23 ديسمبر، 2024 4:01 م

شيء عن بلاد أسمها ( التها بها )…!

شيء عن بلاد أسمها ( التها بها )…!

في مسار الابتسامة تفتح الشفاه نافذة للكلام ، وستقول واحدة أنا أريدك كما يريد الألب ثلج الخريف وجسد يتزلج على ذاكرة أمير من أهوار فرات الدمعة السومرية..
أمير يرتدي بزته الفلورنسية ويطلب من بائعة اللبن الخاثر قبلة ، فتستحي المسكينة وتهمس بلغة مسمارية من عهد أيوب : أنت لست أبن عمي…
لقد عاشت القبيلة فينا منذ حلم كوديا وحتى الساعة.
قبيلة العم وليس الخال أو الأم ، لقد ظلت الأبوة تحدد انتماؤنا إلى ما نعتقده إنها أصولنا التي ينبغي أن لا نحيد عنها ، ولا ادري كيف يشعر أحدهم عندما تعطى له جنسية وطن جديد ويطلب منه أن يتخلى عن جنسية وطنه الأول وبالتالي فأنه يتخلى أيضا عن أصله القبلي بموجب توقيع بصمه على ورقة مطبوعة تقول له :لا جنسية لديك غير جنسية بلاد : آلتها بها .
أعتقد أنكم لو بحثتم في خرائط الأرض كلها ، من خارطة الإدريسي وحتى أطلس الجغرافية لوزارة المعارف العراقية فلن تجدون بلادا اسمها ( تها بها ) ..
ولكنها موجودة ، ابحثوا قليلا حتى في جيبوكم ودموع المهجر وأغاني حضيري وداخل حسن وزهور حسين وأم كلثوم ستجدونها ، حينها ستعرفون كم هي قريبة إلى القلب بتضاريسها وقراها وجواميسها وذبابها وتلك الهمسات التي تشبه رعشة البط في الماء البارد ، واكثر ما ستجودن هذه التها بها معلقة في رموش العذارى اللائي لم يكملن الثامنة عشر بعد ، واللائى يكون مشيهن موازيا للحن الخالد الذي يطلقه موج النهر هو يرجه المجداف وهنا ساعة السحر كما يقول السياب في أنشودة المطر.
 البلاد التي تنتخب حلمها من خلال بساطة الفكرة وطيبة القلب وحسن النية وإن كان هذا لا يجوز في عرف الديمقراطيات ،لكن في بلد حمل الزقورات والمدافع وتيجان الملوك على كتف واحدة .هذا جائز…!
قديما ،كانت بابل ذات شأن كوني ، وكان يُنظرُ أليها على أنها واحدة من أعظم مدن الآلهة ، ولهذا كانت جديرة بأن تؤسس ذاكرة متحضرة للعالم من خلال الشرائع ومعادلات الحساب والفلك والبناء كما في الجنائن المعلقة ،وكذلك كانت بابل مملكة للسيف والحصان ولهذا عندما وطأتها سنابك خيل الإسكندر المقدوني قال : الآن يحق لي أن أتفاخر بأمتلاك وطنا آخرا، فلقد كان هذا الملك يشعر بزعزعة الوجود لديه فلم تكن روما أو أثينا تمثل له مستقرا وجدانيا ولم يكن يحلم بتربتها موطنا لنعشه فكان من الأباطرة القلائل الذي كان يبحث في حروبه عن وطن المنفى ليكون موته في بابل وقبره في إسكندرية مصر وهو في هذا يتقابل مع فكرة من يغادر وطنه ليبحث عن قلق آخر يغلفه بسعادة أن يعيش بأمان ولا يهدده ملثم ويهجره من بيته وعاطفته وباب رزقه أو ذلك الذي كان يجبره بأنتماء واحد وافتراض واحد وقاطع لمليشيا تذهب الى جبهة القتال فقط لتتعلم كيف تلوك صمون الجيش بين أضراسها ، وفي الحالتين نتملك نحن العراقيون فريضة ازدواجية المكان ليس بدافع من رغبة روحية بل إن الجغرافية والتاريخ يشتركان في التآمر على هذه الذات ليس لحاضر مليشيات خلف السدة أو تنظيمات القاعدة والشرطة المزيفين ، بل إن الأمر يقع كله في خانة الخلفية التاريخية المرتبكة لوقائع ملونة عاشها البلد وبالرغم من هذا ظلت هويته اكبر من أن تختلط في ذاكرته ثقافات الانتماء ،وظلت عاطفته اكبر من حزنه وعشقه أصفى من دمعة الموت التي يسقطها زمن القتلة على براءة طفولته وصباحاته المغردة بكوكوة الديك..
هذه البلاد هي بلادنا ..شئنا أم أبينا …ولزاما علينا أن نكون لها قبل أن تكون لنا ..وهي حتى في ازدواج البطاقة المدنية قد ترضى ولكن على مضض ..
هذا المضض احمله تساؤلا الى أولئك الذين يمسكون الصلوجان من طرف حدبة البعير..أما كفاكم تفكيرا بصكوك الغفران وصكوك المصارف ونوعية خشب نعوش الضحايا …..؟!