22 ديسمبر، 2024 7:00 م

شيء من الإعلام الكاذب

شيء من الإعلام الكاذب

العراق دخل في دوامة خارجية سلبت إرادته وجعلته يدور في إطار الانفعالات وردات الفعل . كانت الاتفاقية العراقية الصينية بداية أمريكية لخلط الأوراق والسعي لإقالة الحكومة العراقية . وكان دور الإعلام التسبب بضبابية أمام الجمهور العراقي ، بالإضافة إلى دور گروبات مواقع التواصل الاجتماعي لتثوير الشباب . فابتدأت مسيرات ضخمة تطالب بإسقاط مجمل المنظومة السياسية العراقية ، مع حملة إعلامية أضخم تحمّل الجمهورية الإسلامية في إيران مسؤولية الفساد السياسي الحزبي في العراق . وإيران وإن كانت تتحمل سوء فهمها للمشهد الاجتماعي العراقي ، إلا أن المنظومة السياسية الفاسدة صناعة أمريكية خالصة ، بأنظمتها وأحزابها .
وقد استغلت الجماعات السرية من بعثيين وارهابيين ويمانيين وصرخيين مجمل الاضطراب الأمني وارتباك المؤسسة الأمنية التي خلّفها نظام المالكي وكذلك أمية الإدارات المدنية فنزلوا إلى الشارع ، بحثاً عن ثارات وحقداً على مجمل الحراك العراقي .
وحين تم كشفهم ونبذهم من قبل العشائر العراقية كانت قد تشكلت مجموعات عارضة من العصابات الصبيانية ، والتي بلغت إحداها في ذي قار مثلاً نحو مائتي عنصر ، وهو فوج مكافحة الدوام ، الذي أغلق جميع الدوائر ، وبدأ بحمل السلاح ، فقامت بعض الدوائر بدفع اتاوات أسبوعية من أجل إعادة فتحها .
وكان دور القنوات الفضائية العراقية و العربية تأجيج الأوضاع كلما حاولت القوى الأمنية كبح جماح هذه العصابات ، فيما تعجز التجمعات المركزية للتظاهرات الوطنية عن التأثير في حركة هذه التشكيلات شبه العسكرية . ( واذ اخذ الله ميثاق الذين اوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون ) . ومن هنا اختلطت الأوراق على الناس – وفق الإرادة الأمريكية – وذهب ضحية هذا الخلط الإعلامي دوائر وأشخاص ومشاريع وعقول . لذلك يمكن تسميته الإعلام القاتل .
إن المنظومة السياسية العراقية الفاسدة تسببت بخراب العقلية العراقية قبل البنى الوطنية ، وأقل ما يجوز فيها تنحيتها من خلال قانون انتخابات عادل ، لكن مع تنحية الجانب الأمريكي المشرف عليها ، فهي الدولة التي تستولي على الأرض والنفط وعلى كبرى المشاريع في العراق ، وهي التي تتحكم بمجمل الأمن العراقي ، وليس من الصدفة أن تنطلق مجاميع الدواعش من خلال مناطق القواعد الأمريكية لتقتل العراقيين في ظل تواجد تلك القواعد . ليُظهر الإعلام أنها تقود تحالفاً دولياً لمحاربة داعش . حتى وصل الأمر إلى قصف القواعد العراقية بصورة مباشرة من قبل الطائرات الأمريكية .
فيما لا توجد قاعدة إيرانية واحدة في العراق ، ولا حتى جندي إيراني واحد ، وأن كل الضباط الإيرانيين الذين دخلوا العراق كانوا يتحركون تحت اشراف الأمن العراقي . وليس لإيران حصة في حقول النفط العراقية التي اعطتها جولات التراخيص للشركات الأوروبية والأمريكية . وليس من الصدفة أن يتضمن الإتفاق العراقي الصيني اشتراط الحكومة العراقية رغبتها في مشاركة الشركات الامريكية والأوروبية في الحصص الصينية ، وليست إيران .
إلا أن دور الإعلام كان إظهار الاتفاقية الإستراتيجية بين العراق والصين على أنها انتصار للمحور الايراني في الحكومة العراقية . رغم أن ما حصل هو تحرر العراق من الهيمنة الإقتصادية الأمريكية .
إن الإدارة الأمريكية غير مستعدة قطعاً لتسليم العراق للصين ، وهي متجهة بقوة لتحريك الشارع بإستمرار ، وهو الشارع الذي له حقوق فعلية وواقعية أمام الأخطبوط السياسي ، وهو العنصر الذي تستغله الإدارة الأمريكية لسحب شرعية الحكومة والبرلمان ، ومن ثم الإتيان بقوى عسكرية وصبيانية لعرقلة هذه الاتفاقية ، بالإضافة إلى طرد فصائل الحشد من العملية السياسية ، ومن ثم تطويقها عسكرياَ لاحقا .
