ونقــــرأ من لافتات المتظاهرين .. لا .. للمخـــبر الســـري .. , لا … لقانون اربعة ارهـــــاب … , لا .. للطائفــيــة .. لا .. للتهميش… …. لا .. للتقســــيم , لا .. للظـــلم .. بأي شكل من أشكاله .. .. والقائمة مفتوحة على ما لا يعد ولا يحصى .. مما له أول .. وليس له آخـــر . . وبالمقابل نقرأ نعــــــم … لكل ما هو حق للوطن والمــــــــواطن حق العمل .. الحياة الكريمة.. العدالة الاجتماعية .. اصلاح الاقتصاد .. حماية الامومة والطفولة والشيخوخة .. رعاية النشيء والشباب.. الضمان الاجتماعي والصحي .. حرية التعبير ..حرية الاعلام .. حرية التظاهر .. حرية الفكر والعقيدة .. كل ذلك منقوش على صفحات الدستور كما نقشته اللافتات وصدحت به الحناجر على مر عقد من الزمن تقريبا والأمور تتدهور وتتدهور مما يجعلنا نقف ونسأل : هل الخطأ في الجماهير ؟؟ ام في طريقة تعبيرها عن مطالبها ؟؟ ام في الحكومة ؟؟ ام في النظام السياسي الذي يسمونه (عملية سياسية) ؟؟ وأن لم يكن هناك خطأ فلماذا لم يتمكن لا الشعب ولا النظام من ايقاف التدهور على اقل تقدير؟؟ .
انتفاضة تشرين جاءت تحمل الاجابة بعد ان أيست الجماهير من التغيير فقالت ان الحل يكمن في اسقاط النظام . وهنا جرى الدم .. دم الشياب الشريف ودم رجالنا في الاجهزة الامنية
واستنادا الى منطق القانون , فأن أي فقرة من الفقرات أعــــلاه , كفيلة بأسقاط أي حكومة , حتى وقبل ان يمارس المواطن .. حق الرفض والتظاهر , وهذا ما جرت عليه الحال في كل الدول ذات الأنظمة الديمقراطية الحقيقية , فكيف اذا اجتمعت هذه كلها بما هو ظاهر .. مع كل ما هو خاف وباطن , ولا تسقط الحكومة العتيـــــدة , بل بالعكس , فأن ما هو ماثــل .. هذا الإصرار العجيب الغريب على البقــــاء , مع التحـــدي وممارسة الظلم والتعسف والجـــور …. بكل أشكاله وأنواعــــه …
وهكــــذا .. فما ان طفح الكيـــل .. وبلغ السيل الـــزبى , ولم يبق في القوس منزع , عــلا الصـــوت , ومـــا كان الا أن جرى الإعلان عن ..الاعتصام .. والتظــــاهر السلمي ووفق ما جــــــــــــــــاء به ” الدســتور .”
وتمر الأيام وتأتي فرصة الاربعينية وبعدها , وكأن الأنسان والــــزمن والكرامة , أمور ليس لها معنى أو قيمـــة , في وطن القيم والمثل والمبادئ .. مئات الشهداء والاف الجرحى .. لتجتمع (رئاسة) مجلس النواب فقط … وقبلها يقدم المتهمون تقريرهم الاداري عديم اللون والطعم والرائحة وقبلها وبعدها خطاب للسيد القائد العام الذي اخطأ في قبوله المنصب اصلا بدون كتلة او حزب يدعمه ، وهو كان قد لمس ان اصحاب الكتل قبله اكلتهم الفوضى الخلاقة والنفوذ الاجنبي ونفوذ الاحزاب ومكاتبها الاقتصادية والسلاح المنفلت .
ومع اصرار ” الحكومة .. !!! .” على تجاهل مطالب الناس , وكأن ليس لهم وجود , وبكل هذا الاستخفاف الذي لم يضع قيمة لأي اعتبار .. مبدأي , أخلاقي , أنساني … وتـــــــاريخي .. وأمام هذه الحال رفع المتظاهرون.. سقف مطالبهم .. ودرجة أصراهم ليكـــون .. ” عصـــــيانا مدنيــــــا ” .. والذي ينبغي ان يكون هدفه تقليص التضحيات من خلال كونه يقدم الهدوء النسبي ويسهل على الاجهزة الامنية كشف حالات ركوب الموجة من لدن فصائل مسلحة تتصارع ، او مندسين يريدون حرف المسار . ويعطي وقتا للحكومة بأن تراجع نفسها وتتخذ المواقف المناسبة
فماذا يعني هذا النوع من الممارسة في الدعوة الى تحقيق مطاليب عادلة ومشروعة ..؟.
