من الحقد والعنف والقسوة الغير مبررة والتي لها ظروفها التاريخية والسياسية الموضوعية. نعم, عندما يتجاوز حد القتل بالنتكيل بالجثث والتمثيل بها فهذا يعني بالتأكيد أن هناك خلل نفسي يتحكم في عقولنا ويسيطر على وعينا ليحولنا لآلات ليست للقتل فقط بل للإنتقام أيضا ً.

كل فئة تجعل من نفسها آلهة وتحول الآخرين إلى شياطين فتجيز قتلهم، الكل يصيح الله أكبر عند القتل والكل يعتقد أن قتلاه تذهب للجنة وقتلى العدو يذهبون إلى النار. لاتوجد رغبة للقتل وثقة عمياء بالمصير المحتوم كما نحن عليه عندما نقف متقابلين كالأعداء يقتل بعضنا البعض في حرب مقدسة الكل يعلم أن لامنتصر فيها. الساحة منقسمة لنصفين، شياطين وآله، والكل يحاول أن يثبت بأنهم آلهة والباقي من الشياطين. لاينتمي محاربونا لهذا العالم فهم من عالم آخر قد قضى قبل ألف عام ونيف، فمقاتلونا تاريخيون بإمتياز أما الحاضر فلايعني لهم شيئا ً أبدا. الصراع في ساحاتنا ليست له أهداف سياسية لتكون الحرب أداة للوصول إليها بل هي غاية في ذاتها. الحرب عندنا من أجل الحرب نفسها فهي في مفاهيمنا صراع بين الحق والباطل، بين الله والشيطان، بين الحسين ويزيد. ربما ليس للوجود معنى سوى الحرب فهي تعني لنا الكثير وحين نواصلها بالنفخ في رئيتيها ونسيح الدم من عروقها فذلك من أجل أن نحس بالمعنى الحقيقي من وجودنا. حروبنا مقدسة وإن كانت بأسم الله الوطن أو الأرض.

نعم، هذه الصورة التي ترسخ في أذهاننا عن أنفسنا وعدونا ومعنى الحرب في حياتنا، حتى لو كانت أهدافنا حقيقية ومشروعة تبقى أيضا ً مقدسة. لكن لحربنا معنى آخر في أذهان الآخرين! فهناك من ينتظر أن لاينتصر أحد فينا، وهناك المنتفع من بيع الأسلحة، وهناك من يسعى للسيطرة على الموارد التي تتمتع فها المنطقة، وهناك من يريد أن يستنزفنا حد الموت ولاينقذنا شيء إلا حينما نصبح دويلات متفرقة بالتفرقة نفسها. الكل له أهداف سياسية إلا نحن، وما نحن ألا ماكنات للموت تقتل بلارحمة. فنحن تاريخيون نبحث في سفر الرؤيا عن ظهور المهدي المنتظر والأعور الدجال والمسيح المخلص فنحن لسنا من هذا الكوكب على الأطلاق، لسنا أرضيون ولانسبيون نؤمن بأنصاف الحلول والتفاوض والتفاهم والحوار والتواصل، الحياة عندنا أما أسود أو أبيض، معي أم ضدي وهكذا!

لاينكر أحد بأن طريقة التفكير تلك هي ماورثناه من آبائنا وأجدادنا فنحن أبناء داحس والغبراء والبسوس فهل يحدث مانحن فيه صدمة ثقافية نعيد فيها قراءة تراثنا وثقافتنا مرة أخرى, أم نحتاج لصدمة من نوع آخر؟ هل سنستطيع أن نعود للأرض مرة أخرى ونعيش بسلام كباقي الشعوب في العالم بلاعنف ولاحرب ولامشاهد للسحل والحرق نستفتح بها صباحاتنا كل يوم. هل هناك ممن يستطيع أن يذكرنا بأننا بشر لنا مشاعر وأحاسيس وأحلام ولسنا شياطين أو آله ولاحتى ملائكة؟نحتاج للصدمة، نعم، صدمة أكبر من التي نعيش بها الآن ونرقص على أنغامها كطقس مقدس. نحن بحاجة لصدمة تعيد لنا وعينا، وعينا بوجودنا في

الحاضر. إن لم تأت تلك الصدمة من الخارج سنقوم بها نحن، صدقوني تنتظرنا صدمة كبيرة أما سننهض بها من جديد وإما تودي بنا لنصبح شيئا ً من التاريخ!!

[email protected]