تعريف أول : الخناوة في العامية العراقية هو الرجل المستخنث الذي يتحول من ذكر الى انثى .أو يميل الى التصرف الانثوي .وما يسمونهم في العولمة الجديدة : مثيلي الجنس ..فيما تسمى المرأة المتحولة الى رجل الى مايطلق عليه ( المسترجلة )..
ربما مسعودة العمارتلي ( المطرب ، المطربة ) الذي عاش في ثلاثينيات واربعينيات هو اشهر المتحولين من حال الى حال في تركيبته الجسمانية بتحوله من انثى الى ذكر وعلى النطاق الوطني كونه مطربا ( مطربة ) شهيرا ، وكان لتحوله وشجي صوته ورقته الفاضحة حظوة كبيرة خاصة لدى شيوخ عشائر العمارة فكانت لياليهم الملاح لاتحلو إلا مع صوت مسعوده العمارتلي التي ذاتها شدت بواطن الشوق عند شاعر كبير كالجواهري ليكتب اليها قصيدة لمديح الصوت وجماليته ولم يشر الى التحول الفيسولوجي والروحي الذي اكتسح المرأة التي بدأت حياتها راعية غنم .ولتتحول الى رجل ربما في دافع منها لتعطي صوتها الذي ذاع صيته صفته الوطنية لينتشر بفضل مقامات جقمقجي والاذاعة العراقية .ولو بقيت حبيسة صوت الصفة الانثوية لما انتشرت هكذا بسبب طبيعة التقاليد المتزمتة التي تحرمُ على المرأة أن تغني وتمثل وتظهر في المجتمع العام بأي نشاط حضاري .
أعتقد أن المديح الذي رنَ بأذن مسعودة العمارتلي والذي شد الناس المُحطين بها لحلاوة صوتها قادها بعزم لتسترجل …..
ظل هذا التبادل الجسماني والشعوري والعاطفي يتلقى نظرة خاصة من قبل المجتمع ، ويبدو ان نظرة الاحتقار والفكاهة والاستغراب هي اول هاجس يسكن الناظر لهكذا شخص ( مستخنث أو مسترجل ) وقد تختلف في درجتها عندما تكون النظرة الى المخنث أكثر احتقارا فيما تتحول الى اكثر فكاهية الى الرجل المرأة المسترجلة ..!
وبعض الذين يسترجلون تزوجوا بفضل هاجس العشق الذي يسكن العلاقة بين حبيب مسترجل وحبيبته كاملة الأنوثة …
انا هنا فقط اتحدث عن عصر ذهبي لأولئك المخنثين ( الخناوات ) في مجتمع الجنوب العراقي بعيدا عن كثيرٍ من الظواهر الاجتماعية المتشابهة خاصة في الخليج العربي وخصوصا في مملكة البحرين حيث نستمع الى مايشبه الخرافة والتأويل والاسطرة في حفلات زواج جماعي يقام لاولئك المخنثين من رجالات مجتمع أو (…) ، وربما في الرؤية التاريخية لتلك الظاهرة التي تكاد أن تختفي اليوم الاسباب البيئية والاجتماعية والثقافية ايضاً…ويقال أن القرامطة والزنج الذين احتشدوا في تكوينهم الاجتماعي والثوري والثقافي في تلك المناطق كانوا يقيمون حفلات مجنونة لايرقص فيها سوى الرجال ..!
في مدينة الناصرية ( جنوب العراق ـــ 360 كم جنوب بغداد ) تواجد مثل هؤلاء وعرفوا على نطاق المجتمع وأغلب ما كانوا يمارسونه هو الرقص في الاعراس وتسمى حفلة العرس ( الكيف ) عندما كانوا يُجلَبون من متعهد خاص بواسطة ثمن ، ويرتدون بدلة الرقص مثل تلك التي ترتديها الراقصات الغجريات ويتمكيجون بمكياج صارخ ، والغريب أن اولئك المخنثون يكونون اكثر اثارة واداء من رقص النساء ويمتلكون تماوجاً غريباً وشهياً في اجسادهم ، حتى ترى كؤوس الخمرة تسقط من ايدي شاربها وهي ملآنه عندما يتصاعد دق الخشبة ( وهي الطبلة المصنوعة من الفخار وجلد الحصان ) وكان اغلب الضاربين عليها من الزنوج .حتى يصل الاعتقاد في الاوساط الاجتماعية ان اولئك الزنوج من ضاربي الخشبة هم من يحتكرون معهم الغرام في ليل الثمالة ليصل الى ما يشبه الزواج ….
كنا نعرفهم بتفاصيل عيشهم وكانوا يؤمون بيوتا معينة ( سميره ، عوفه ، خناوات تنتمي الى عوائل معروفة لانذكر اسماءها الآن ) ولكني كنت مشدود في طفولتي للانتباه الى ( سُميرة ) التي اظن انها كانت تقطن منطقة سوق الشيوخ عندما يجلب بها لتحي اعراس اهل المدينة واغلب تلك الحفلات تقام فوق السطوح او في ساحة البيت .وكانت سُميرة وهي اصلاً رجلاً ..تمتاز بسمار شهي يقارب الى الملامح الهندية وبأنف مخروط ونظرة انثوية غريبة ..وله دعابة ماجنة في الحديث وتصرف انثوي بارع في التعبير عن مشاعره .وكان في تصاعد ايقاع ضرب الطبلة والغناء يكاد يتحول الى طائر جريح لايهمه سوى ان ينتفض ليطير .وكان في رقصه اتقان عجيب حتى تحس ان كل اضلاعه في صدره تتحرك بانتظام شهي مع الضرب والغناء والتصفيق .فيما كان يحرك بطنه النحيفة كما يحرك موج النهر شوقه لشراع صياد عاشق..!
الغريب أن المشهورين من اولئك الخناوات تكاد ان تكون نهايتهم واحدة هي الموت بطعنة سكين ….ولم اسمع سوى القليل عن خناوات ماتوا موتا طبيعيا ….فأقل ما يموت هذا الخنثى بمرض غريب آت من سرية الممارسة الحياتية الخاصة …
مسعود العمارتلي ( استرجل ) ومات مسموما …( سمير ) تخنث ومات بسكين ..ولكن بينهما تاريخاً من نشوء الظاهرة الاجتماعية في عصرها الذهبي …وهي حتما امتداد لعصور قديمة من هذا السلوك الذي كُتب عنه كثيرا خاصة في العصر العباسي الثاني …!
الغريب أن االمسترجلين خدموا في الجيش واستشهد بعضهم ..واعرف مسترجلا في سرية مشاة قاوم ببسالة نادرة الجيش المهاجم ..وشاهد عيان قال لي : انه قبل ان يتوسد الخندق الشقي شهيدا …اصاب من مهاجميه كُثراً …والاغرب انه كان يرمي ويزغرد …
أفسر هذا التصرف برغبته الفطرية والروحية للعودة الى اصله وليعلم رفاقه من جنود سريته إن الرجال ليس وحدهم من يحق لهم الدفاع عن اوطانهم ببسالة وفي الخنادق الشقية …!
المانيا 2014