العصـــيان المدني ” , هو الخرق المدني للقانون دون اللجوء الى العنف .. دفاعا عن مبدأ هــــام أو مصلحة حيوية , وهذا ما حظي بمكانة محترمة في تاريخ الديمقراطية . ويجب تمييز هذا النوع من الخرق عن الخرق الإجرامي للقانون بوضوحه , وهدفه السياسي , وحقيقة كون المشتركين فيه لا يحاولون تفادي مقاضاتهم وانزال العقوبة بهم لقاء جرائمهم .ويهدف ” العصـــيان المدني ” عادة الى شـــد الانتباه الى الظلــــــم أو الاعتداء الذي تمارسه السلطات الحكومية , أو الخاصة المتنفذة , وفرض ضرورة العـــودة الى التفكير بالسياسة المناسبة , في حال عدم فعالية الطرق الأخرى للدعاية والأقناع . ”
ولكي نحقق .. ” ممارسة ديمقراطية ” ضرورية ومطلوبة , في هذا العرض , سنبين موقف طرفي معادلة في الرأي لكل من منتقدي ” العصيان المدني ” والمدافعين عنه , وبهذا يمكن للقارئ ان يحكم وفق ما يراه صحيحا , معقولا ومنطقيـــا.. وعــــــــــــادلا .
ــ ” يحتج منتقدو .. ” العصيان المدني ” …. مستندين على ـ مفهوم وحدة القانون ـ في أنه لا يمكن تبرير انتهاك القانون , فالقانون هو قاعدة المجتمع المتمدن , والاستخفاف به …… يعتبر تحديا للديمقراطية ولسيادة القانون أيضــــا .
ــ أما المدافعون عن شرعية ” العصيان المدني ” …. مستندين على ـ مفهوم القانون والعـــدالة ـ فيشيرون الى أن قبول الالتزام بنتيجة الانتخاب , لا يمكن أن يلزم الفرد بطاعة كل قـــــانون , أو بالتعاون مع سياسة الحكومة مهما كانت ظالمــــة . وأحيانا قد تستغرق القنوات الدستورية للحملة والاحتجاج وقتا طويلا جدا , يتعذر معه رفع الضرر الذي وقع , …… بهذا .. يمكن اعتبار العصيان المدني خدمة للديمقراطية أكثر من اعتباره نقيضـــا لهـــــا “.
وتجدر الاشارة الى انه لا يمكن بسهولة حل هذه الاختلافات بمجرد اللجوء الى الدراسات العامة , وتعتمد هذه الحلول في معظمها على دقة الظروف في كل حالة , وعلى الموازنة بين تضارب المبادئ المشاركة , وعلى تقييم نتائجها الخاصة .
تشير الدراسات التاريخية … “… الى أنه قلما توطد نظام ديمقراطي بدون ممارسة الجماهير لدورها في النضال والتحرك على نطاق واسع , ولفترات طويلة أحيانا , وبتضحيات شخصية كبيرة . يجب اقناع العاديين بضرورة وجود السلطة الديمقراطية لتحقيق طموحاتهم الأساسية , كما يجب تنظيم المطالبة بها . وبمعنى آخر , لا تأتي الديمقراطية على شكل منحة من الأعلى , فالحكام التقليديون , والدكتاتوريون العسكريون والحكام مدى الحيـــــاة , والمحتلون الأجانب والوكـــــلاء عنهـــــم …. ليس منهم من يتخلى عن السلطة مختــــارا , بل فقط عندما يفقــد النظـــام اعتباره على نطــاق واسع , ويقنعــه التحرك الشعبي بان استمراريته في السلطة لن تعمل الا على تعميق الاضطراب والفــــــوضى ” وتقديم تضحيات اكثر ..
تعد مسؤولية ” الحكومة ” تجاه الشعب في النظام الديمقراطي في أحد جوانبها مسؤولية ” قانونية ” , تجاه المحاكم للتقيد بالقانون من قبل كافة الموظفين الرسميين ” سلطة القانون ” ومن جانب آخــــر مســـــــــــــؤولية ” سياسية ” , تجاه مجلس النواب والشعب , لتبرير سياستها وأفعالها …… وفضلا عن هذه المسؤولية , يجب على الحكومة الديمقراطية أيضا أن تستجيب لما يعبر عنه الرأي العام بمختلف الأشكال , من خلال المطالب الأصولية للمشورة ومن خلال انفتاحــــها ” .
