السيتكوم يرى فيه التونسيون المتنفس الكوميدي اليومي الوحيد الذي يخرجهم من ضغط الواقع… بينما يعجز الساسة الجدد على الاعتراف بأن ما يسمّونه بزمن الدكتاتورية ترك لأطفالهم على الأقل مساحة للبهجة.
أسعدتني عودة الفنان أبوبكر سالم إلى الغناء وهو الذي ما انفك منذ 60 عاما يمتّع جمهوره بفن نبيل وأصيل، حيث ساهم لا فقط في التعريف بروحية وأصالة اللون الحضرمي، وإنما في بلورة خصوصيات مدرسة الغناء الخليجي أيضا.
ما شدني في ألبوم الفنان اليمني الجديد هو أغنية “شوف لي حل” التي أحالني عنوانها مباشرة على سيتكوم تونسي يحمل نفس الاسم، أنتج منه التلفزيون التونسي خمسة أجزاء من 2004 إلى 2009، أي أنه كان من إفرازات مرحلة الدكتاتورية بمفهوم ثوار الربيع العربي، ورغم ذلك لم تجد القناة الثانية للتلفزيون العمومي المتواضعة من حيث الإمكانيات والإنتاج سوى حلقاته تعيد بثها منذ ستة أعوام بشكل يومي حتى أن الشعب حفظ السيناريو وبات ينطق بجمل الحوار قبل أن تخرج من أفواه الممثلين دون أن يتخلى عن متابعة الحلقات.
وخلال الموعد اليومي لعرض سيتكوم “شوف لي حل” صارت القناة الثانية تحصل على أكبر نسبة مشاهدة وتستقطب المعلنين نتيجة إقبال الأطفال ومعهم الكبار على ملاحقة حركات وسكنات وكلمات “السبوعي” بطل الحلقات، ذلك النموذج الذي يجمع بين الحجم الثقيل والروح الخفيفة والنهم والغباء الفطري والقدرة الفائقة على الخروج من المأزق في إطار مرح بالاعتماد على مكانته الخاصة لدى والدته. بينما وجدت الأسر التونسية في هذا العمل ما يفصلها لمدة 30 دقيقة يوميا عن برامج السياسة وصراع الديكة في القنوات الأخرى، حتى أن بعض السياسيين يعترفون بأن أبناءهم يجبرونهم على تثبيت المحطة على “شوف لي حل”، ما يجعل أغلبهم يتجه إلى جهاز تلفزيون ثان في المنزل إذا كانت هناك مادة مهمّة على قناة أخرى.
المثير أن صانع تلك البهجة، الممثل سفيان الشعري، كان محسوبا على النظام السابق، وبعد الإطاحة ببن علي تعرض للمضايقات وسلّط عليه جهاز الأداءات جردا ماليا فاق قدرته على الدفع، فشهر بالغبن وعاش فترة صعبة من الناحية النفسية انتهت بالإعلان عن وفاته بسبب أزمة قلبية مفاجئة تعرض لها في صيف 2011.
واليوم لا تزال أسرة باعث البهجة في نفوس التونسيين تنوء بعبء دفع مستحقات الضرائب عبر التقسيط، ويوجد في أدراج المحكمة ملف دعوى قضائية مرفوعة ضد وزير سابق بتهمة طريفة وهي التدخل لفرض سفيان الشعري على التلفزيون من أجل أن يقوم ببطولة السيتكوم الذي لا يزال يحظى بالمرتبة الأولى من حيث المشاهدة، ويرى فيه التونسيون المتنفس الكوميدي اليومي الوحيد الذي يخرجهم من ضغط الواقع الذي تمر به بلادهم، بينما يعجز الساسة الجدد على الاعتراف بأن ما يسمّونه بزمن الدكتاتورية ترك لأطفالهم على الأقل مساحة للبهجة والابتسامة اسمها “شوف لي حل”.
نقلا عن العرب