23 ديسمبر، 2024 6:10 ص

شيء عن هويتنا الثقافية

شيء عن هويتنا الثقافية

تُعرفْ الثقافة على أنها سلوك متحضر وأنها جزء من أفكار جيدة تجعلنا ندرك الحياة بطريقة جميلة . والمثقف يرتهن بالوعي وإتقان التفكير بالشيء قبل الخوض فيه . والثقافة هي مواطنة بمستوى عال وهي واحدة من المؤثرات التي تقود المجتمعات إلى غد أفضل مما هي عليه اليوم ورغم هذا قد تكون الثقافة نمطا سلبيا من أساليب التعامل مع الأشياء وبدرجات عالية من حسن التدبير كثقافة العنف والخداع وبعض الثقافات السيئة الخارجة عن السلوك الاجتماعي المتحضر .

تمثل الثقافة العراقية وجها مبدعا وأصيلا من وجوه الثقافة العربية . وبصياغة ثانية يضاف التالي : تمثل الثقافة العراقية وجها مبدعا من وجوه الثقافة الآرية . على أساس أن العراق ساكنوه ليس من العرب فقط ، ففيه يعيش الكرد والتركمان والأرمن وهم ليسوا عربا ويمتلكون أرثا ثقافيا عراقيا مجيدا دون بلغتهم القومية وأغلبه هو تمجيد الانتماء إلى المكان كما عند عبد الله كوران وشيركو بيكه س وعبد اللطيف بندر أوغلو وغيرهم .

هذه الثقافة المتفرقة الأعراق المتوحدة بهاجس انتماءه الديني ( الإسلامي ، المسيحي ، المندائي ، الأيزيدي )  مثلت منذ قديم الزمان روحا حية لتضاريس الأمكنة ومهما تعددت الدويلات والسلالات كانت الثقافة العراقية تعود إلى جذرها الضارب في القدم فيما الغرباء يزولون وحتى وأن كان لهم بقايا فهم امتزجوا في الجسد العراقي وصاروا بعضا منه وهذا تمثيل لعولمة ثقافية .

لهذا فالقراءة التاريخية لثقافة العراق لا تأتِ من وجه واحد كما كان يؤكد على ذلك سابقا وحتى عند الإشارة إلى الوجوه الأخرى تأتي قصيرة وضعيفة فعلينا أن ندرك أن النمط الثقافي العراقي هو ليس رهين تأريخ الأمة والانصياع لهذا التأريخ هو مما تجبرنا عليه المواطنة القومية لأن الثقافة في روحها لا تنظر إلى الأمور بالعصبية ، وإنما تنظر الثقافة إلى الأشياء من خلال القيمة الإبداعية التي يمكنها أن تغني تراث الشعب والأمة والإنسانية وأن كانت في المكان أكثر من أمة فأن المكان كفيل بتوحيد ثقافتهما بمساعدة الهاجس التاريخي ولغة المعايشة والوطنية التي هي ليست حكرا على الولاء القومي أنما الوطنية هنا أن يكون الإنسان مخلصا للوطن وكل من يعيش فيه وعليه .

أضع هذه الرؤى في غمرة ما يحدث للحياة العراقية بشتى تصانيفها ومحاولات خلق كانتونات عرقية ومذهبية تساعد في تشتيت الوحدة الثقافية في الخطاب الوطني وأقصد الحياة العراقية الوطنية ، الحياة العراقية المحتلة ، الحياة العراقية المتألمة ، الحياة العراقية الدستورية ، الحياة العراقية المثقفة ، الحياة العراقية المفخخة  ….

وبالرغم من هذا فأن رؤى من أمل قريب تشع في الذاكرة أن تزال هذه الغمة ونذهب مع الذاهبين بقطار الحياة المستقرة إلى ضفة لا تنقطع فيها الطاقة الكهربائية ولا ُيفجر المسافرين في مرائب السيارات ، وهذا ما يرتهن بعض منه برؤى الثقافة التي تتطلع مع المتطلعين إلى الرغبة في كتابة متأنية لدستور بلد كان لا يخرج عنقه من زاغور حرب حتى يدخل في زاغور أخر ، ومازال هذا العنق يقاوم في متنفس الهواء داخل زجاجة يحاول الخروج منها بعد ان يهزم داعش والسحت والافكار المتسلحة بعقيدة الاستحواذ والهيمنة والسطو واغلبها تأتي من وراء الحدود .

الثقافة العراقية بأغلبية تراثها العربي تمثل نمطا مشابها للكثير من الثقافات الأثنية بسبب طوبوغرافيا التشكيل السكاني غير أن روح العروبة ذات الإرث التدويني الهائل ظلت تمثل بشيء من رؤى ساطع الحصري في جعل الثقافة العراقية نمطا لسيادة الفكر العربي رغم المحاولات السياسية لتقريب لقيا الثقافات بقوميات متعددة وفي وطن واحد كما هو الواقع وبالرغم من أن الأنظمة لم تمارس قسرية مفضوحة على ثقافة القوميات الغير العربية لكن السياسة مارست شيئا من القسر والتضيق وكل المحاولات المبذولة لأحياء التعايش الثقافي كان وجدان الشعب هو مصدره أكثر من وجدان الحكومات .