من هنا تأتي الإشارة الى ضرورة التذكير بالحقوق المدنية والسياسية للمواطنين , والتي تتضمن : حرية التعبير والاجتماع والانتقال وغـــــيرها , ….. وهي شرط ضروري لنهوض الشعب بدوره السياسي , سواء بمعنى التنظيم الذاتي في مجتمع مدني أو لممارسة التأثير على الحكومة . ومع أن هذه الحقوق مضمونة على نحو مناسب للأفراد , كجزء من الحقوق الإنسانية عادة , فأن أهميتها تكمن في سياق النشاط الجماعي , أي الانضمام الى الآخرين لتحقيق أهداف مشتركة , وتنظيم الحملات , والتأثير في الرأي العــــام …. بهذا فمن الخطـــأ ان نعتبر الحقوق الفردية مناقضة بالضرورة للأهداف الجماعيــــة , أو لإجراءات صنع القرار الجماعي والأشراف الشعبي عليهـــا . وعلى الأصح تشكل تلك الحقوق الأساس الضروري لهـــذا الأشـراف وعليه. يمكن اعتبار ـ سلطة القانون ـ حجـــر الزاوية في صرح الحرية الفردية والديمقراطية . فبدون سلطة الدستور والقانون لا يمكن أن تتوفر حماية للحقوق الفردية من السلطة التنفيذية . عندما ينشأ القانون من دستور ديمقراطي وهيئة تشريعية منتخبة , يصبح الشرط الأساس للديمقراطية هو التزام السلطة التنفيذية بالتقيد به . لذلك تعد محاولات تجاهل النظام الإجرائي والقانوني في الصالح الوطني , أو تحت ضغط المطالبة الشعبية المباشرة ” . محاولات غير ديمقراطية
ولعل حقوق الأنسان وحرياته الأساسية تسميات خاصة تنشأ من حاجات الأنسان وكفاءاته , ويشكل الاعتراف بهذه الحقوق وابتكار الوسائل لحمايتها ملمحا من أهم ملامح التقدم في القانون الدولي .. ويعد الإعلان العالمي لحقوق الأنسان الذي تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة ” في العاشر من شهر أيلول عام 1948المصدر الرئيسي للأفكار المتعلقة بحقوق الأنسان . ويمكن تصنيف هذه الحقوق بعدة طرق , ولكن تصنيفها الى حقوق مدنية , وسياسية , واجتماعية , واقتصادية , وثقافية , يحظى بقبول أكبر . وقد اعتمدت ” الوثيقة العالمية لحقوق الأنسان ” هذا التصنيف .والأمثلة على الحقوق المدنية والسياسية هي : حق الحياة والأمان من التعذيب , والتحرر من العمل الإلزامي , ومن الاعتقال الكيفي , والحق في محاكمة عادلة , وحرية الفكر , والضمــــير , والدين أو العقيــدة , والحق في حياة خاصة , وحرية الكلام والاجتماع وحق المشاركة في الشؤون العامة .والحقوق المدنية والسياسية هي من الناحية النموذجية الحقوق التي تلزم الدولة بالكف عن التأثير أو التدخل في شؤون الأفراد والجماعات بتلك الجوانب على وجه الخصوص
تحدث ” المؤتمر العالمي لحقوق الأنسان ” عن العلاقة بين حقوق الأنسان والديمقراطية ـ اضافة الى تطورها ـ بوصفها كيانا متآزرا يعزز بعضه بعضــــا . …. والاعتقاد بصميميه العلاقة بين الديمقراطية وحقوق الأنسان , , فقد تضمن ” الإعلان العالمي لحقوق الأنسان ” ملحقا حول الحكومة الديمقراطية . ويعلن ان ارادة الشعب يجب أن تكون أساس سلطة الحكومة كواحد من أهدافه المثاليــــة . ـ المادة 21 ـ
مع كل ما تقدم .. فأن المعايير العالمية تسمح بوضع قيود على ممارسة بعض الحقوق , وفقا لأسس معينة تتعلق بالنظام العام , والأخلاق العامة , والأمن الوطني وحقوق الآخرين . ولكن بعض الحقوق لا يمكن تقيدها على هذا النحــــو , فهناك بعض الضمانات الأساسية للأفراد , مثل الأمان من التعذيب , وحرية الفكر , والتحرر من التمييز , والتي لا يمكن سحبها في المجتمع الديمقراطي .
” وقد وطــد ـ القانون الدولي ـ على نحو مرض , المبادئ الأساسية المتعلقة بتبرير التدخل أو تقييد الحق . وتقضي هذه المبادئ بـ .. أن يستند التقييد الى قانون , وأن يكون هدفه مشروعا , وبمعنى آخر , أن يكون الهدف مبررا على نحو واضح في المعايير الدوليــــة , وأن تستند ضرورة التدخل أو التقييد الى مفهوم المجتمـــع الديمقراطي , يعني هذا في التطبيق العملي أنه على السلطة أن تظهر اعتدال تصرفها في تقييد الحق أو الحريــــة . هذا فضلا عن ان القوانين ينبغي ان تكون قد نبعت من الدستور فالدستور العراقي مثلا وكالكثير من الدساتير يحرم ((سن قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية)) ويحرم ((سن قانون يتعارض مع الحقوق والحريات الواردة في الدستور)) بينما قام قانون حظر البعث بمنع البعثيين من حقوقهم المدنية بموجب قانون حظر البعث الفقرة سابعا- ((المشاركة في أي تجمعات أو اعتصامات أو تظاهرات.))
يلجأ المجتمع الديمقراطي الى استخدام سلطات الطوارئ على مضض والالتزام بمبدأ ممارسة تلك السلطات في أضيق نطاق ولأقصر فترة تقتضيها الضرورة مع اتخاذ أقصى الإجراءات الوقائية ضد استخدام تلك السلطات ضد الحقوق والحريات المدنية ، وهناك بعض الحقوق لا يمكن تعليقها ـ الانتقاص منها ـ حتى في حالة الطوارئ , كحق الحياة , وحرية الفكر والضمير والتحرر من التعذيب , وتعرف هذه الحقوق بالحقوق التي لا يمكن انتقاصها , فهي حقوق وحريات مطلقــــــــــة .