إن بقاء فصائل الحشد في العمل السياسي رهان مادي مبتني على رهانات ثراء ونفوذ فردية . ( فلما فصل طالوت بالجنود قال ان الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فانه مني الا من اغترف غرفة بيده فشربوا منه الا قليلا منهم فلما جاوزه هو والذين امنوا معه قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده قال الذين يظنون انهم ملاقو الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة باذن الله والله مع الصابرين ) .
وعَوداً على الإدارة الأمريكية ليس من الصدفة أن يكون اليوم الأول للائتمان المالي العراقي في الصين هو يوم 1/10/2019 ، وهو يوم إنطلاق الانتفاضة التشرينية في العراق ضد الكيانات الفاسدة . وقد بلغ هذا الائتمان لغاية نهاية الشهر الثاني عشر من عام 2019 م نحو نصف مليار دولار .
ومن خلال تحريك الأدوات الأمريكية على الأرض العراقية أصبحت العصابات تنتشر بشكل كبير ، وهناك رغبة عارمة لدى العشائر العراقية في إيقافها ، إلا أنها تخشى من تأجيج الأوضاع ، وبالتالي نجاح مشروع الاقتتال الأمريكي .
غير أن الأمريكان انتقلوا إلى مرحلة البلطجة بعد فشل مشاريعهم التخريبية ، إلى أن وصلوا الى التهديد بتقسيم العراق في ظل القوة الأمريكية . رغم أن الكثير من سنة العراق شاركوا القوى الوطنية في إصدار قرار إجلاء القوات الأجنبية . سوى الأكراد الذين يعملون تحت ظل القبائل البارزانية والطالبانية وغياب باقي المنظومة الكردية عن المشهد الوطني .
وقد كشفت الأحداث الأخيرة عن سذاجة إعلامية من نوع آخر ، لقنوات محور المقاومة الفضائية ، التي كانت أشد انفعالاً من الإعلام الإيراني وأكثر تهورا . إن المراهنة على الموت غبية ، وآخر العلاج الكي ، والإعلان عن أدوات القوة أغبى وانفعال طفولي ، وكشف للأوراق يعطي فرصة للعدو لشرعنة تجريم قيادات وفصائل المقاومة ومحاصرة أبنائها ، فإذا أردت ضرب العدو لا تتكلم .
كان على العراق محاصرة القيادة الأمريكية دوليا ، واحراجها على المنابر القانونية ، والمطالبة بمحاكمة عسكرييها ، والاستمرار باحراجها حتى تقوم بدفع تعويضات للعراق بسبب المشاريع الأمريكية المتلكئة او الفاشلة ، وعلى مجمل الدور الأمريكي منذ 1980م مروراً بقصف عام 1991م وباقي فترة التسعينات والحصار الأمريكي للعراق ، وتسببها بارتباك المنظومة السياسية بعد 2003م وظهور المصطلحات العنصرية والاثنية يكتب مباشرة من الإدارة الأمريكية . والاستمرار بالمطالبة بتعويض ما دمرته من المصانع والمؤسسات العراقية . وكل ذلك لن يحدث بوجود وزير خارجية يؤمن بإمكانية العلاقات العراقية الإسرائيلية .
فيما فشل الإعلام الحشدي في إستعراض الدور الأمريكي في تخريب العراق من بداية الخمسينات أمام العيون الشابة ، مكتفياً بكوادره ، فيما تحكمت السفارة الأمريكية بالعقول الشابة ونظمتها ، فكانت دورات أربيل معاهد تأهيل مستقبلية للعراقيين ، فضلاً عن دورات الأردن .
وقد كان دور هؤلاء المؤهلين أمريكياً تفعيل الغضب الجماهيري وتوجيهه . وكان هدفهم الرئيس زيادة الضبابية وألا يعرف الشاب العراقي من أي ملة هو .
بالإضافة إلى دور بعض شيوخ القبائل المرتبطين بالمخابرات الأمريكية ، والذين تسببوا بحرق منازل السياسيين . وقد اعترف معظم الشباب الملقى القبض عليهم في محافظة ذي قار بتوجيه أحد شيوخ القبائل لهم ، وقد صدرت بحقه مذكرات إلقاء قبض .
إن على الحكومة العراقية تفعيل الاتفاقية العراقية الصينية ، مع إعادة تقييم جولات التراخيص ، وخفض إيرادات الشركات المتعددة الجنسيات ، ودراسة الأيدي العاملة الأجنبية . مع استئجار شركات قانونية دولية رصينة لملاحقة الأمريكان .
كما يجب اعادة بناء القوى العسكرية العراقية ، وخلق المنافسة بينها ، وتشغيل وتفعيل المصانع العسكرية ، والدخول في اتفاقية مع روسيا والصين لإنشاء معامل القوة الجوية وتصنيع الطائرات .